بعد جز لحا الوزراء هل سيحسنوها؟
ذ. إدريس كرم
هوية بريس – الجمعة 09 غشت 2013م
لنتأمل الاستشهادين التاليين:
قال محمد الخامس رحمه الله، أمام المقيم العام الفرنسي بالمغرب، بمناسبة وضعه للحجر الأساسي لمكتبة القرويين في 9 ماي 1940م:
“إن من ضيع دينه ولغته وتقاليده الغالية، ضيع كل شيء، تعلموا ولكن تمسكوا بدينكم الحنيف، واحفظوا لغتكم، وراعوا تقاليدكم القومية، فإذا أديتم ذلك الواجب، اعلموا أنه أفضل وسيلة تبرهنون به على إخلاصكم لسلطانكم، الذي يحبكم حبا جما، ويبذل كل الوسائل لتكونوا رجالا أكفاء ، لتحضوا بالسعادة الأبدية”.
ويقول جلالة الملك محمد السادس:
“فكما أن الحرية واحدة في معناها، والعدالة واحدة في مبناها، فكذلك يجب أن تكون الحداثة، واحدة في آلياتها وأهدافها، وفرصة لتجاوز التفاوت، والتمييز بين البشر، وهناك تلتقي الحداثة بالمقدس، فالمقدس حداثة عريقة، والحداثة مقدس معاصر، فالتمسك بلا مقدس يعني الانغلاق، مثلما أن الأخذ بالحداثة لا يعني الاستلاب والاغتراب” (ص:68 خطب وندوات).
زمن عودة بعض مظاهر المغربة لوزراء الحكومة المغربة:
للمراقب والمتتبع لأشكال الوزراء الذين عرفتهم سنوات الاستقلال، يري أنهم كانوا حليقي الذقون بعد غياب العلامة المختار السوسي، وقبله الحسن اليوسي، رحمهما الله، ولم يبق من مظهر المغربة في الحكومات الموالية، إلا الجلباب الذي كان يجمل به صورها، كلا من المرحومين: الحاج أحمد ابا احنيني والأستاذ محمد الفاسي، ورزة وخنجر المحجوب أحرضان، إضافة إلي جلالة الملكين محمد الخامس والحسن الثاني رحم الله الجميع، وتوالى تآكل مظاهر الوطنية والهوية، على مستوى الشكل والمضمون، تحقيقا لتنظيرات الساسة المستعمرين، الذين كانوا يرون أن المغرب بلد بدائي، أو نصف همجي “لوكليرك”.
والذي يرجع “دوتي” سبب “النزاع في السنوات الأخيرة بين الحضارة المغربية والحضارة الأوربية إلى عوامل التشدد الإسلامي، التي تبين المناهج السوسيولوجية الحديثة، إلى العداء للأجانب، مثل كل البدائيين، وهو ما أدى إلى الثورة على مولاي عبد العزيز، بسبب تزايد حضور النصارى بمحيطه، ومجلة إفريقيا الفرنسية ركونه إلى مشورتهم” أنظرمجلة إفريقيا الفرنسية les causes de chute d un sultan 1909.
وقبل سنتين، وعلى إثر نتائج الربيع العربي نصبت حكومة أفرزتها صناديق الاقتراع التي أعطت أغلبية نسبية لحزب ذو مرجعية إسلامية، فاستبشر الناس خيرا، وقالوا بأن المغاربة سيرون وزراء على شاكلتهم زيا وهنداما وتدينا، وأن ما أوصى به أب الأمة محمد الخامس طيب الله ثراه من الحفاظ على ما صدرنا به مقالنا قد حان قطافه.
وهكذا أطل علينا وزرراء ملتحون، وسيدة محجبة، وإعلامية محجبة، في القناة الفرنكفونية الممولة بضرائب المغاربة، لتنشر بينهم العادات المسيحية من خلال المسلسلات المكسيكية، وتقرب منهم القمار، وتنشر الكلمات الساقطة والمبتذلة من خلال مسلسلات الشوارع والرصيف، حتى تكسر الحياء داخل الأسر، وتطبع ما يرفضه المجتمع من انحلال الغرب، وشذوذه بدعوى الحداثة، هذه الحداثة التي انتبه إلى وضع تعريف لها عاهل البلاد، حتى يقطع على من يريد التفلت الطريق والتي أوردناه آنفا، مما يجعل الوزراء الجدد في مأمن من هجمات خصومهم الذين كانوا يروجون لاستئصالهم كما فعل بحزب الشورى والاستقلال، وحزب الإصلاح الوطني، وحزب الوحدة والإصلاح، في مطلع الاستقلال بيد أن وزراءنا ربما كانت ما تزال عالقة بأذهانهم توصيفات من قبيل “الخوارج” و”طالبان” ومعارضي إلحاق الشأن الإسلامي بأمير المؤمنين، ليبقى ممثلا فوق العادة لأمير مؤمني طلبان، ومعارضو إدماج الأوقاف في التنمية ليبقى صندوقا أسودا في خدمة جيوب مناهضة التغيير (أنظر الإتحاد الاشتراكي 17/8/2003) فخنسوا، وتوالت أعطابهم وذرائعهم، التي لا يشاطرهم منتخبوهم الرأي فيها.
نكوص لا مبرر له
فما كان منهم إلا أن تخلوا عن وزارة الأوقاف، للوزير الذي لا صفة حزبية له، متوخين السلامة من أن يقال لهم “بأنهم ضد” إصلاح الحقل الديني وتأهيله، ليصبح مخاطبا في محيطه الدولي والجهوي الذي يتطلب فرض إرادة قوية وحضورا واضحا لطي صفحة المرحلة الرمادية التي استفاد منها خوارج المذهب المالكي، لبسط هيمنتهم على مجمل أوجه التأطير الديني (الأحداث2003) كما تخلو عن تدبير القطاع برمته ، حيث صار الوزير يتحدث باسم أمير المؤمنين، مثلما كان يفعل نظيره وزير الداخلية سيئ الذكر، عندما كان يخاطب باسم صاحب الجلالة الحسن الثاني.
وهكذا رأينا لأول مرة الشرطة تهين الأئمة والخطباء، على مرآى ومسمع من الناس، الذين لم يكونوا يتوقعون ذلك، في عهد اتسم بدستور جديد، ومفهوم جديد للسلطة، ووزراء يعرفون أن المعتدي عليهم، هم من قال فيهم صلى الله عليه وسلم “هم مع السفرة الكرام البررة” ورأيناهم يمنعون من تكوين جمعيات، تتولى شأنهم، ووجدنا دور تحفيظ القرآن تغلق في وجه الطلبة الذين يريدون حفظ القرآن الكريم، ومساجد تغلق بدعاوى مخلفة، ناهيك عن طرد الخطباء ومنعهم من ذلك طول حياتهم، وفي أي مكان، ناهيك عن إطلاق اليد فيما حذرت منه الجريدة، التي اقتبسنى منها التحذير، الموجه للوزراء الملتحين وهي أوقاف المحبسين.
فإذا كانت الحكومة لا تقوى على ضمان إسماع صوتها من خلال جهاز إعلامي تابع لها، والحيلولة دون تقديم ما يضر بأخلاق المجتمع وقيمه، وتكف أذى وزير عن شريحة هامة مكن الموطنين المؤطرين للمجتمع، ورفع الإهانة عنهم، وعلى الأقل تمكينهم مما أمر به عاهل البلاد في حقهم، والحيلولة دون جعلهم مواطنين من الدرجة الدنيا، بحيث لا يسمع لهم رأي، ولا يعطى لهم حق خوفا من أن يقال إن الحزب المتصدر “يقود انقلابا عقائديا على مستوى الدولة يمس بتماسك نسيجنا الديني والاجتماعي المتفتح” (الأحداث27/2/2004).
ونحن إذا كنا قد بسطنا القول في هذا المنحى فلتعلقه بغيره من باقي المناحي، التي أدت بالوزراء الملتحين على مراجعة مواقفهم، ومحاولة تنزيل رغبات ناخبيهم وفق ضوابط يأبونها، ويأبوها هم أيضا، ولكنه الخوف الذي يتخذ التقريب، والتسديد، ذريعة لمن يخشى فقد ما لم يكن يرجو الحصول عليه، لذلك يبدوا أنهم أعطوا بتقصير لحاهم، إشارة مزدوجة لمن يؤاخذهم على ما يسقطون فيه من خذلان، أنهم مغلوبون على أمرهم، ولمنتقديهم أنهم أسلس وأألف مما يظن بهم، لدرجة قد تودي إلى تحسين لحاهم كما فعل وزير الإعلام بعدما عجز عن تنزيل دفتر التحملات، فقال بلحيتي لا بمنصبي.
المطلوب: حكام مغاربة بلباسهم وأشكالهم
ترى هل يتم إصلاح أعطاب الحكومة النصف ملتحية في طبعتها الثانية؟ ونسمع أن رئيس الحكومة المغربية اعشوشبت لحيته، وظهرت قناعته بتحقيقها على أرض الواقع، وارتدى جلبابه هو وباقي وزرائه في المجالس الحكومية، على الأقل عندما يصور المجلس الحكومي أو الوزاري، ليقال لمن يراهم، هؤلاء مغاربة، أو على الأقل أن يتشبهوا بملكهم الذي تنوه الأمة بمسلكه الحضاري الفخور بمغربيته كما كان جده المنعم محمد الخامس، ويسلكوا سلوكه فيما يرفع قدر البلاد ويساعد على التشغيل، ذلك أن اللباس الوطني ليس شكلا فقط، بل فرص عمل ودورة اقتصادية، وفخرا للأمة.
وإذا كان قديما قالوا “امرا حرشة، احسن من راجل بطحشة”؛ فإننا نحيي الوزيرة التي لم تنزع حجابها، كما حييناها من قبل وزميلاتها اللائي مثلن المغرب في زيارة رئيس الجمهورية للبرلمان، وإن كنا نسينا الشواش الذين حقيقة يمكن القول أن في لباسهم الجلباب والبلغة والطربوش، عملا جيدا لو كان التزيي باللباس الوطني فرض عين على النواب والمستشارين، ولكن أن يكون فرضا فقط على الذين يخدموا البرلمانيين “المكستمين” أو “المقومجين”، فإن ذلك يدخل في الاستهانة بالزي الوطني، ومرتديه، لا لدونية الشواش، ولكن لدلالة الفعل، ومثل ذلك كانت الحماية تتعامل مع الدين واللغة العربية في مدارسها، بحيث تسند تدريسها إلى غير أكفاء، ومعوقين، حتى يكونوا أداة تنفير، بالمقارنة مع معلم الفرنسية، ومع الأسف العملية ما تزال جارية على مستوى الإدارة، فالوثائق الهامة مفرنسة، بل إن وزارة التجهيز التي عربت في السبعينيات من القرن الماضي، عادت لها الفرنسية بقوة، ومؤخرا وصلت هبة موجة التفرنس على مراكز فحص السيارات، ولم تعد للعربية بوثائقها مكانا.
وعليه ندعو الحكومة المقبلة التي ستشكل إلى مغربة نفسها، وبسط نفوذ رئيسها على كل الوزارات، عدم النكوص إلى الانتقام من الذات بتغير وتعديل القناعات، أو التعاقدات، وليس هو من يقال له اليوم عمل وغد حساب، لذلك لن يقبل منه ولا من وزرائه الملتحين بجزها ناهيك عن تحسينها، والله غالب على أمره.