معاناة مسلمي شبه جزيرة القرم تتجدد بعد الأزمة الروسية الأوكرانية
هوية بريس – مركز التأصيل
الخميس 06 مارس 2014م
تنتقل ظاهرة اضطهاد المسلمين من مكان لآخر انتقال النار في الهشيم، فلا تكاد تنتهي قصة معاناتهم في مكان ما من هذا العالم، حتى تتناقل وسائل الإعلام بداية أو تجدد آلامهم في مكان آخر، في مشهد يذكرنا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة إلى قصعتها) سنن أبي داود، برقم:4297، وصححه الألباني.
ويبدو أن معاناة وآلام المسلمين مع أعدائهم لن تنتهي أو تتوقف، فما إن تسكن أو تتوقف تلك الآلام فترة من الزمان حتى تتجدد، ولا تكاد جراحاتهم -التي ما زالت تنزف منذ فترة طويلة من الزمان- تندمل حتى يأتي من ينكأ تلك الجراح لتعاود النزيف من جديد.
وهذا هو حال مسلمي شبه جزيرة القرم ذات الحكم الذاتي في أوكرانيا مع الاضطهاد الروسي لهم، تلك المنطقة الجغرافية الاستراتيجية التي يبلغ عدد سكانها 2,5 مليون نسمة، ويشكل الروس حوالي 50% منهم، والأوكران 30%، والباقي من التتار المسلمين، وأهم مدنها العاصمة “سيمفروبل”، والتي كان اسمها فيما مضى “اق مسجد” أي المسجد الأبيض قبل أن يستولي عليها الروس.
تاريخ هذه المنطقة إسلامي بامتياز، فقد استقر تتار القرم بشبه الجزيرة في نهاية النصف الأول من القرن الثامن الهجري، وكانوا قسما من دولة المغول، ثم استقلت دولة القرم تحت حكم أسرة كيراي منذ سنة 831هـ – 1427 القوية.
وما إن بدت علامات الضعف في تلك الدولة تظهر حتى أغرى الروس بمهاجمة أطراف دولة القرم، فاستولوا على القسم الشمالي منها في سنة 1091هـ – 1680م، ليهب الأتراك العثمانيون لنجدتهم حينها، ويظهر تحالف بين تتار القرم والدولة العثمانية، حيث نزل العثمانيون جنوب شبه جزيرة القرم، ودام هذا التعاون قرابة قرن من الزمان.
ولما أصاب العثمانيين الضعف في الجهة الشمالية، تمكن الروس من غزو شبه جزيرة القرم في سنة 1198هـ – 1783م، في عهد كاترين الثانية إمبراطورة روسيا المتعصبة للمسيحية، وهكذا فقدت دولة تتار القرم حريتها، وبدأ الاضطهاد الديني لمسلمي القرم منذ ذلك الوقت، حيث طرد الروس من شبه جزيرة القرم أكثر من مليون نسمة، وصدرت عدة قوانين تحرم الدعوة إلى الإسلام، وظل هذا الغبن مفروضًا على التتار المسلمين طيلة قرن وربع من الزمان.
لقد تناقص عدد المسلمين التتار في العهد الروسي من 9 ملايين نسمة عام 1883 إلى نحو 850 ألفا عام 1941، وما إن نالت أوكرانيا استقلالها عن الاتحاد السوفيتي عام 1991م حتى عقد مسلمي التتار مؤتمرهم الأول في 26 يونيو من نفس العام، ليبدأ مشوار النضال لاستعادة حقوق مسلمي التتار المسلوبة.
ومع تسارع الأحداث التي تجري في أوكرانيا هذه الأيام، وخاصة بعد نجاح مظاهرات المعارضة المدعومة أوربيا بعزل الرئيس المدعوم روسيا “فيكتور يونوكوفيتش”، يتخوف مسلمو التتار في القرم من عودة الاضطهاد الروسي لهم، خاصة بعد انتشار القوات الروسية يوم الجمعة الماضية في كافة أرجاء مدينة “سمفروبل” الأوكرانية.
فقد أكدت شبكة “أوكرانيا برس” حدوث اعتداءات على ممتلكات تعود لمسلمي تتار القرم في منطقة فنتان، وتواردت أنباء عن إصابة مسلمين بإصابات بالغة في منطقة سفتسكايا، وكشف السكان المسلمين عن قيام الروس بكتابة شعارات تحريضية على تتار القرم.
وقد سيطر مجندون روس يرتدون الخوذات والدروع، تدعمهم عربات نقل أفراد على محيط المطار العسكري في “سيفاستوبول” أيضًا، كما شوهد تقدم للدبابات الروسية على بعد 15 كم من الحدود الاوكرانية، حسب ما أفادت كالة إنترفاكس للأنباء.
جاء ذلك بعد أن استولى مسلحون مقربون من الروس الخميس الماضي، على البرلمان والحكومة المحليين في “سيمفروبول”، وتشهد شبه جزيرة القرم بجنوب أوكرانيا حيث يتمركز الأسطول الروسي في البحر الأسود توترات نتيجة لأطماع روسيا التاريخية في هذه المنطقة.
لا شك أن مخاوف مسلمي شبه جزيرة القرم في محلها، فالعداء الروسي لهم ليس له حدود، ناهيك عن العداء الغربي الأمريكي المبطن لهم وللإسلام والمسلمين بشكل عام، فإذا أضفنا إلى هذا وذاك حالة الضعف والتردي العربي والإسلامي العام، فإن لسان حالهم يقول “حسبنا الله ونعم الوكيل”.