الإسلام والمسلم بين الاتصال والانفصال
ذ. يونس الناصري
هوية بريس – الأربعاء 19 فبراير 2014م
كثيرا ما يغلط عموم الناس في أقوام يمتحون من المرجعية الإسلامية، أو كذلك يظنون، فيصبون خلاصة غضبهم على الإسلام نفسه بقصد أو بغير قصد؛ فأعداء الملة الإسلامية من المنافقين -ولا حرج من ذكر المنافقين الذين سميت بهم سورة في القرآن الكريم- يحقدون على الإسلام باطنا، ويدعون زورا اعتقاده ظاهرا؛ وإذا رأوا خطأ في القول والفعل من بعض ذوي التوجهات الإسلامية، سارعوا إلى انتقاص الدين كله، زاعمين -مكرا وجهلا- أن الإسلام هو الذي ربى أهله على ذلك، ولو كان فيه خير لما صدر من المنتسبين إليه قول ولا فعل تستقبحهما النفس والأعراف.
أما غالبية العامة، فإنهم يستبيحون الطعن في الدين بأغلاط المنتسبين إليه؛ فيؤدي بهم ذلك إلى الازدراء ببعض سننه الواجبة بدون وعي منهم؛ وقد تجلى الأمر للجميع في الحكومة البنكيرانية التي أقضت مضاجع المواطنين، وأرهبت أصنافا من الموظفين، بزيادات مجحفة تارة، وبالزحف على كثير من المكتسبات تارة أخرى، فبغضت نفسها للمغربي الفقير الذي وعدته أيام المعرضة المهرجانية بتحسين أوضاعه، وفتحت شهيته لمستقبل زاهر، فلم يجد منها إلا ضيق الحال وكثرة القيل والقال.
فأول ما يُقال فيهم: ” ياودي يااللحايا، هذا هو الإسلام؟ سيروا حسنوا بعدا ديك اللحية…”، وغير ذلك من المعاني المعلومة لدى القاصي والداني، بل أدهى منه أن المواطن غير الفاهم أضحى يبغض ويحتقر كل ملتزم متدين، وإن كان هو أيضا من الساخطين على مشروع بنكيران الهزيل.
من ذلك أننا كنا في سيارة أنا وأصدقاء لي في الدار البيضاء، والشارع ممتلئ عن آخره، فمررنا بحارس سيارات، ثم لما أبصرني قال: ” زيدوا زيدوا..نتوما اللي خرجتوا على البلاد!!!”.
وكأن الإسلام هو سبب الفتن والمشاكل، والفقر والبطالة، وكل هم وغم!! وكأن الإسلام هو الآمر بالتضييق على أبناء الشعب، والناهي عن إغنائهم وتوفير حاجياتهم!!
وحقيقة الوضع أن الإسلام بريء من شطط المسؤولين، وتكالبهم على الناس، بريء من إفقارهم للخلق وازدرائهم بهم، بريء من كل ما يسخط المواطن على أوضاعه السيئة التي لا تخفى على متابع.
الإسلام منهج رباني شامل لمناحي الحياة جميعها، غايته إسعاد الناس في الدنيا والآخرة، ولا أدل على ذلك من حرصه على الكليات الخمسة المعلومة، التي منها حفظ المال، وبذلك فهو يسعى إلى توفير الأمن ورغد العيش، وفي التاريخ الإسلامي العظيم أن عمر بن عبد العزيز الخليفة الخامس كما يسمى، كان يخرج المال للتصدق فلا يجد من يقبضه منه، وبيت مال المسلمين آنذاك يوزع المال بالتساوي على كل الفقراء المعدمين، ولا يرضى الخلفاء الأنقياء الأتقياء بالنوم إلا بعد أن يرتاح المسلم ماديا ومعنويا.
إذن فالإسلام باعتباره دينا قيما عادلا، لا ينبغي محاكمته والنيل منه ولو بالإشارات، ونحن لم نحكمه فينا في كل صغيرة وكبيرة، ولو فعلنا لأعزنا الله وأكرمنا وأغنانا عن غيرنا، ولصرنا نقرض -بلا ربا- كل دولة محتاجة، ولهاجر إلينا الفقراء من سائر البلدان كما نفعل نحن -ونموت- الآن.
فينبغي أن يعي المسلم بأن تصرفات الحكومة المسلمة لا يقاس بها الإسلام، فهم متصلون بالدين لأنهم مسلمون، منفصلون عنه -من غير خروج منه- لأنهم لم يتفقهوا فيه، ولم يرتووا من زلاله المعين، لذلك قال العلماء: “الحق لا يعرف بالرجال، بل أعرف الحق تعرف الرجال”.
الإسلام يحرم الكذب والغش وإخلاف الوعد، والحكومة بالغت في الوعود -لأنها لم تقرأ قولة القدماء: من طلب الرئاسة نال الدياسة، ومن ترفع بأنفه سقط على رغم أنفه، ومن ساس الناس أتى عليه يوم ليُداس- فلما ولجت غمار معركة الرئاسة نقضت غزلها، وأخلفت وعودها، بل أبدلت بها قرارات غير عادلة، عفت بها عن المفسدين قائلة: عفا الله عما سلف، على نية أن تعوض ما نهب من مال من حساب الضعفاء ذوي الدخل المحدود، وألغزت في محاربة الفساد بزعمها محاربة العفاريت والتماسيح بخطابات سوقية لا ترقى إلى المستوى الثقافي المنشود، وهلم جرا وسحبا.
فهل يعقل أن يحاسب الإسلام والملتزمون به بجرائر غيرهم ممن يشوه صورة المرجعية الإسلامية؟!