«سياسة التشكيك» تطفو على السطح من جديد
د. رشيد نافع
هوية بريس – الإثنين 20 يناير 2013م
التشكيك بالمسلّمات الشرعية اليوم بحجة حقوق الإنسان، حرية الفكر، الأُخوة الإنسانية، المساواة بين الجنسين، اختلاف الزمان، تغير الأحوال، مسايرة الواقع، مواكبة التطور والحضارة، مجاراة الأمم الأخرى، صار معيار التقدم؛ نسبة التقدم تقاس بنسبة التخلي عن الشريعة، فكم نسبة المتبرجات مثلا؛ هذا علامة تقدم في المجتمع؛ هذا يعتبر مقياساً ودلالةً على التقدم والحضارة والمدنية. كم نسبة المحجبات هذا علامة تخلف؟!!
صارت قضية المجتمع المدني، ولا يقصدون طبعاً المدني نسبة للمدينة النبوية، وإنما تمييزاً عن المجتمع القروي والبدوي؛ صارت هذه القضية تتخذ اليوم سبباً وأداة للطعن في أحكام الشريعة؛ صارت قضية سعة الأفق تقاس بمدى إيمانك بنقد الآخر لديننا وإتاحة المجال له بحجة تفهم الثقافات الأخرى أو الانفتاح، صار قضية السكوت عن الطعن في الشرعة يعتبر تقدماً، لماذا؟ لأنه تشجيع لممارسة النقد، وتشجيع ممارسة النقد عندهم هذه مدنية، هذه تحضّر هذه انفتاح هذه عقلية مثقفة؛ وهنا أطرح تساؤلا:
ماذا تقصدون بالنقد؟
لو كنتم تقصدون بممارسة النقد، نقد الروتين السخيف، نقد تعطيل المعاملات، نقد تأخر الناس عن أعمالهم، نقد مثلاً الأداء الحكومي، نقد سياسة تدبير المال العام، نقد دور الإعلام الباهت، نقد عادات دخيلة على مجتمعنا المغربي المحافظ، نقد تدبير الثروة السمكية المهلهل، نقد ضعف الإنتاج في المصانع الوطنية، نقد الاحتكار والحكرة، نقد الزبونية والمحسوبية، نقد أداء الشركات، نقد طرق عقيمة في الإدارة، لكانت المسألة صحيحة، لكن تشجيع حرية النقد اليوم تشمل نقد الشرع، ونقد الأحكام، ونقد الثوابت بذريعة ليس هنالك شيء مقطوع مسلّم به، وكل شيء قابل للتطوير والتحسين والتغيير، إذاً ما معنى قول الله -عز وجل- : “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نعمتي” (المائدة: من الآية3).
إذا كانت الشريعة قابلة للتطوير والتحسين، والأحكام قابلة لمزيدٍ من التكميل، فمعنى ذلك أن الدين في عهد محمد -صلى الله عليه وسلم- كان ناقصاً، كان فيه ثغرات، يوجد فيه تخلف، الآن نريد أن ننقد لنطور ونغير ونحسّن، أليس النقد هو بداية التغيير، أليس النقد هو بداية التحسين والتطوير، فأدخلت الثوابت والمسلمات والأحكام الشرعية ضمن العجلة المتسارعة لقضية تشجيع ممارسة النقد، باسم زيادة حجم دائرة الاجتهاد أُدخلت قطعيات من الدين غير قابلة للاجتهاد، هل يمكن الآن مثلاً أن تقبل نقاش وأنت مسلم موحد لله، مستسلم لأمره، مؤمن بما شرع، أن تقبل النقاش في قضية الإرث الذي أحكمت تفاصيله من لدن حكيم خبير، هل قسمة غير عادلة مناسبة أو غير مناسبة، هل يعتبر هذا حضارياً؟!! لو كنت فعلاً على القانون الإلهي والجادة الإيمانية التي شرحها ربنا وبيّنها لقبلت مستسلما لأمر أحكم الحاكمين القائل: “وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ” (الأحزاب:36).
ولم يكتفوا بهذا بل يقولون: الإسلام والملتزمون هم السبب الرئيس في تخلف المجتمعات والأوطان، ثم تبدأ حملة الطعن..
فهذا الطعن في الدين له أشكال وصور، من أصولي متزمت، متطرف متخلف، ظلامي حرفي، إرهابي تكفيري وهابي، إلى مجنون لا يستحق العيش في زمن الحضارة والنت، يستبدلون المساجلة العلمية بهذه النعوت والألقاب الغرض منها الإقصاء وتنفير الناس وأن أصحاب هذا المنهج سبب كل شقاء ورزية!!
ولايخفى على قارئ للسيرة النبوية ما قام به المنافقون في العهد النبوي بأنواع من المكر في هذا، يشككون في الوحي، يشككون في النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويرمون المسلمين عن قوسٍ واحدة، ويقفون مع أعداء الدين، ويتحالفون مع كل من امتلأ قلبه غيظا على دين الله؛ ويحاصرون المدينة النبوية، ويعقدون الصلات وأنواع المؤامرات مع اليهود الذين كانوا منتشرين في تلك المدينة وما حولها.. يتمالأ المنافقون مع المشركين واليهود لإحكام الحصار حول المدينة، وعندما تأتي الجموع محاصرة من قريش وغطفان وأوباش العرب، يقول المنافقون: سبب بلائنا وشقائنا هذا الرجل، هذا محمد الذي عادى العرب، فرمونا عن قوس واحدة، وحاصرونا وجوّعونا وأخافونا، حتى لا يستطيع أحدنا أن يذهب لقضاء حاجته، هذا النبي بهذا الدين هو الذي جعل الأمم تعادينا، والروم تهددنا، والفرس تكايدنا، وهكذا من أنواع الضغوط النفسية التي عانى منها المسلمون كثيراً في مكة من قبل المدينة، ومن بعد والله غالب على أمره، والعاقبة للمتقين.