كل شيء فيكَ يحتضر.. (زنا المحارم)
لطيفة أسير
هوية بريس – السبت 08 مارس 2014
امتن الله علينا منذ البدء فخلقنا بشرًا أسوياء، وأودع فينا فطرة سليمة نقية نزَّاعة إلى كل ما هو جميل، نافرة من كل ما هو قبيح، فما بالها اليوم اعوجت اعوجاجا يكاد يذهب بالألباب؟
لقد بتنا نسمع مؤخرا عن جرائم أخلاقية يستحي القلم أن يسطر بعض فصولها، جرائم تؤكد أن كل القيم الأخلاقية والإنسانية قبل الإسلامية تحتضر عند الكثير منا، فما معنى أن يعتدي الأب على ابنه ويقتله ويرمي بجثته للكلاب تنهشها ثانيا بعد أن نهشها هو أولا؟ وما معنى أن يعاشر الرجل ابنة أخته سنينا ويصرَّا على جريمتهما حتى بعد الاعتقال؟ وما معنى أن تخون الزوجة زوجها مع شقيقه؟… أليست هذه حقارة يستنكف منها حتى الحيوان؟
إنه ناقوس الخطر الذي يجب أن يقرع بشدة ليوقظ الغافلين من غفلتهم، قبل أن تتفشى الظاهرة وتصبح أمراً مستباحاً كغيرها من المحرمات التي أضحت المجاهرة بها حقاً إنسانياً وباباً من أبواب حرية التعبير أو حرية الممارسة الشخصية.
صحيح أن زنا المحارم ليس أمرا حديثاً، وأن جذور الظاهرة قديمة ترجع إلى عهد الفراعنة، لكن وجودها في مجتمعات إسلامية تحكمها قيم ومبادئ محددة يجعلنا نطرح آلاف التساؤلات حول هذا الموضوع.
وإذا كانت العوامل الاجتماعية والنفسية وحتى الاقتصادية تلعب دورا مهما في كسر حاجز التحريم الجنسي والجرأة على تفريغه في اتجاهات مرفوضة دينيا وعرفيا، فإنه في اعتقادي يبقى غياب الوازع الديني عند الكثير من هؤلاء أهم مسبب لمثل هذه الجرائم الأخلاقية.
هل يمكن أن يجرؤ من يستحضر ربه ويعِي ضوابط العلاقات الأسرية على انتهاك هذه القوانين الربانية التي ما سطرها الحق سبحانه إلا حماية لنا ولنسلنا؟
أكيد لا، لأن هناك حصانة ربانية منبعها روح إيمانية قادرة على كسر أية شهوة شيطانية، لكن غياب هذا الوازع يفتح الباب على مصراعيه لكل الخبائث والموبقات الشيطانية.
ولو استحضرنا بعض تعاليم ديننا حتى البسيطة لأيقنا كيف أن الله تعالى فرض لنا من القوانين ما يمكن أن يبعدنا عن مثل هذه السلوكات المشينة.
ألم يأمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بالتفريق بين الإخوة والأخوات في المضاجع فقال صلى الله عليه وسلم :”مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع”، قال الشيخ الألباني: حسن صحيح.
ألم يؤدبنا ربنا بأدب الاستئذان على الوالدين قبل الدخول عليهما وذلك في ثلاث أوقات خاصة فقال سبحانه: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(58) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(59)” (سورة النور)، أليس في هذا تدريبا منذ الصغر على حماية الصبي من أي مثيرات جنسية؟
إن الأوبة الصحيحة إلى دين الله هي صمام الأمان وطوق النجاة في ظل المثيرات الجنسية التي تحف شباب الأمة وشيبها بل وأطفالها، والحرص على بناء الأسرة بناء سليما يبتدئ بحسن الاختيار لكلا الطرفين بناء على الدين وحسن الخلق، وتربية النشء تربية إسلامية تأخذ بعين الاعتبار التربية الجنسية بشكل لا يخرج عن نطاق الأدب الإسلامي. مع الأخذ بعين الاعتبار أن مثل هذه السلوكات الشاذة لن تكون إلا وبالا على الأمة ولن تنشئ إلا جيلا مشوها خلقيا كما أكدت ذلك الدراسات العلمية حيث “حاول باحثان هما آدم ونيل (1967) أن يدرسا هذا الأمر من الناحية البيولوجية البحتة فقاما بتتبع حالة 18 طفلا كانوا ثمرة زواج محارم فوجدا أن خمسة منهم قد ماتوا، وخمسة آخرين يعانون من تخلف عقلي وواحد مصاب بانشقاق في الشفة وسقف الحلق، وهي نسبة مفزعة خاصة إذا عرفنا أن العيوب الخلقية في عامة الأسوياء حوالي 2% وأغلبها تكون عيوب غير ملحوظة.
لذلك خلص هذان الباحثان إلى أن زنا المحارم لو انتشر فإنه يمكن أن يؤدي إلى انتهاء الوجود البشرى من أساسه، وربما يكون هذا جزء من الحكمة من التحريم الديني والتجريم القانوني والوصم الاجتماعي”.