ما حكم من خطأوا الله ومن انتهكوا حرمات رسوله؟
محمد وراضي
هوية بريس – الأربعاء 29 يناير 2014م
إن نحن عدنا بالذاكرة إلى ما كان عليه الحال فور استقلال الدول العربية والإسلامية عن الاستعمار الغربي، فسوف نجد -إن لم نكن منافقين دجالين- كيف أن من تشبعوا بفكره السياسي والاجتماعي والاقتصادي والديني والفلسفي، هم الذين أصبحوا أمناء على كل ما تلقنوه منه واعتقدوه واقتنعوا به! حتى ما التقطوه بمناقرهم وهم يهرعون خلفه كالفقراء إلى جمع السنابل التي أخطأها الحصادون! أصبح لديهم من مسلمات، تنازلهم عنها من باب المستحيلات!
والدجالون حتى لا تنطلي على الجماهير نواياهم السيئة تجاه الدين بالذات، ركبوا متن التمويه والخداع، وادعوا القدرة على إسعاد الشعوب بتمكينها من وسائل التمدن والرقي في المستقبل المنظور! وصدرت عنهم في غمرات الفرح بفجر الحرية الساطع، وعود خلابة تقطر عسلا وكأنها شهد ممتلئ! من انتهت إلى مسامعه، ظن أن القادة الجدد خلفاء الاستعمار، سيوفرون للمواطنين أجواء من الحرية والكرامة والديمقراطية في كافة المجالات! غير أن نواياهم المضمرة بخصوص دين الأمة، تكمن في كوننا لا نعرف دولة دعا حاكمها الأول -مهما تكن الصفة التي يحملها- شعبه إلى الاستفتاء عما إذا كان يفضل الاحتكام إلى النظام العلماني -كتركة خلفها الاستعمار- أو إلى النظام الإسلامي الذي قلبه رأسا على عقب!!!
فكان أن أصبحت لدينا مشروعيتان في السلطة متنافرتان: مشروعية تاريخية أصيلة صادرها الاستعمار بقوة السلاح! ورسخ الموالون له على أرضنا ما صادره حيث إنهم انتهجوا نفس نهجه، وأمعنوا في تعميق القطيعة بينه وبين الماضي! ومشروعية علمانية دخيلة مفروضة، عنوانها البارز: تخطئة الله الذي وضعت أحكامه المنزلة على الرفوف!!! بينما القوانين الوضعية الاستعمارية، تقدمت إلى الواجهة لاعتماد تطبيقها داخل مسمى المحاكم المدنية. وما تبقى من أحكام الدين، ألقي به إلى القضاة والعدول، كي يشتغلوا به، أو عليه، بين جدران مسمى المحاكم الشرعية؟
وبما أن أنياب خلفاء الاستعمار، من أحزاب ومن حكام، قد أصبحت أكثر بروزا بما فيه الكفاية، فإن طموحاتهم في إلحاق فقه الأحوال الشخصية بأخواتها من الأحكام العملية التي أحيلت على المعاش، لا تقف عند حد! فمآل الأسرة المغربية المسلمة من منظور التغريبيين، هو نفس مآل كل حكم شرعي جرى توقيف تفعيله، منذ دخول الاستعمار عنوة إلى بلادنا. فتعدد الزوجات تناولته لمسات العلمانيين بأيديهم الحريصة – كما يدعون – على تحرير المرأة من تغول الرجال! وتغولهم يعني أنهم يقومون تجاه النساء بنفس الأفعال التي يقوم بها الأغوال أو الغيلان! وهم نوع من الشياطين الذين كان العرب في الجاهلية يزعمون أنهم يظهرون للناس في الفيافي والقفار، فيتلونون لهم بصور شتى ويضللونهم ويهلكونهم ما أمكنهم ذلك! والحال أن من وصفناهم بالدجالين، هم الأجدر بحمل لقب الأغوال، ما دام الهلاك والتضليل يجمع بين الطرفين (الاستعماريين وخلفائهم بعد الرحيل)!
فلنحرم إذن تعدد الزوجات بقوة القانون، استكمالا منا لتخطئة الله التي دشنها الاستعمار! ولنفرض المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث بأحكام عقلية طابعها الغرور المعزز بالطغيان السائد!!! ولنوزع بينهما عند الطلاق ما هو في ملكهما بالتساوي. يعود للرجل، أو يعود لزوجته، أو يعود لهما معا في الحالة الثالثة! إذ الأهم في النهاية، هو الاستجابة لما تمليه علينا مبادئ حقوق الإنسان، وإلا أصبحنا رجعيين ظلاميين! غير قادرين على مجاراة الأمم المتحضرة الراقية المتقدمة! فقط لأننا لم نستطع التخلص من الموروث الديني الثقيل الذي يجرنا إلى الخلف، بدلا من أن يدفع بنا إلى الأمام! وحينها نبحث عن مبررات تقضي بشيئين اثنين: إغلاق المحاكم الشرعية لغياب الدواعي إلى استمرار وجودها! وإلغاء تدريس مسمى التربية الإسلامية! خاصة وأن التلاميذ والطلبة يستفسرون المعلمين والأساتذة عما يعنيه تحريم الخمر والزنا والربا والرشوة، وتعدد الزوجات، والدعوة إلى المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، وهم يشاهدون ما يجري بخصوصها كلها في الواقع المتحرك!!!
وعندما نتساءل عما استخلصناه من الوقائع التي سردناها موجزين، نقدم الآتي:
1- ركز الاستعماريون في عقول تلامذتهم المباشرين المخلصين، كيف أن الله وقع في أخطاء فادحة (وهم في الوقت ذاته أعلنوا عدم اعترافهم بنبيه)! واستبعدوا أي احتمال ممكن لإدارة شؤون دولنا بشرعه سبحانه! وهم حينها الحكام الفعليون! وتخطئة الله معناها إنكار صريح لكل ما ورد في الكتاب والسنة من أحكام، إليها يحتكم المسلمون. والإنكار جحود وعدم اعتراف أو إقرار بالدين الذي جاء به خاتم الأنبياء. وجحود ما جاء به كفر صريح، لا نفاق مفضوح مرافق لخلفاء الاستعمار بامتياز! ولا غرابة فيما فعله الاستعماريون. إنهم أصلا كفار. هويتهم بنصوص قرآنية وبأخرى حديثية محددة!
2- عندما أجبر المحتلون على مغادرة بلادنا تحت ضغط النضال الشعبي، تسلم زمام قيادتها من لم تخترهم الشعوب من ناحية! ومن لم يروا عرض أنفسهم عليها ليصبحوا قادتها الشرعيين لا نهابين للسلطة من ناحية ثانية! ومن لا يرون أية فائدة من تخييرها بين العودة إلى الأصول والمنابع، ممثلة في النظام الإسلامي، وبين الاستمرار في العمل بالنظام العلماني الاستعماري من ناحية ثالثة!
3- بتسلم التغريبيين للسلطة، دخلت بلداننا في عهد جديد من الاستبداد المتميز عن الذي كان سائدا قبل الاحتلال، والذي كان سائدا والاحتلال لا يزال جاثما على نفوسنا! فأصبحنا كمن يخرجون من جور طغاة غرباء عنا، إلى جور طغاة هم من بني بجدتنا! أي إننا أصبحنا حقلا لتجارب الدكتاتوريات الجديدة التي ترتدي مرة لباس الليبرالية، ومرة لباس الاشتراكية! إنما بوسائل مبتكرة حديثة! بعضها يدعو إلى منع تعدد الأحزاب، لأن تعددها خطر على الحزب الحاكم الذي له وحده حق الأمر والنهي! وبعضها الباقي يفتح الباب أمام التعدد الحزبي، لكنه لا يسمح لخصوم نظامه بتخطي حواجز، وحدهم المدجنون لخدمته يتخطونها عبر نسبة 99 بالمائة! كلما كان هناك انتخاب لرئيس أو استفتاء على دستور ممنوح! أما بقية الاستحقاقات الانتخابية، فلعبة التزوير من افعال الشياطين التي أتقنها وزراء الداخلية في كل بلد بلد! منفذين أوامر سيدهم الأعلى الذي لا يرد له أمر ولا يرفض له طلب!!!
4- كل حزب علماني موجود أثناء تسلم خلفاء الاستعمار للسلطة، بل حتى الأحزاب التي تم تأسيسها لاحقا كأحزاب علمانية، مسؤولة كلها عن الموقف العدائي من الدين ومن الدعاة إلى تفعيله! كما أنها مسؤولة عن التجبر الذي ذاقت شعوبنا من ويلاته الأمرين! فصح عندنا أن الحكام الذين تجنبوا عدم تفعيل ما ورد في النقطة الثانية – نقصد العودة إلى الشعب – دخلوا دهاليز الفكر الظلامي السلطوي والسياسي من أبوابه الواسعة!!! ومعهم الأحزاب التي دخلت إلى جانبهم نفس الدهليز، لتمثل ما سميته في مؤلف من مؤلفاتي بالفكر الظلامي الحزبي!
5- لنؤكد إذن كيف أن الأحزاب العلمانية امتداد للاستعمار! فنظرتها إلى الدين لا تختلف عن نظرته، يعني أنها داخلة في حلف يتألف من المستعمرين، وممن تسلموا منهم مشعل العلمانية في واضحة النهار! ومن قال لا، فليقرأ بتمعن شديد خريطة العالمين: العربي والإسلامي. وليخبرنا بعد أن يكون قد قرأها عن وضع الدين الذي تمت مصادرته قسرا لا اختيارا على يد الاستعمار! وكيف تم الاستمرار في مصادرته بعده حتى الآن على يد أخلافه المخلصين لهم كأسلاف!!!
ليس هذا فحسب، بل وصل الأمر بالحلف الثلاثي الذي عززه وعضده الأمريكيون، إلى حد الاتفاق على نوع الدين الذي ينبغي السماح بممارسته وبالترويج له! ولو كلف المخطط المتفق عليه ملايير من الدولارات! ونوع الدين المتفق على السماح بممارسته، ينحصر في إسلام المتعولمين المندمجين مع من خطأوا الله وانتهكوا حرمة رسوله من جهة! وإسلام القبوريين والطرقيين من جهة ثانية! فكلاهما إسلامان مقبولان من الاستكبار الدولي! إلى حد أن المدد المالي يعرف طريقه إلى شيوخ الزوايا وإلى القيمين على الأضرحة والقباب! والغضب الأمريكي تحديدا يعلو كلما تم هدم ضريح في مكان ما من العالم الإسلامي! لا لغيرة الأمريكيين على الدين الذي هم غرباء عنه وكافرون به! وإنما لحماية التراث البشري كما يزعمون في العلن! بينما هم في الخفاء حريصون أشد ما يكون الحرص على ربط المسلمين بالفكر الظلامي الذي تفرغت شخصيا لفضح خطره على الشعوب، منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي.
6- لن ألجأ شخصيا هنا إلى تكفير أي كان، وهو ما لم أقدم عليه في مقال لي حين تم تكفير أحمد عصيد لكونه وصف الرسول بإرهابي! وهو نفس ما لم أقدم عليه وقد تم تكفير الاشتراكي: إدريس لشكر من طرف أبي النعيم إمام مسجد بالبيضاء. لأن ذهني مرتبط بسياق تاريخي جرت فيه ولا تزال تجري تخطئة الله عز وجل منذ عهد الاستعمار إلى عهدنا الماثل، حيث تتصارع مشروعيتان: مشروعية علمانية دخيلة، ومشروعية دينية أصيلة. مما يعطينا حق التساؤل عما إذا كان تكفير واحد أو اثنين، ممن هم ضحية تخطئة الله حكما عادلا أم هو حكم ظالم جائر؟ أم إن دائرة التكفير يندرج فيها الملايين؟؟؟
فإن ارتاح ملايين المسلمين في العالم إلى العلمانية التي تحكم رقابهم، فإنهم بارتياحهم إليها عن وعي وتبصر، يدخلون فورا مع من خطأوا الله وانتهكوا حرمات نبيه في خانة واحدة! فما الذي يفيده إذن تكفير فلان أو علان؟ وما القول في إسلاميين مندمجين مع أمناء حقيقيين على فلسفة الاستعمار ممثلة في فرض تخطئة الله على الدول التي تم له استعمارها!!!
7- وبما أن الحكام الذين آلت إليهم الأمور في الدول العربية والإسلامية، بعد تحررهما من الاستعمار، يدركون حق الإدراك مدى تعلق الشعوب بدينها، فإنه لم يكن منهم غير أن سارعوا إلى امتطاء متن النفاق، فعانقوا لعبة الشياطين لشراء ضمائر العلماء بأموال منهوبة هي أموال الشعوب نفسها! وكان أن دجنوهم كممثلين في مسرحية هزلية، تسند إليهم فيها أدوار يؤدونها مرغمين مقهورين! ومن بقي منهم خارج التدجين يحارب من طرف العلمانيين، ومن طرف علماء السلطة أنفسهم في السر والعلن!
8- إذا كانت الأحزاب حليفة الحكام في الانتصار للعلمانية، وكان العلماء مجبرين على الانتصار لها. فإن الحكام – والإسلام السياسي بدأ يفرض وجوده – التفتوا إلى أوكار الفكر الظلامي مجسدا في الطرقية والقبورية، فأمدوا عمار الزوايا والأضرحة بمساعدات مالية تتقوى بها لتأدية نفس الأدوار التي يؤديها العلماء المدجنون! فكان أن اتسعت دائرة الحلف المعارض لأي تفعيل محتمل للدين.
9- فأصبحنا هكذا وجها لوجه أمام فكر ظلامي علماني، سلاحه قطع الطريق على تأسيس أي حزب إسلامي له حضور في وليمة مسمى الديمقراطية المزيفة! فقد وضعت في طريق الإسلاميين عراقيل إلا في حالة واحدة هي قبول هذه الجماعة منهم أو تلك بالدخول في الزيف العلماني الممنهج!!! وإلا مورست عليها السخرية والتشهير والاتهامات الرخيصة بالتخطيط للإرهاب! والحال أن الإرهاب العلماني، قد وجه سابقا ضد دول علمانية ليبرالية، بحكم أنها تمارس الدكتاتورية. كما وجه ضد دول اشتراكية ترى في تعدد الأحزاب تعجيلا بالقضاء على الثورة التي تحملها الطبقة العاملة على أكتافها. وعندما نضجت المعارضة الدينية، طالبت بحقها في تأسيس أحزاب خاصة بها، لكن الدكتاتوريين العلمانيين ومعهم جلاوزتهم من أحزاب ذيلية، بعضها يميني وبعضها يساري، خرجوا بقانون يقضي برفض تأسيس أي حزب يقوم على أساس الدين، وهو قانون علله الحلف المشار إليه قبله، بكون الأحزاب جميعها مسلمة وأن الدولة ذاتها بنص الدستور دولة إسلامية! وهو تعليل حضور الاستكبار العالمي يطل من خلاله. فكان أن التجأ اليائسون إلى الإرهاب الذي هو من صنع المصرين على انتهاج نفس نهج الاستعماريين بخصوص الدين! إنه تخطئة الله وانتهاك حرمات رسوله! ولم يقف العلماجيون عند حد مصادرة الأحكام الشرعية، بل إنهم دخلوا في مرحلة حرجة من خلالها كشروا عن أنيابهم لقضم ما تبقى من تلك الأحكام!!!
فما الذي علينا الآن فعله؟ حلف يهاجم الله لكونه قد أخطأ بخصوص القوانين التي ينبغي أن يتم بها تسيير شؤون الدول والشعوب! ويدعي في الوقت ذاته أن رسوله المزعوم سلك نفس المسلك حينما وضع جملة من الأحكام التي تعرضت كأحكام الله لتخطئة الكافرين بالإسلام جملة وتفصيلا!!!
ومتى عض نواب الاستعمار بنواجدهم على تركته في موضوع مصادرة الدين، لأن أحكامه متخلفة تقليدية تجاوزها العصر! فبأي منطق تجري مخاطبة هؤلاء؟ هل لازلنا نميز فيهم بين المخلصين للدين وبين المسيئين إليه؟ إن الخطوات التي اعتمدناها لتوضيح تحليلنا الواقعي لما جرى ويجري، إن لم تدفع إلى تكفير أي كان -وهو ما حاولنا تجنبه في أكثر من مقال لنا- فلا مفر من عقد مقارنة بين المبتدعين في الدين، وبين من حاربوا الله ورسوله جهارا من خلال مصادرة الأحكام الشرعية العملية، وإحلال القوانين الوضعية محلها، حيث نسوق بخصوص الطرفين كليهما قوله ص: “من رغب عن سنتي فليس مني”! وقوله سبحانه: “أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا. ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب. وما الله بغافل عما تعملون”؟
وإذا لم يكن غافلا عما نعمل – نقصد تخطئته وتخطئة رسوله وانتهاك حرماته – فلا شك أن له هو وحده الحكم علينا. وهو حكم نأمل أن لا تتضمنه الآية التي قدمناها للتو! وحتى إن تضمنته، فإن باب التوبة مفتوح لأن الله تعالى غفور رحيم بالتائبين! فكيف لا يكون كذلك، والحال أن الوطن نفسه كما أخبرنا الراحل الحسن الثاني “غفور رحيم”!!!
وليس من نافلة القول أن نطرح هنا سؤالين: لماذا تم استدعاء الإمام أبي النعيم المتهم بالتكفير للاستنطاق؟ ثم لماذا لم يحدث نفس التصرف مع الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي وهو ضمن ملايين ممن خطأوا الله وانتهكوا حرمات رسوله ولا يزالون؟؟؟
الموقع الإلكتروني: www.islamtinking.blog.com
العنوان الإلكتروني: [email protected]