معهد واشنطن: الطائفة الشيعية في المغرب أصبحت أكثر جرأة
هوية بريس – متابعة*
الجمعة 24 يناير 2014م
في الوقت الذي كانت تدق فيه طبول الحرب الأمريكية في فترة الاستعداد للضربة العسكرية على سوريا التي لم تحدث على الإطلاق، أصدر “الاتحاد الشيعي المغربي” (“الخط الرسالي بالمغرب”) بياناً أدان فيه التدخل المقترح.
وفي تبرير موقفه، أكد “الاتحاد” أن مصير سوريا يجب أن يحدَّده السوريون وليس القوى الخارجية، ومن شأن التدخل الأمريكي أن يقوي شوكة تنظيم «القاعدة»، وأن رد فعل الرئيس السوري بشار الأسد على شن ضربة عسكرية ضد نظام حكمه سيكون من شبه المؤكد زيادة العنف الذي يرتكبه ضد مواطنيه.
وبالذهاب أبعد من ذلك، تناول “الاتحاد” -الذي يمثل الطائفة الشيعية الصغيرة جداً في المغرب- الموقف المغربي بشأن هذه القضية ذاكراً أن أي تعاون أو مشاركة في هذه الضربة سيكون “غير شرعي وغير مبرر” إلا إذا كان يستند على قرار صادر عن الأمم المتحدة؛ وأضاف أنه حتى الحديث فقط عن شن هجوم على سوريا كان ينبغي تأجيله حتى صدور تقرير الأمم المتحدة بشأن الهجمات الكيماوية في الغوطة.
ووفقاً لما ذكره أعضاء “الاتحاد”، فمن “المفارقة” أن الموقف الأمريكي قد تغير كثيراً بحيث يمكن أن يكون إلى جانب الجهاديين السنة والتكفيريين المسلحين.
ويُعد هذا الفصيل الجديد من الناشطين السياسيين الشيعة ظاهرة جديدة نسبياً في المغرب، وأولئك الشيعة كانوا ينزعون إلى اعتناق ذلك المذهب عقب عودتهم من التعليم أو من العمل كمهاجرين في بلاد الشام.
وفي شتى أنحاء بلاد المغرب العربي، استمر أتباع الطائفة الشيعية في إخفاء ديانتهم لوقت طويل، لذا من الصعب جمع إحصائيات موثوق بها عن أعدادهم رغم التقديرات بأنها تصل إلى سبعة آلاف فرد في المغرب. لكن من الواضح أنهم يواجهون ضغوطاً لأجل مواصلة إخفاء هويتهم الدينية في ضوء مشاعر الكراهية للشيعة التي تزداد يوماً بعد يوم. كما أقلقهم بشكل واضح انضمام عدد من المغربيين للقتال في صفوف الثوار السوريين. وعلى الجانب الآخر، تتجه الحكومة المغربية إلى التمييز بين الشيعة الذي اعتنقوا المذهب الشيعي بدافع الشعور بقناعة دينية وأولئك الشيعة الذين (في نظر الحكومة) يعتنقون هذا المذهب دعماً لقضايا الشيعة الدولية. وقد تجلى ذلك في حجم المساحة النسبية الممنوحة للقادة الشيعة البارزين في المغرب، ومن بينهم إدريس هاني، مقارنة بالرقابة القريبة للمغربيين العاديين الذين يبدون اهتماماً بالمذهب الشيعي.
وفي مقابلة مع صحيفة مغربية تصدر باللغة الفرنسية جرت في حزيران/يونيو الماضي، قال هاني إنه إذا كان رئيس الوزراء عبد الإله بنكيران و”إخوانه”، فضلاً عن قادة “التوحيد والإصلاح” (الحركة الدينية والاجتماعية السنية التابعة لـ”حزب العدالة والتنمية” الحاكم) صادقين في إدانتهم لنظام الأسد، فإن عليهم عندئذ أن يرسلوا أبناءهم للمشاركة في “الجهاد” في سوريا. وفي دفاعه عن مصالح «حزب الله» في سوريا، عزا هاني رغبات الولايات المتحدة في التدخل إلى ما أسماه بـ “المشروع الأمريكي الصهيوني”. وبخلاف طريقته المعهودة وكلامه المنمق والمعسول، ذهب هاني بعيداً هذه المرة إلى درجة أنه شبّه الأوصاف السلبية التي أطلقتها “حركة التوحيد والإصلاح” على زعيم «حزب الله» حسن نصر الله بـ”نهيق حمار”.
إن الآراء السياسية التي تتزايد صخباً يوماً بعد يوم والتي يطلقها القادة الدينيون الشيعة قد بدأت في إحداث حالة من الضبابية واللبس في التمييز المشار إليه أعلاه بين الشيعة المتدينين -الذين تميل الدولة بصورة أكثر إلى التغاضي عنهم- وأولئك الذي يدعمون «حزب الله» أو إيران. بل أكثر من ذلك، إن التحول من الهدوء النسبي إلى معارضة أكثر جرأة لسياسات الدولة يمثل تغييراً في علاقة الشيعة بالمجتمع المدني الأكبر في المغرب، بما في ذلك السلطات الحاكمة. وسوف يكون التحدي التالي لعلاقات الدولة المغربية بمواطنيها الشيعة، هو السعي إلى تقويض هذه النزعة السياسية المتزايدة.
وفي الواقع، أن الشيعة في المغرب لم يكونوا الأقلية الدينية الأولى في العالم العربي التي عارضت التدخل العسكري الخارجي في سوريا، ولا الجماعة الوحيدة في شمال أفريقيا التي تشعر بالقلق إزاء ارتفاع عدد القتلى في الحرب الدائرة في سوريا. فموقفهم يكمن في أن هذه القضايا مرتبطة بمشاكل أوسع نطاقاً وهي: التوسع البطيء لـ “الهلال الشيعي”، انتشار «حزب الله»، والتهديد المحتمل لإسرائيل.
ويؤكد الشيعة المغربيون أن علاقة بلادهم التي تزداد فتوراً يوماً بعد يوم مع إيران تنبع من تحالفها مع الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة فضلاً عن الخوف من تكوين طائفة شيعية موحدة ومتماسكة في المغرب، لاسيما في الدار البيضاء وطنجة. وفي الواقع، قطعت المغرب علاقاتها مع إيران في عام 2009 عندما اتهمت الجمهورية الإسلامية بنشر التشيع داخل المغرب في محاولة منها لزعزعة استقرار وحدتها الدينية الداخلية. كما كان ذلك رد فعل على النزاع الحدودي الإيراني البحريني، رغم ما يقوله بعض النقاد بأن ذلك مجرد ذريعة للمواقف الصريحة التي اتُخذت.
ويتشارك الشيعة الجزائريون والتونسيون -المحدودون في العدد كما هو الحال مع شيعة المغرب- في مأزق مماثل. ففي حالة الجزائر، تخشى الدولة من نشر التشيع، كما يتضح من تحذيرات العلماء والأئمة الجزائريين من إرسال الجزائريين للدراسة في بلاد الشام أو إيران لأنهم قد يعودوا معتنقين الأفكار الشيعية. ومع ذلك، فإن سياسة الجزائر الخارجية القائمة على عدم التدخل ومعارضتها لدعم أي شيء يبدو وكأنه خرقاً للسيادة السورية جعل مصالح البلاد المتعلقة بسوريا لا تختلف كثيراً عن مصالح الأقلية الدينية التي تأمل في احتوائها. وفي حالة تونس يبدو أن معظم الشيعة التونسيين يرون أن الدولة قد غضت الطرف عمداً عن التيار السلفي المتزايد في محاولة منها لمواجهة المد الشيعي، فضلاً عن أن ما يزيد عن 800 تونسي من التيار الإسلامي منخرطون في صفوف “الجيش السوري الحر”، وهو عدد آخذ في الازدياد.
وأخيراً، لا تزال الأقلية الشيعية المغربية على هامش المجتمع ولديها تأثير شعبي قليل وتمثيل سياسي أقل. ويقيناً أنهم لا يمثلون دائرة انتخابية كبيرة. ومع ذلك، فإن الشيعة يزدادون عدداً ويؤسسون منظمات ويحشدون جهودهم لمساندة مجموعة من القضايا في منطقة يعتقد أنها ذات أغلبية سنية متجانسة. ويثير ذلك مخاوف لدى حكومات المغرب العربي من تزايد أهميتهم وقدرتهم على تشكيل سياسات هذه الدول والرأي العام فيها تجاه سوريا وإيران. والأكثر من ذلك، من الواضح أن هذا الاتجاه يدحض الاعتقاد الشائع بأن المغرب في معزل عن ديناميات الخليج وبلاد الشام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* معهد واشنطن (ڤيش سكثيفيل)