قراءة في كتاب: «تحذير المسلمين من مذهب العصريين»
طيب العزاوي
هوية بريس – الخميس 20 مارس 2014
العنوان: تحذير المسلمين من مذهب العصريين.
المؤلف: الشيخ محمد الزمزمي رحمه الله (ت 1408هـ) من علماء طنجة.
الأجزاء: رسالة لطيفة في (31) صفحة، فحواها كالتالي:
توطئة: بيَّن فيها الشيخ رحمه الله أهمية الكتابة في موضوع المذهب العصري -العلماني الحداثي-، لاسيما مع جهل كثير من الناس بحقائق الأمور واشتباهها عليهم، يقول رحمه الله: “والذي أرى أن الأصل في هذا الاشتباه هو الجهل بالحقيقة، فقد مرت علينا أيام سمعنا في خلالها: يقول العصريون كذا، ووقع للعصريين كذا، فترى الرجلَ الغمْر حينما يسمع بما حكيناه يفرح ويمرح ويذهب ويجيء، كل ذلك لاعتقاده أن العصريين أمَّةٌ بُعثت لمحاربة الكفار، فها أنت ترى الجهل بالحقيقة كيف ترك صاحبَه يفرح من لا شيء، ويعتقد مالا يصح اعتقاده، فلِما ذكرناه، تعلقت الهمَّة بوضع كتاب أوراقه قليلة وفائدته كثيرة، نكشف فيه عن حقيقة مذهب العصريين وما إلى ذلك من صفات المفسدين، خدمة للدين ونصحا لعامة المسلمين”.
ما هو مذهب العصريين: افتتح الشيخ رحمه الله هذا المبحث بقوله: “إنك إذا تأملت فيما يدعو إليه العصريون ويلهجون به في مجالسهم وعلى صفحات الجرائد وجدتَ مذهبَهم دسيسةً غربيَّةً دسَّها الغربيون بين المسلمين للحصول على أمرين:
1)- الأول: محاربةُ الدين الإسلامي وهدمُ كيانه على يد مُنتحليه.
2)- الأمر الثاني: التفريق بين المسلمين، وجعلهم شيعا وأحزابا، ولسنا في حاجة إلى إقامة دليل على هذه الدعوى، فإن ظهور النتيجة أدلُّ دليل عليها، وإن شئتَ زدناكَ دليلا علاوة وزيادة في الإيضاح”.
ثم ذكر الشيخ رحمه الله أدلة من التاريخ والواقع لا ينكرها عاقل فضلا عن منصف مطالع، ومنها أن المذهب العصري ما ظهر في قُطر من الأقطار الإسلامية إلا بعد استعمار الغربيين لذلك القُطر أو اختلاطهم بأهله.
يقول الشيخ رحمه الله في هذا الصدد: “فلولا أن المذهب العصري دسيسة غربية لما كان ظهوره كفرع للاستعمار الغربي، وتعال أنظر معي إلى حال المسلمين قبل ظهور المذهب العصري، فإنك إذا نظرت واعتبرت وجدتهم ما كانوا قبل ظهوره إلا كتلة واحدة بما فيهم من الطوائف”.
ومن الأدلة كذلك ما جاء في قوله رحمه الله: “وإنما ساغ لنا أن نقول إن المذهب العصري دسيسة غربية لأننا وجدنا دعائم دعوة العصريين أمورا ثلاثة وهي:
1)- التجديد.
2)- والحرية.
3)- والوطن.
وهذه الأمور لا إخالك ترتاب في أن أول من تغنى بها الغربيون، وهي الغاية التي عليها يتنافسون، وغير خاف على اللبيب الخبير أن هذه الأمور لا تتفق وتعاليم ديننا الحنيف، ولا أكون مبالغا إذا قلت إنها تفسده كما يفسد الخل العسل، وربما أخذك العجب والاستغراب من هذا، ولكنك عندما تطلع على شرح هذه الدعائم الثلاث وتدرسه جيدا يذهب عجبك، وتجد نفسك مضطرا إلى اعتقاد ما قلناه كما ستراه جليا فيما يأتي”.
ثم شرع الشيخ رحمه الله في شرحها مُرغِّبا القارئ في الإنصاف عند القراءة، والذي ما كان في مباحثة إلا زانها، وما خلت منه مذاكرة إلا شانها.
التجديد: بين الشيخ رحمه الله في هذا المبحث أن مدار التجديد عند العصريين على أمرين:
1)- نبذ الشعائر الدينية والعادات القومية، ويعبرون عنه بمحاربة الرَّجعية.
2)- تقليد الغربيين، ويعبرون عنه بالتقدم.
يقول الشيخ رحمه الله: “فهذا ركن من أركان المذهب العصري، لا يتمكن فيه المرء حتى ينبذ واجبات دينه ويتجرد من عادات قومه، معتنقا لعادات الغربيين ومقلدا لهم. ولهذا ترى شباب المسلمين في سائر الأقطار التي فشا فيها المذهب العصري يستهجنون ما فتحوا عليه أعينهم من العادات الدينية والقومية، ويحرصون على تقليد الغربيين واتِّباعهم في كل الحالات إن استطاعوا، معتقدين أن الغربيين هم القدوة الحسنة التي يجب على كل أمة تريد التقدم أن تقتدي بهم، ويرون مخالفتَهم عاراً وعيبا يعاب به مرتكبها، وإن سلم فلا يسلم من أن يلمزوه بالجمود والتأخر”.
ثم ذَكَّر رحمه الله بقول النبي صلى الله عليه وسلم -الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى-: “لتركبن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع وباعا بباع، حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتم، وحتى لو أن أحدهم جامع أمه لفعلتم، قيل: يا رسول الله، آليهود والنصارى؟ قال: فمن إذن”.
يقول الشيخ رحمه الله: “فأخبر عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أن أمته ستقلد النصارى حتى في الأمور التي عليهم فيها مشقة، وذلك يُفهم من قوله “حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتم”، فإنه يستفاد من هذه الجملة أن تقليدهم سيكون حتى في الأمور التي يتحملون منها مشقة كما يتحملها من يحاول دخول جحر الضب… وكذلك يفهم من قوله “وحتى لو أن أحدهم جامع أمه لفعلتم”، أن التقليد سيكون أيضاً في الأمور المستقبحة المستخبثة، وهو واقع”.
قلت: وهذا مشاهد في قنواتنا وشوارعنا ومدارسنا ونوادينا وحفلاتنا وجرائدنا ومجلاتنا… الخ، وكما قيل: توضيح الواضحات من المفضحات!! نسأل الله السلامة والعافية.
الحرية: بين الشيخ رحمه الله في هذا المبحث أن الحرية التي يلهج بها العصريون ليس فيها ما يُحمد أصلا، وهي إلى الوحشية والهمجية أقرب منها إلى الحرية في نظر العقلاء، يقول الشيخ رحمه الله -بتصرف يسير-: “ينبغي لكل مسلم أن يعلم جيدا أن الحرية التي يدعوا إليها العصريون لا تصلح لأي دين من الأديان، فضلا عن دين الإسلام، الذي يدعوا إلى أسمى غاية في الكمال والسعادة، ولا مناسبة بين الحرية في المذهب العصري وبين الحرية في الدين الإسلامي، بل بينهما تضادّ على خط مستقيم .
فالحرية في الدين الإسلامي هي احترام تعاليم الدين، والعمل بمقتضاها في كبح النفس عن شهوات الغي والعدوان… وأما الحرية في المذهب العصري فهي عدم التقيد بالتعاليم الدينية، مع إرخاء العنان للنفس تفعل ما شاءت، حتى مما فيه الهلاك والعدوان… فهي في الحقيقة وحشية يُعبِّر عنها العصريون بالحرية، وأي فرق بين وحش الفلاة وبين الحُرِّ على هذه الصفة؟!!…
وكيف يمكننا أن نفرق بين وحش الفلاة وبين الحر على الصفة التي قدمناها مع أننا نعلم أن كلاّ منهما إذا اختلى لا يزعه وازع عن ارتكاب الجرائم والاعتداء على الإنسانية ؟!!”.
ثم بين الشيخ رحمه الله أن الوازع للإنسان عن العدوان أمران:
1)- وجود القوة التي يَعلم سيطرتَها عليه وبطشَها به متى اعتدى.
2)- العقيدة الدينية التي تحمل صاحبَها على الاستقامة والتنزه عن الجرائم.
يقول الشيخ رحمه الله: “وهذا الثاني أقوى من الأول وأكثر تأثيرا، لأن القوة المسيطرة لا توجد في كل مكان، وعلى فرض وجودها فليس في استطاعتها أن تحيط علماً بكل جريمة، خصوصا ما إذا كان هناك اتفاق على الجريمة كما يقع من فسقة الشباب وغاويات الفتيات، وإذا كان الإنسان خلواً من العقيدة الدينية فلا وازع له حينئذ عن اقتراف الجرائم إذا اختلى، وبذلك يكون لا فرق بينه وبين وحش الفلاة”.
وبين الشيخ رحمه الله مساوئ ومفاسد هذه الحرية المزعومة بقوله: “وكم نشأ عن الحرية من فساد ديني وخلقي، مما يزيدك يقينا بأن المذهب العصري مكيدة من الأجانب، فمن العصريين من يطعن في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فإذا نُهي أو جادله مجادل قال أنا حرٌّ، وحرية الرأي تسمح لي أن أقول ما شئت، وما أكثر هذا الصنف بمصر وما يشابهها من البلاد”.
قلت: ماذا لو عاش الشيخ إلى وقتنا هذا في بلدنا هذا وسمع ما نسمعه الآن من مرضى النفوس وعديمي الكرامة والإنسانية أتباع كل ناعق؟!! فهذا يصف رسائل الرسول بالإرهابية!! وذاك يستهزئ بالآيات القرآنية!! وآخر يطعن في الصحابي الجليل أبي هريرة بل ويطعن في صحبته!! وآخر يرى لأمه ولأخته كامل الحرية في التصرف في جهازهما التناسلي!! وآخر ينادي بالزواج المثلي!! وآخر ينادي بالمساواة بين الذكر والأنثى في الإرث!! وآخر يجرِّم تعدد الزوجات!!… وهلم جرا.
“كبُرت كلمةً تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا“.
وقد ضرب الشيخ بعض الأمثلة من الطامات التي كانت في وقته تشبه بعض ما ذكرناه آنفا.
الوطن: ومما جاء في هذا المبحث قول الشيخ رحمه الله: “ولستُ أدري كيف يستجيزون لأنفسهم ادعاء خدمة الوطن، وهم يصرحون بوجوب هجر شعائر دين الوطن وعاداته جنوحا إلى تعاليم أعداء الوطن وعاداتهم، وهل يريد منا أعداء الوطن أن نفعل بوطننا إلا مثل هذا؟!!”.
ثم بين الشيخ رحمه الله أن العصريين قسمان:
1)- قسم يكتفي في خدمة الوطن بأمرين:
الأول: محوُ رسوم دين الوطن وعاداته مع استبدالها بتعاليم الغربيين وعاداتهم.
الثاني: طلب المساواة بينهم وبين المستعمرين، ويصرحون بأنهم لا يريدون جلاء الأجانب عن البلاد، وإنما يطلبون المساواة معهم فقط.
يقول الشيخ رحمه الله: “فهم لا يضيقون ذرعا بالأجانب غيرة على الدين أو الوطن، وإنما يضيقون بهم من حيث الاستئثار وعدم المشاركة، فلو أشركهم المستعمرون معهم فيما هم فيه لرضوا واطمأنوا كما وقع فعلا لأناس منهم”.
2)- القسم الثاني: كالأول، غير أنه يجعل بدل المساواة طلب جلاء الأجانب عن البلاد.
يقول الشيخ رحمه الله: “ومن هذا القسم كان الحزب الذي قام مع أتاتورك فأخرجوا الأجانب من الأستانة وأعلنوا عن أنفسهم أنهم دولة لا دينية”.
ويقول رحمه الله: “وإذا تأمل الإنسان وجد كل الدول الإسلامية التي دخلها المذهب العصري تسعى إلى هذه الغاية التي وصل إليها الأتراك، وها نحن نرى هذه الدول الإسلامية التي لها نوع من الحرية لا تجد فرصةً توصلها إلى رفض أمر من أمور الدين إلا وتنتهزها”.
وضرب الشيخ أمثلة بما وقع في الدولة المصرية في وقته لمَا ابتدأت تشم رائحة الحرية!! قلت: وقد سرى هذا الوباء إلى الأقطار المجاورة!!!
الخاتمة: ومما جاء فيها قولُ الشيخ رحمه الله: “من أعظم مقاصد البعثة وأهمها وأكبر الأسباب لظهور الدين؛ مخالفة الكفار وترك التشبه بهم في جميع الأمور، لا فرق بين الديني والعادي، قال الله جل ثناؤه: “وأن احكُم بينهم بما أنزل الله ولا تتَّبع أهواءَهم”. وقال سبحانه: “فلذلك فَادْعُ واستقم كما أُمرت ولا تتبع أهواءهم”. وقال تعالى: “ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يومنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون”.
ثم ذكر أحاديث يستفاد منها أنه ينبغي اجتناب ما فيه التشبه بالكفار، نحو قوله صلى الله عليه وسلم: “من تشبه بقوم فهو منهم”. وقول جابر رضي الله عنه: “اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلينا وراءه وهو قاعد، فالتفت إلينا فرآنا قياما، فأشار إلينا فقعدنا، فصلينا بصلاته قعودا، فلما سلمنا قال: “إن كدتم تفعلون فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم وهم قعود، فلا تفعلوا”-مسلم-.
وختم الشيخ رحمه الله كلامه بقوله: “والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وفيما أوردناه كفاية وموعظة وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد”.
وذكر تاريخ تأليفه للرسالة وهو: يوم السبت سابع (7) رجب سنة سبع وخمسين وثلاثمائة وألف (1357هـ).
رحم الله العلامة محمد الزمزمي وجزاه خيرا على ما قدم ونصح وبين، وغفر له ما زل فيه قلمه ولسانه.. آمين.