هواننا على الناس ومآسينا التي لا تنسى
محمد بوقنطار
هوية بريس – الإثنين 03 مارس 2014م
ربما ساهم العدو عبر تعدد الأدوار وتبديل ثوبه ومدى خبرته في إخفاء شراك فخاخه القاتلة واحتياله وتدليسه عبر السافر والمقنع لبلوغ أهدافه ومآربه، في حمل الكثير من ذوي النيات الحسنة والمخدوعين في غير نصاب حجة إلى القول بأن الاستعمار وخصيصة الغدر ولّى وولت في غير رجعة، وأن العالم ومعه الإنسانية اليوم هما في طور التأسيس لمرحلة موادعة والتأريخ لصفحات نيرة توّقع على أن كفتي العدل تستعيد في سرعة مطلوبة عافية توازنها.
غير أن هذه اللوحة السريالية ما هي إلا سراب يخفي ضجيجه ودخان رماده الساخن اليحموم مآسي تشرح في إقرار وتسليم على أن أزمة التحرر والعدل وتوازن القوى في العالم ما تزال أزمة خانقة، كوابيسها جاثمة بخيلها ورجلها على كثير من أهل الأرض من المستضعفين فيها بغير حق، بل ها هي مدنية الأقوياء وذيولها المتخلفة والمستخلفة في إفريقيا وآسيا تستعيد نشاطها الإجرامي وتنطلق بعددها وعدتها ثبت الفوضى والهمجية والجاهلية، وتملأ آفاق الأرض بالمآثم والمظالم، وتزحم أرجاء جغرافيا المستضعفين بالضحايا والثكلى والأيتام والمنكوبين، حتى إن المرء ليجزم أن هبوب وباء وانتشاره في أرض لم يكن ليراكم ما خلفته أيدي الجناة الظالمين، بل لم يكن ليجرؤ فيروسه القاتل لو تكلم أن يتكلم كما تكلم الهندوسي المتشدد “ناريندرا مودي” في مقابلة نشرتها له وكالة رويترز عن أحداث العنف التي استهدفت المسلمين في أحداث عام 2002م في ولاية غوجارت الغربية والتي كان ذهب ضحيتها أكثر من ألف من المسلمين عندما علّق قائلا ” إنه شعر بالحزن لأحداث العنف كما يشعر المرء حينما تدهس سيارة جروا صغيرا ” ، ولن نقف أمام هذه الصفاقة طويلا إنما حسبنا أن نستفسر عن ماذا يقع حينما يستمكن هذا الصنف من البشر بقيادة الأرض وسياسة أمورها غير استغلال حقده وتفوقه المادي للإيغال في السطو والإذاية وبث الظلم في أركان الأرض والفساد فيها إهلاكا للحرث والنسل.
ولا شك أن الواقع يشرح بالصوت والصورة والرائحة أن الغرب المسيحي ومن يسير في ركب عدوانيته وساديته هو الأكثر عنفا وبطشا واستبدادا، ولاشك أيضا أن التاريخ بأبعاده الثلاثية يشهد على أن المسلمين هم الضحية الأولى على رأس قائمة المستهدفين من بنادق ودبابات وطائرات راجمة بربان وبغيره مهددة بالهلاك والإبادة، بل وسكاكين وسلاسل وهراوات تعمل عملها في أجساد وجماجم الأقليات المسلمة المسالمة على مرأى ومسمع من رواد المسرح الدولي وصناع الفرجة والتواطئ الأممي، حتى أن لوحة الركام الضارب في الطول والعرض من جثث الهلكى من المسلمين لتشي بأن الوأد عاد ليمارس جاهليته وليحد من أعمار أهل الإسلام الذين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت من الذين استسلموا لقدر حقيقة أنهم جنس مستهدف بالعنف مستباح الدم والعرض والأرض، فها هي الأخبار تترادف عبر الأثير وشهود العيان عما يتعرض له مسلمو الروهينغا في ولاية أراكان من اضطهاد وتمييز عنصري وإساءة معاملة كانت بداية فصولها منذ 1982م عندما صنفت الحكومة البوذية ما يقدر بنحو 750 ألف من أبناء الروهينغا على أنهم مسلمون بنغال لا حق لهم في الجنسية ، واليوم نشهد فصولا أخرى من فصول امتداد المؤامرة حيث تتعرض هذه الأقلية إلى الإبادة والتنكيل وحبل المعطوفات ينوء بحمله الورق في باب الكوارث الإنسانية، التي لم يكتفي الأمن والجيش فيها بالحياد المميت بل أبى إلا أن يشارك في القتل وأن ينال حصته من الاغتصاب واستباحة ما يقبل الاستباحة.
وتتواصل تراجيديا الأحداث المأساوية ويكمل سيل العنف سيره بغير زاجر وتمتد أذرع البغي والتقتيل إلى جمهورية إفريقيا الوسطى حيث يستحر القتل في صفوف المسلمين على مقربة ومرمى بصر من حافر الجندي الفرنسي المتواطئ، حيث أدت أعمال العنف التي تقوم بها الميلشيات والعصابات المسلحة إلى محو الوجود والتواجد الإسلامي الكامل في بعض المناطق، فقتل من قتل وفر من فر ممن بقي حيا إلى دول الجوار كالكاميرون وتشاد، ناهيك عن تفصيل الكلام وبسطه في صور القتل والهدم والحرق والإبادة والوأد والاغتصاب التي عانى منها أي تواجد سكاني للمسلمين بعيدا كان أو قريبا عن مراكز القرار الحكومي.
فما أشبه اليوم بالأمس يوم كانت فرنسا تعمل آلة القتل في معشر الشعوب المستعمرة، ثم لا تستحيي في رفع دعوى حرصها على بث رسالة الحضارة والارتقاء والسلام، ولا غرابة إذا ما نحن استحضرنا القواعد التي سطرتها تجارب معاملة الآخر لنا، حيث كان يستبد بالغرب جنون القتل كلما كان المسلمون هم الضحايا وكانت أرضهم بؤرة استقبال قنابله ومهبط آلته العسكرية المستمرئة للعدوان المنتشية بنخب دمنا المسفوح هنا وهناك قديما وحديثا على نحو ما جاء في ضرب مثال العامة “من اعتاد أكلك، ساعة يشوفك يجوع”
وعليه فإن الحقيقة التي نوثر أن نوقع بها ذيل هذه الدمعة المحبورة، هي حقيقة أن لحم المسلمين في سلخانة المجتمع الدولي بات رخيصا مستباحا، ومن ثم فلا حرج ولا مشكلة أن يعبث به من شاء متى شاء وكيف شاء، ولعلها حقيقة سمعنا عنها ثم طال الأمد فعشنا اليوم فصولها كجيل، فصول تحكي عن منظومة دولية متواطئة تسعى مرة إلى صياغة وضع جديد للتواجد الإسلامي وتجميد نشاطه وسحق نوعه وجنسه، وتسعى مرة إلى تسويغ الحيف الذي يقع على المظلوم، وتسعى أخرى إلى مهادنة الظالم المعتدي ونقله من دائرة تهمة الجلاد إلى وضع الضحية الحريص على إنقاذ الإنسانية من إرهاب الإسلام وعنف المسلمين، ذلك الإرهاب الذي أقرت بشأن ضحاياه دراسة أجراها مركز مكافحة الإرهاب في “وست بوينت” أن 15 في المائة من ضحايا تنظيم القاعدة من الغربيين، في حين وجدت دراسة أخرى لنفس المركز أجراها ما بين 2006م و 2008م أن 28 في المائة من ضحايا تنظيم القاعدة كانوا من المسلمين، فأين هذه الحقيقة التي شهدت بها مراكزهم من هذا الموقف المطرد الذي ما فتئ يصورنا على أننا قنابل موقوتة وكائنات تتنفس العنف، تتجول بين معشر المسالمين من غير المسلمين وتتهددهم بالإرهاب الكامن المركوز فيها فطرة وكسبا من عقيدة الجهاد المبثوثة في آي كتابنا، تحت طائلة مقاربة اجتزائية يغلب فيها القوم جانب الإهمال على غالب الإعمال للنصوص التي تشرح في إطلاق وتقييد على أننا أمة مسالمة تدفع بالتي هي أحسن وتجادل بالتي هي أحسن وتجاهد بالتي هي أحسن و تتبنى شريعة قال نبيها عليه الصلاة والسلام وأخبر في استعارة عظيمة على أن أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمان وأصدقها همام وحارث وأقبحها حرب ومرّة.