مغالطات حول السنة الأمازيغيةً المزعومة
أسامة مغفور
هوية بريس – الجمعة 17 يناير 2014م
إذا لم يكن عندك مجد فبإمكانك صناعته عبر العودة إلى خرافات التاريخ القديم واللجوء إلى التزوير والتحريف. وإذا لم يكن عندك لغة فبإمكانك أن تخلط اللهجات وتخترع منها عجينا داخل المختبر تسميه لغة وتطالب بإقحامه في الدستور وفي البرلمان وفي الإدارات وفرضه على تلاميذ المدارس.
وإذا لم تكن عندك أبجدية فبإمكانك أن تسرقها وتنسبها لنفسك، وعليك أن تحفر وتحفر في الصخور والأشجار دون كلل علك تجد لنا نقوشا نعمي بها عيون الحساد والحاقدين. وإذا لم يكن عندك تقويم فبإمكانك أن تكذب وتكذب ثم تكذب وتوظف الأيديولوجيا حتى تصدقك السلطة والأحزاب والإعلام والبسطاء من الشعب.
وإذا لم يكن عندك عَلم فبإمكانك أن تأخذ قطعة قماش وتزينها بألوان زاهية وتربطها بالبحر والصحراء والشجر لتأكد لنا تشبثك بالأرض وكأن الآخرين يتشبثون بكوكب آخر. وإذا لم تكن عندك حضارة ولا مؤلفات ولا آثار فبإمكانك أن تجمع كل ما صنعت واخترعت وتجعل منها حضارة تبهر بها المغفلين والسذج.
وإذا لم يكن عندك أشخاص يحملون على عاتقهم هم حضارتك الاصطناعية فبإمكانك أن تستغل مجاهدين وقادة وأبطالا وعلماء وتركز على انتمائهم العرقي الصافي الذي أثبته لك على ما يبدو علم الجينات والدراسات الاستعمارية.
وإذا لم تكن عندك دولة فعليك أن تجمع الناس من حولك وتقول لهم إن كل الأسر التي تعاقبت على الحكم في هذا البلد السعيد كانت تنتمي إلى قبيلتك وأن كل المغاربة أمازيغ حتى ولو كانت أصولهم من بلاد الشام أو العراق أو الأندلس أو غينيا، وعليك الآن أن تدعم كل قوى الانفصال لتتخلص من هذا الغزو العربي الذي سلب حريتك وأهان كرامتك.
إنه لسان حال أحفاد كسيلة والكاهنة اليوم الذين دأبوا بمساعدة السلطة وبعض الأحزاب الشعوبية على صناعة حضارة أمازيغيةً لم يحدثنا عنها أي مؤرخ على الإطلاق. إلا أنها موجودة في ذاكرة جماعية خيالية لا يراها إلا أصحابها وما زال نورها يشع في أرجاء الكون.
لقد بحثت في كتب التاريخ القديم ولم أسمع إلا عن الحضارة البابلية والآشورية والكلدانية والسومرية والفرعونية والفينيقية ولم أجد شيئا اسمه الحضارة الأمازيغيةً حتى جاءنا كهنة التيار العرقي ليحدثونا عن الأمجاد والبطولات في بلاد شاسعة تبدأ من مصر وتنتهي في عمق صحراء إفريقيا. حضارة يبدو أنها علمت الإنسان القراءة والكتابة وزراعة الأرض وكل العلوم والفنون وربما علمت أمريكا كيف تضع قدمها على سطح القمر.
مناسبة هذا المقال اليوم هو هذا الهذيان وهذه الأكاذيب والمغالطات حول هذه السنة الأمازيغية المزعومة وكيف كرس إعلامنا الهزيل للخرافات وتزوير الحقائق بعد أن صار دمية بيد لوبي عرقي خطير يسعى جاهدا إلى اختراع هوية جديدة وفصل المغرب عن عمقه الحضاري العربي الإسلامي. وهكذا انهالت علينا برقيات التهاني والتبريك بالسنة الجديدة وعمت أرجاء المملكة احتفالات وابتهاجات بالعيد السعيد هلل لها إعلام بائس يجند كل ما في جعبته لنشر الجهل والأمية داخل المجتمع. وحتى بعض السلفيين أقحموا أنفسهم في موضوع لا يعنيهم وباركوا لأخوالهم هذا العيد المجيد في جهل تام بمقاصده وأهدافه. وكعادتهم كل سنة اعتلى عباقرة معهد الأمازيغية كل المنابر لنشر الأكاذيب والمغالطات والمطالبة من جديد بجعله عيدا رسميا لكل المغاربة دون استثناء.
إننا أمام مؤامرة شرسة وعملية سطو منظم في وضح النهار للسنة الفلاحية التي يحتفي بها القرويون منذ مدة في كل البوادي المغربية بعربهم وبربرهم. ولإضفاء نوع من المشروعية والمصداقية على هذه الكذبة الكبرى، تم تغليفها ببطولات “شيشنق” والتأريخ لها من يوم تغلبه على “رمسيس الثالث” فرعون مصر قرب تلمسان في سنة 950 قبل الميلاد.
هكذا إذن تحولت عادة احتفى بها القرويون تيمنا بموسم فلاحي ناجح وفير المحاصيل إلى سنة أمازيغية بين عشية وضحاها، هي التي لم يسمع بها المغاربة في كل تاريخهم إلى أن اشتد عود الطائفيين والحاقدين ودعاة الفتن. وهكذا تحول “شيشنق” من شخصية وحدت القبائل وانصهرت وساهمت في صناعة أمجاد الحضارة الفرعونية إلى بطل أمازيغي بنى وأسس لحضارة أمازيغية من قلب مصر. كما تحول يوسف بن تاشفين والمهدي بن تومرت ويعقوب المنصور من قادة مغاربة كونوا إمبراطوريات بلسان عربي مبين في إطار الحضارة العربية الإسلامية إلى أبطال أمازيغ أسسوا دولا أمازيغية. كما تحول المجاهد بن عبد الكريم الخطابي من مدير لوكالة المغرب العربي للأنباء في القاهرة وصديق لجمال عبد الناصر إلى ريفي متعصب يسعى إلى استقلال الريف. أما العلامة محمد المختار السوسي الذي أحب اللغة العربية وعلمها لأبنائه وكتب السوسية بحروف عربية ورفض ما دونها، فلقد جعلوا منه شخصية ضيقة الأفق إلى حد التطرف والمغالاة ذي نزعة سوسية عنصرية.
هكذا إذن تصرف التيار العرقي في المغرب باعتماده على تزوير التاريخ وتحريف الحقائق ونشر الأكاذيب والمغالطات بهدف اختراع حضارة وهمية مستقلة بذاتها وفصل المغرب عن محيطه العربي الذي ينتمي إليه جغرافيا وحضاريا. إننا نعيش اليوم تجاذبات بين أمازيغية كسيلة والكاهنة التي تريد أن يعود المغرب إلى ظلمات ما قبل الميلاد ويقطع صلته بالعرب وبالإسلام، وأمازيغية محمد المختار السوسي وعبد الحميد بن باديس المنفتحة والمتحالفة مع العرب والمنصهرة في الحضارة العربية الإسلامية والمؤمنة بالعروبة كانتماء حضاري ينبذ العرق والطائفة ويجمع الشمل بلغة عربية جامعة.
ومستقبل المغرب يبقى رهينا بنتيجة هذا الصراع بين هاتين الأمازيغيتين. وما نراه اليوم هو غلبة أحفاد كسيلة الذين أوصلوا لهجتهم إلى البرلمان وجعلوا منها لغة في الدستور وأحيوا رسوما بائدة وفرضوها على أبنائنا وأمعنوا في تحقير العرب والتقليل من شأن اللغة العربية ووصفها بأقدح الألفاظ والإساءة إلى الإسلام دين المغاربة. كل هذا في غياب السلطة وتحالفاتها المشبوهة وتجاهل هذه الأغلبية الصامتة المنشغلة بالبحث عن رغيف الخبز والتي لم تع بعد حجم المؤامرة التي تحاك من داخل أروقة المعهد الملكي للأمازيغية. ومن المؤسف أن تجعل الدولة من أحفاد كسيلة ممثلين للأمازيغ وتقلدهم مناصب رفيعة داخل وسائل الإعلام وفي معاهد تنشر الحقد والتعصب والفتن. وهي بهذا الإجراء تكون قد حفرت قبرها بنفسها. ولنا أن نتنبأ، بعد سيطرة هذا التيار، بمستقبل قاتم للمغرب مليء بالأحزان وبأنهار من الدماء.