عقيدة ومفاهيم أبنائنا مهددة بالمقررات التعليمية الأجنبية
هوية بريس – إكرام الفاسي
الجمعة 07 فبراير 2014م
إن معاينة بعض الكتب المقررة لأبنائنا في التعليم الخصوصي، تجعلنا نقف مندهشين من هول ما نراه، فلا غرابة أن تجد بين أحضان المدارس المغربية الخاصة كتبا خاصة بمدارس البعثة الفرنسية، والشاهد في الموضوع أن تجد فيها ما يهدم عقيدة التوحيد لدى الناشئة بل ويربيهم على العقيدة النصرانية ويغرز في أذهانهم بعض الوثنيات المتعلقة بالديانات الوثنية الوضعية…
وهذه الصورة، ما هي إلا نموذج مما يدرس لأبنائنا، إذ فيها تجسيد الذات الإلهية والعياذ بالله، وتصور الله عز وجل كأنه رجل عجوز ذو لحية بيضاء، كما تصور آدم وحواء عليهما السلام وهما عاريان تماما.
وهذه صورة بها مقتطف من سفر التكوين وفيه أن الله قد خلق السموات والأرض في ستة أيام واستراح في اليوم السابع كما يؤمن بذلك اليهود.
وهذه صورة وكتاب (Français ,édition Nathan) بالذات درست فيه أجيال من أبناء المغرب، وإن كانت الصورة توضح صدوره في سنة 2009 إلا أنه صدر بطبعات أخرى قديما، كما أنه فيه مستويات عدة من الأول ابتدائي إلى الإعدادي.
وفي كتب أخرى وقفت عليها سابقا، تدريس للفكر الإغريقي وتعدد الآلهة لديهم، فالطفل الصغير الذي يفتقد لتربية إسلامية متينة قد يتأثر بهذه الأساطير، خاصة وأن المطبوع مزين بألوان بهيجة وصور موضحة لكل فكرة يتضمنها، كما تجد أن بعض هذه المقررات فيها تقنيات تنصيرية، بحيث تكرر فكرة نصرانية على طول المقرر حتى تصير مسلمة لدى الطفل، كأن يدرس الطفل أن المسيح هو الله أو هو المخلص.
كما لا يخفى أن جل الكتب الفرنسية بها فقرات عن الأعياد الخاصة بهم، كفقرات عن أعياد ميلاد آخر السنة، فنجدها تصور “الأب نويل” على أنه رجل صالح يسعد الأطفال بهدايا يوم الميلاد، وعيد “الهالووين”، وما يصحبه من طقوس تنكرية، وكذا أعياد الحب وما يرافقها من ميوعة وانحلال… مع تصوير كل ذلك برسوم جذابة ومغرية يسهل معها تقبل الفكرة، فيصبح الطفل مشوش البال، مضطربا بين مبادئ الإسلام والمسيحية، حتى لو نبه الأستاذ على أن هذا مجرد انفتاح على معتقدات الآخرين لا يجب الإيمان به، إلا أن الطفل لا يسلم من التساؤل والفضولية.
تقول السيدة ح.ب: “أنا رأيت الصور بالصدفة عندما سألتني ابنة أختي -وهي في المستوى السادس ابتدائي- أسئلة مثل هل هذا هو الله؟ وهل الشيطان له رجلين وهو عبارة عن ثعبان؟ وهل الله يشرب الخمر؟ لقد صعقتني أسئلتها، وقالت لي أن هذا موجود في مقرر الفرنسية…”.
ومن بين ما يوجد في أمثال هذه الكتب المدرسية، تغريب لهوية الناشئة، إذ تتربى على الثقافة الفرنسية، وبعض المفاهيم الخطيرة، كالحرية المطلقة، وثانوية الدين وكذا بعض الأفعال القبيحة كالعلاقات المحرمة، وشرب الخمر، والذهاب للملاهي الليلة رفقة الأصدقاء… مما يجعل لدى الأطفال هوة بينهم وبين الثقافة المغربية.
فحين يصل الطفل لمرحلة المراهقة، وكان قد خضع لسنوات من التغريب وأحيانا “التنصير”، يصبح متمردا على أعرافه الأصيلة وتقاليده الوطنية وينظر إليها على أنها تخلف ورجعية، وأن النموذج الغربي وأعرافه هو الأكثر تحضرا، وإن كان منافٍ للقيم الإسلامية، وهو ما صرنا نراه ونعانيه من فئة من شباب يدعون إلى التسيب باسم الحريات الفردية.
ثم إن الأستاذ نفسه مجبر على الخضوع لتلك المقررات، فلا يمكنه تجاوز الفقرات المخالفة للقيم والعقيدة الإسلامية، ولا يسعه حينها إلا تنبيه الناشئة إن كان من أهل الخير والصلاح، وإلا فصغارنا يتشبعون بهذه الأفكار ليل نهار: فالطفل يقضي يومه في المدرسة ثم يعود إلى البيت فيراجع دروسه ويقلب صفحات الكتب أو تراه يشاهد قناة من القنوات الغربية التي ترسخ ما سبق أن تلقاه، في غياب تربية سليمة في معظم البيوت -وإن قصدت أن معظم البيوت تفتقد للتربية السليمة فليس على سبيل المبالغة، إذ أعني التربية على مبادئ الإسلام والتوحيد والقيم النبيلة وإلا فكلٌّ يدعي أنه ربى أبناءه أحسن تربية- وغياب إعلام بناء يخدم صالح أبنائنا ويحفظ لهم دينهم وهويتهم.
فلا حيلة لدى الأولياء بين رمي أبنائهم في جحيم التعليم العمومي، أو الاكتواء بمصاريف التعليم الخصوصي وجني سلبياته، التي تتعدى الجانب المادي والمنهجي لتصل لحدّ ضرب القيم والعقائد.
فيبقى السؤال: أين دور لجان المراقبة في وزارة التربية الوطنية والتكوين؟ وهل هذه المقررات تخضع للرقابة قبل وصولها إلى المكتبات ثم تسَرّبها لمحفظات أبناءنا؟ والرقابة المطلوبة لا ينبغي أن تقتصر على مراقبة المنهجية وجودة الدروس، وإنما ينبغي أن تراقب مدى ملاءمتها للمجتمع المغربي المسلم وهويته وقيمه، كما يُطرح السؤال عما إذا كانت الجهات المعنية واعية بخطورة هذه المقررات!!
وأين المؤسسات الدينية الرسمية التي عليها تحمل مسؤولية الحفاظ على الأمن الروحي للمغاربة، وعلى رأسها وزارة الأوقاف، التي لا يمكن أن تتساهل في التسليمة الواحدة في الصلاة، وفي طريقة الآذان خشية أن يكون بصيغة شرقية، في حين تغيب عن الدفاع والحرص على سلامة عقائد ومفاهيم أبناء المسلمين في المدارس وما يتلقونه في مقرراتهم من عقائد وثنية وأفكار منحرفة؟
لا أنكر أن الانفتاح على الآخر مطلوب، لكن مع استيفاء شروط السلامة وبيان فساد المعتقدات المخالفة للإسلام، فهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بإصلاح للتعليم المغربي وصياغة مقررات مغربية متطورة تمكن من هذا الانفتاح وتضمن الحفاظ على الثقافة المغربية الإسلامية، وتجعلنا في غنى عن اللجوء لمقررات أجنبية وفي غنى عن هذه الازدواجية في التعليم الخصوصي، فلا أبناءنا حصّلوا بركات المقرر المغربي ولا هم حصّلوا بركات نظيره الغربي بقدر ما جنوا سمومه.