رد على جريدة «الأحداث».. كيف يربي المتدينون أبناءهم؟
ذ. نبيل غزال
هوية بريس – السبت 01 مارس 2014م
خصصت يومية “الأحداث المغربية” في عددها رقم 5214، بتاريخ 24 فبراير 2014، صفحتين كاملتين لما أسمته “تقريرا” يرصد طريقة تعامل الملتزمين/المتطرفين مع أبنائهم، وأساليب تلقينهم لبعض أحكام الدين.
وإن كان المسمى “تقريرا” لا يعدو أن يكون “حْديث الرّْكـَانِي” وكلام سيق لملء الفراغ، والتعبير عن المعاناة الكبيرة التي يكابدها هذا المنبر والتيار الذي ينتمي إليه؛ جراء المد الإسلامي الجارف الذي يهدد تواجده، إلا أن هذا العمل يحتاج منا إلى وقفات، وإلى تأمل عميق لنقف على درجة الإسفاف والاستخفاف بعقول الناس، وجرهم قصدا وعلانية إلى عالم الغواية والانحراف والضياع.
خيـال واسـع
فقد زعمت مُعِدة التقرير أن “أولياء وآباء سلفيين يحبسون أطفالهم في بيئة مغلقة ومحصورة.. فلا حديث لهم في البيت إلا عن الموت وعذاب القبر. فمشاهدة التلفاز حرام، ومشاهدة صور الفنانين حرام، حتى مطالعة الجرائد فهي بالنسبة لهم رجس من عمل الشيطان، والتعليم في المدارس العمومية حرام كذلك. يتعاملون مع أطفالهم بالأوامر والنواهي، وهذا مباح وذاك حرام، هذا خير وذاك شر، ويستندون طيلة اليوم إلى مرويات السلف وأحاديث الشيوخ“.
كما أن جيران هؤلاء المتشددين يُعتبرون كفرة وفق “الأحداث” دوما، والحكم نفسه ينسحب على الأساتذة والعائلة غير الملتزمة بأحكام الدين ظاهرا!!
وادعت معدة التقرير أيضا؛ بعد أن أطلقت العنان لخيالها واسعا، وانتهكت خصوصيات السلفيين، واقتحمت خلسة بيوتهم المنيعة لتجالسهم، وتستمع إلى حديثهم العام والخاص؛ فعلمت أن “عائشة -ابنة الملتحي المتشدد- بكت بحرقة، فهي تريد أن تستمع إلى الموسيقى التي تحدثها عنها زميلاتها في المدرسة، حتى ابنة جارتهم فدوى كانت تحكي دائما عن هيفاء وإليسا ومريم فارس، بحيث أصبحت تعرف هاته الفنانات دون أن تشاهدهن أو تسمعهن..“.
أنموذج يراد تعميمه
فهذا هو الأنموذج الذي تسعى إلى ترويجه منابر مثل الأحداث، تريد لبنات المغاربة أن يتربين على ثقافة “بوس الواوا” و”بستناك” و”أنا قلبي ليك”!! وعلى كليبات المشاهد الإباحية..
تريد منهن أن ينشأن على قيم محددة، وقيم علمانية بالذات، لا تعترف بدين ولا شيء اسمه حدود الله، ولا حرام ولا حلال..، وعلى قيم تقصي المقدس وتعظم المدنس، قيم تلغي الروح وتعلي من شأن الجسد والمادة.
وبالتالي فكل مغربي تمسك بدينه واقتفى سنة نبيه سيد الخلق أجمعينعليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم؛ فهو سلفي متشدد يحرم أطفاله “من طفولة طبيعية ويقرر تلقينهم ثقافة سلفية تجاوزها الزمن كالفصل بين الإناث والذكور وارتداء الإناث للحجاب..” الأحداث.
فأين هي قيم الحرية التي يرفع العلمانيون شعارها صباح مساء؟ أين حرية الآباء في اختيار الطريقة التي يرونها صوابا لتربية أبنائهم وحمايتهم مما يعدونه انحرافا وفسقا وفجورا؟!
وإذا كان العلمانيون يؤمنون بالتعددية والاختلاف؛ فلماذا لا يحترمون اختيار الملتزمين بتعاليم دينهم؟ لماذا يكابرون بعدم الاعتراف أنهم يشكلون أقلية متسلطة على هذا المجتمع؟!
لماذا يصرون على إخفاء الحرب الإيديولوجية الممنهجة التي يخوضونها بالوكالة ضد كل مغربي يتمسك بشرع ربه؟!
ثم ماذا جنينا داخل بيوتنا ومؤسساتنا التعليمية.. جراء اللقطات الحميمية والمشاهد الجنسية المثيرة وثقافة الفيديو كليب؟ فالواقع يشهد أن الأنموذج المؤجج للشهوات يساهم يوما بعد آخر في ارتفاع خطير لأعداد “الأمهات العازبات”، والحمل غير الشرعي بين صفوف التلميذات والطالبات، والأمراض المنتقلة جنسيا، في مقابل تدني مهول في مستوى التحصيل العلمي.
السلفيون على الطبيعة وأناس عاديون جدا
لقد أعمت الشهوة وثقافة الحقد والكراهية التي تشربها هؤلاء الكتاب أبصارهم، وصموا آذانهم، ولم يمنحوا أنفسهم -للأسف الشديد- الفرصة لنقاش موضوعي، وتحليل عميق ليفهموا جدوى أحكام يناصبونها العداء دون مبرر أو مسوغ، أحكام يحاربونها لمجرد كونها صادرة عن مرجعية دينية.
وبعيدا عن المهاترات والتهم الجاهزة كالرمي بالتكفير، وعدم إلحاق الأطفال بالمدارس العمومية والخاصة التي يكذبها الواقع، والافتراءات التي يستحي الإنسان من قراءتها بله خطها، والتي تؤكد أن هؤلاء الناس يعيشون فعلا في كوكب آخر، أو أنهم يعانون كل ليلة في منامهم من كوابيس مزعجة حول السلفيين، ويسارعون صباحا إلى خطها دون أن يغسلوا وجوههم وينظروا في المرآة.
إن السلفيين والملتزمين بدينهم عموما يعيشون حياة طبيعية، شأنهم شأن باقي المغاربة، ويسعون بكل ما أوتوا من قوة إلى تحقيق ما فيه الخير والمصلحة لأبنائهم، ولا شك أنهم تعترضهم في طريقهم هذا العديد من المشاكل والمعيقات، لكن الأمر الأكيد أن حياتهم الخاصة ومنهجهم في تربية الأطفال يختلف عن منهج تربية اللادينيين لأبنائهم؛ الذي يعد نشازا في المجتمع المغربي..
فمن يرفض العبودية لله تعالى رفضا تاما؛ ويريد إنسانا متحللا من كل خلق ودين، وحياة لا تؤطرها الشريعة، ولا مكان فيها لأمر ولا نهي، لن يمانع إطلاقا في مشاهدة أطفاله للفيديو كليبات العارية وأفلام العنف والجنس، ولن يعترض على ربط بناته وأولاده لعلاقات غرامية وجنسية مع الطرف الآخر، ولن يتحفظ أيضا على معاقرتهم ما يضرهم مثل الكحول والسجائر وغيرها بدعوى الحرية الفردية.. بل منهم من صرح على فضائية أنه “يرضى أن تمارس أخته وأمه وابنته حريتهن حسب ما يبدو ذلك لهن ملائما”!
وأما من يؤمن بأن الله تعالى هو خالق الكون وباعث الرسل بالحق، وأن الحياة دار عبور وابتلاء، وأن حرية الإنسان مضبوطة بحدود شرعية لا ينبغي الخروج عنها؛ فهو يؤطر أبناءه ويربيهم -حسب قدرته- وفق ما نص عليه كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
منع الاختلاط في المؤسسات التعليمية
ثم إن منع الاختلاط في التعليم والذي اعتبرته معدة التقرير/الحلم “ثقافة سلفية تجاوزها الزمن”!! هو أرقى ما وصل إليه الغرب لرفع مستوى التحصيل في التعليم.
ويكفي أن نطلع الرأي العام أن أمريكا وحدها يوجد بها أكثر من 170 فرعا جامعيا لا يختلط فيه الطلاب بالطالبات، وذلك لما لمسه المربون والمشرفون على هذه الجامعات من مضارّ الاختلاط.
كما أظهرت دراسة أجريت بمعهد «كيل» بألمانيا أن البنين عندما تم فصلهم عن البنات حققوا نتائج أفضل في شهادة الثانوية العامة، وارتفعت درجاتهم بنسبة تزيد أربع مرات عما كان الحال عليه عندما كان الفصل مختلطاً، وكذلك الأمر بالنسبة للبنات.
وفي دراسة أخرى لمجلة «نيوزويك» الأمريكية أرقام وإحصاءات تفيد أنَّ الدارسات في الكليات النسائية (غير المختلطة) هن الأكثر تفوقاً ونجاحاً في الدراسة وفي حياتهن العملية بعدها.
والدراسات والإحصائيات في هذا المجال كثيرة ومتوفرة. لدى فالفكر السلفي؛ وبتعبير صحيح الحكم الشرعي الذي نص عليه علماء الإسلام، واستمر العمل به أكثر من 14 قرنا، إلى ما بعد دخول جيوش الاحتلال الفرنسي إلى المغرب، هو حكم موافق لما وصل إليه الغرب بعد تجربة مريرة مع الاختلاط في التعليم.
التربية على الدين أمر رباني
فتلقين المبادئ الأساسية للدين بالنسبة للأطفال، مع مراعاة درجات إدراكهم وفهمهم وتصورهم، وتعليمهم الوضوء والصلاة وأركان الإيمان وبر الوالدين والإحسان للخَلق.. وتحصينهم من كل الأفكار المنحرفة التي ستؤثر لا محالة في سلوكهم وتحصيلهم العلمي، هذا أمر واجب على الآباء والأمهات.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم:6)، قال المفسرون: «{قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً}: أي أدبوهم وعلموهم.. علموا أهليكم من العمل بطاعة الله ما يقون به أنفسهم من النار» تفسير الطبري.
وقال صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته؛ الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته..» متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة» البخاري ومسلم.
فمن ينشد الجنة ويطمع دخولها يربي أبناءه وفق ما أمر الله به، ويحذر طريق الذين يتبعون الشهوات ويزينون الباطل ويزيفون الحق، وقد قال الحق جل في علاه في كتابه الكريم: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} (النساء:27).