قرار الإغلاق بين زيف التهمة وتسلط الطغمة
محمد بوقنطار
هوية بريس – الثلاثاء 23 يوليوز 2013م
أسلفنا الذكر سابقا أننا لا نميل إلى التفصيل في الكلام عن الفرق بين الظهير والقانون المؤطر لمدارس التعليم العتيق، وبين قانون الجمعيات المؤسس بالظهير الشريف المعدل والمتمم والمعدل، الذي تعمل في إطاره وعلى وفق بنوده مؤسسة دار القرآن، فقد لا يحتاج الأمر إلى تفصيل إذ الاستفسار بتفصيل عن المعلوم مذموم، سيما وأن الفروق جلية واضحة بين مضامين وبرامج ومقاصد والتزامات كلمن دور القرآن ومدارس التعليم العتيق.
بالإضافة إلى أن أي وقفة أمام الواجهة الزجاجية لتهمة تدريس القراءات العشر تعطي انطباعا أوليا أن التهمة هي نقطة أفاضت كأسا كان ترعا وقشة قصمت ظهرا كان عليلا متداعيا، إذ قد نسلم أن خلاف دار القرآن مع الاتجاه الرسمي ورواد الإصلاح والهيكلة والإيغال في التمذهب، هي كانت وما تزال خلافات يشتد وطيسها على المستوى العقدي والسلوكي، بينما يسجل انفراجا تضيق حلقاته وتتسع بين الاعتبار والرجحان والمرجوحية على المستوى الفقهي، وهو أمر مسلم به حتى عند العوام، لكنه تسليم لا يحجب غرباله حقيقة الاتفاق الحاصل بين المؤسستين بشيء من التكامل والتلاقح والتعاون في مجال الاعتناء بالقرآن مدارسة وتعليما وتلاوة.
ومع الإقرار بهذا الاتفاق وعلى ضوئه يمكن قراءة هذا الشذوذ الذي وقعت فيه الوزارة الوصية، وحادت به عن جادة الصواب، إذ بدت دفوعاتها واهية واهنة، وهي تعلم قبلنا أن القرآن ومزية مدارسة القراءات العشر لم يكن يوما ليشكل تهديدا لما هي حريصة عليه من أمن روحي للمغاربة، وحتى إن أردنا تسويغ تهمة التهديد فكيف الجمع إذا علمنا أن الكثير من الدول الغربية تسمح على أراضيها وترخص للمسلمين بل للسلفيين منهم بإقامة دور ومؤسسات تعنى بالقرآن وقراءاته وتدريس علومه في واضحة النهار وعلى عين الجهات المسؤولة هناك، وهي الأكثر والأشد حرصا على الأمن الروحي والنفس الحداثي لمواطنيها.
إن الطابور الخامس الذي يزعجه القرآن ويزعجه آذان الفجر ويزعجه النقاب والخمار وحف الشارب وإعفاء اللحي، وكل نسمة فيها ريح إسلامية بدء بإفشاء السلام وانتهاء بتقديم الشمال على اليمين عند دخول الكنيف وعكس الأمر دون مشقة عند دخول بيوت الله، نراه اليوم يتحرك في خفاء وعلن، ونحس بآثار نفخه في مزامير القرارات الوصية المتسلطة، ونعلم بغيته وأمانيه في حماية الحمراء، مدينة النخيل ذات الإشعاع الدولي ومعلمة التراث العالمي، التي تحج إليها أجناس وتتخذها أجناس قبلة للهو والميسر والخنا والشذوذ ومآسي “البيدوفيليا”، نعلم أنه لا يريد ولا يسمح أن تتحول هذه القبلة السياحية الحاضنة لبطولات البوكر إلى قلعة طالبانية يغلب على ملامح مدنيتها وسمت طابعها الحيوي ملامح الإخوانية المتطرفة الموغلة والمسرفة في تحدي والعود بالنسف ولو بعد حين على مكتسبات غرنيق الحريات الفردية، مكتسبات الجرأة والإلحاد والإسفاف والخسة والبهيمية التي لم تصل سقفها الراعن حتى بهيمة الأنعام.
فصبرا طلاب القرآن، فصبرا طلبة العلم، فصبرا حماة الدار، فعزاءنا أن نعلم علم اليقين أن الله متم نوره ولو كره الكارهون، وأن نعلم أنه واهم من ظن أن المنع والتضييق والإغلاق يستطيع أن يرد هذه السخائم المؤمنة المنيبة إلى ربها عن قبلتها التي اختارها الله لها ورضيت هي بها عن نفس راغبة مطمئنة تواقة إلى تحبير القرآن على ألسن عشر، وأن نعلم أن نوع التهمة وجنسها ينبئ على أن الفكر الخرافي الظلامي الذي يريد أن يشدنا إلى ظلم الشرك وعدوان البدعة، بدأ يلفظ أنفاسه ويتراجع عن خط البدايات والمقدمات التي انطلق منها، والحمد لله الذي قرر حكمه الحاسم الذي لا معقب له {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}.