لمن سندعو غدا؟
عبد الحفيظ كورجيت
هوية بريس – السبت 18 يناير 2014م
مذ وعينا ونحن نرفع للعلي القدير أكف الضراعة عقب كل صلاة جمعة للدعاء بالنصر والصبر لإخوتنا الفلسطينيين ولشهدائهم. بقي الجرح الفلسطيني غائرا ولم يندمل رغم تعاقب السنين لأن الزمن مرّ وأبقى بينهم وحولهم نفس الحاكمين.
انضم بعد ذلك، لتقاسم الدّعاء، شعب البوسنة والهرسك ثم الشيشان ثم أفغانستان ثم الصومال لتغلق الدائرة في البلاد العربية بالعراق. وما كاد دم عيد الأضحى يجف من كيد كهنة النجف حتى هبت ريح عاتية على غير العادة.
لم تكن رياحا شتوية بل ريحا ربيعية لم تألف مثلها أرض عربية قاحلة. ولأنها جاءت على حين غرة باغتت بعض من خلدوا على الكراسي كالعابد الهربان والقائد قتيل “الجرذان” والراقد مستعطف السجان. وخلفت وراءها كثيرا من الأهوال و المآسي. تعرفنا خلالها أخيرا على هوية الجندي المجهول فهو إما شبيح أو بلطجي أومن الفلول.
كيف يصير العربي كاليتيم في مأدبة اللئيم وعلى كل شبر من أرضه يرفل أكثر من زعيم في النعيم؟ عدد القادة يتعدى العشرين وقرارهم بيد ثمانية. عندهم بدعة تسمى جامعة -لم تجمع شيئا منذ إنشائها قبل حولي سبعين سنة- كل ما تفعله هو الشجب وإصدار البيان و التنديد وتفريخ اللجان. لها قرارات مبدئية لا تحيد عنها ولهذا ففي كل اجتماع قمة يتلو كل قائد نفس خطبة العام المنصرم ليثبت للعالم أنه متشبث بمطالبه العادلة ولن يتزحزح عنها قيد أنملة حتى تعود فلسطين كل فلسطين الابية من الضّفة إلى الغربية. يتعاقب الخطباء على قراءة الأوراق ليثبتوا للعالم أنهم متضامنون وعلى قلب رجل واحد. وتنتهي الاجتماعات لتبقى القرارات حبيسة القاعات. كيف لا وحصة الإنشاء سبقتها حصة الإملاء. ولا يحسن الإملاء إلا من يمتلك القواعد. قواعد في الكوفة والبصرة صار معها الفاعل في بغداد ضميرا مستترا تقديره فارس.
مازال الدم المسلم ينزف مستمرا في السيلان. فروافد نهر الدم العربي عديدة. وفي كل يوم تبدأ قصة يتم جديدة.
من كان يتخيل أنه سيأتي يوم يمدّ فيه شامي من الشهباء يده في وجدة أو الدار البيضاء؟ ما كدنا ندعوا للسوريين بالصبر حتى وجدناهم بين ظهرانينا ينادوننا “يا إخوان”. أما النصر -فهو حتى الآن- من نصيب ولي العهد بشار.
حلّ الإخوة السوريون بيننا -رغم بعد الديار- قبل أن يصل إخوان الكنانة وأحفاد المختار وأبناء الزيتونة. أما الجامعة فما زالت تنتظر دعوة حضور جنيف لتعرف كم يكفي كل مخيم من كنيف.
قالت العرب قديما: “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”. فماذا والقوم قطيع من كلّ الألوان في مزارع لا يذكر فيها العربي إلا مقرونا بالهوان. فهو في الضّيع العربية إما لاجئ مطارد أو هارب أو مدان. وحين يوهب بعض الحرية أول ما ينادي به الرجل هو حرية النساء والمثليين و العقيدة والحق في الإفتاء وكأنه صدّق أنه حرّ فعلا. ينسى ربما أنه في “سيرك” يتفرج فيه القائد من عليائه -كحكام روما القدامى- على تناحر “الكلادياتور” وحين ينتهي النزال يعطي الإشارة لانطلاق لعبة الاستفتاء على الدستور.
ويستمر المأتم إلى أن ينشأ في كل مدينة عربية مخيم. فمن سيدعو مع من غدا؟ الله أعلم.