تعميم الاستياء من مقال: (ثقافة الإقصاء)

04 فبراير 2014 23:42
تعميم الاستياء من مقال: (ثقافة الإقصاء)

تعميم الاستياء من مقال: (ثقافة الإقصاء)

ذ. طارق الحمودي

هوية بريس – الثلاثاء 04 فبراير 2014م

من خلال سياحتي في بعض محميات المقالات الحداثية وقفت على مقال لكاتب اسمه يوسف هريمة… حاول فيه إسقاط مبدأ (الولاء والبراء) الذي سماه (ثقافة الإقصاء) بطريقة تؤكد نظرية أومن بها منذ أن دخلت المحمية، وهي أن بعض دعاة (البقل والتزوير) حينما يتناولون جزئيات القضايا في نصوصها في سعي إلى تنزيل ما صدعوا رؤوسنا بالتنظير له، فإنهم يكشفون عن ارتعاش منهجي وسفاهة في المعالجة.

يقول الكاتب في مقال له بعنوان: (ثقافة الإقصاء من منظور قرآني):

[ما نريد الوصول إليه هو ما عبر عنه عبد الرزاق الجبران بـ(دين بلا معبد)، فليس المقصود هنا أن يمحي الإنسان أشكال العبادة أو النسك أو القربات، بل عمق الفكرة كما يريدها الجبران إلغاء هذه الأسوار الدينية المعروفة التي تصنف البشر وتمزق الإنسانية إلى مناحي يكفر بعضها بعضا (انقلاب المعبد ص12)؛ فالحقيقة أنه لم يقتل الإسلامَ إلا الفقه، كما لم يدمر المعبدَ إلا الكاهن.

وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ“.

فالنص أساسا هو عملية نقدية لبنية الفكر الإنساني، سواء مثله اليهود أو النصارى، إذ الاتهام بمنطق (لست على شيء)، والرمي بالآخر إلى حدود العدم، هو اتهام باطل لا يستند على حقيقة، إلا في أذهان صناع ثقافة الإقصاء].

هكذا يهول الكاتب -الداعي إلى دين بلا معبد… يجتمع فيه مؤمنون بلا حدود عفا الله عنا وعنه- من فكرة تسفيه ما عند غير المسلم من عقيدة، زاعما أن منطق (لست على شيء) (اتهام باطل لا يستند على حقيقة إلا في أذهان صناع ثقافة الإقصاء) كما يقول! وهكذا هي مغامرات المتطفلين على موائد القرآن.. يطلقون أحكامهم بجرأة دالة على خبث إيديولوجي فائح الرائحة، ويتواصون بالعمليات الانتحارية الفكرية، ولا يتضرر منها إلا أصحابها من (بني فشلان). وبيان ذلك في قوله تعالى:

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68)”

فأمر الله تعالى أن يقال لأهل الكتاب من اليهود والنصارى: (لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ) رغم أنها كما يزعم الكاتب (اتهام باطل لا يستند على حقيقة إلا في أذهان صناع ثقافة الإقصاء). فهل يلتزم الكاتب موقفه هذا مع كلام الله تعالى؟ أو أنه سيبحث عن مسلك من المسالك الضيقة ينحشر فيه انفلاتا من الإلزام؟

قد يفاجئك أمثال هؤلاء وهم ينحشرون في مسالكهم بأنواع من الهرطقات، ومن ذلك أن يقال: قد قيد الله ذلك بعدم إقامة التوراة والإنجيل… ومثل هذا الاعتراض -لو صدر منه أو من أمثاله-  مهزلة أقبح من الاعتراف بالخطأ، لأنه سيقال له: وهل أقام النصارى واليهود كتبهم؟ هل أقاموا ما نزل إليهم من طريق النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟

والجواب الناصح: لا.. لسببين قريبين بينين… أنهم لم يقيموهما… بعد أن ضيعوهما وحرفوهما… وعليه فيصح منطق (لست على شيء)، لأنه منطق قرآني لا تعقيب عليه، ولا راد لمقتضاه،فلا يزال بعض النصارى يؤمنون بأن الله ثالث ثلاثة، وبعضهم بأنه الله، وبعضهم بأنه ابن الله. فقد قال الله تعالى في كل طائفة منهم:

* “لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ” (الآية:17-المائدة).

* “لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ” (الآية:73-المائدة).

* “وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ، يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ، قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ” (الآية:30-التوبة).

فكفرهم جميعا… وهذا يعني أنهم (ليسوا على شيء)… إلا إن كان الكاتب يرى أن كفرهم… يعني.. أنهم على شيء! وقس عليهم بني يهود. ومعنى كفرهم أنهم يستحقون الخلود في النار كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) (الآية:6-البينة) و(من) بيانية لا تبعيضية كما قال الطاهر ابن عاشور في التحرير التنوير.

وقد يشاغب بعض هؤلاء كما العادة بمثل قوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69)”. ويزعم أنها نص في أن النصارى واليهود بل والصابئة من أهل الإيمان والجنة، والجواب أسهل وأوضح…فالله تعالى قيد أمنهم وعدم حزنهم بالإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح… والمقصود بالإيمان بالله أن يعتقد وجوده ويوحد في ذاته وأفعاله وصفاته، وبالإيمان باليوم الآخر وفق ما أخبر به أنبياء الله ورسله، ونبينا شاهد على ذلك. وبالعمل الصالح وفق شرائعهم المنزلة، والقرآن مهيمن عليها، حاكم وناسخ، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم سنة خاتم الرسل القاضية على ما سبقها.

فهل نصارى اليوم ويهودهم يحققون ذلك.. وهم مطالبون بالإيمان بنبينا صلى الله عليه وسلم؟

الجواب: لا… فثبت منطق (ليسوا على شيء)… والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M