قصة موسى في المشهد المصري.. (على هامش حكم الإعدام)
د. عادل رفوش
هوية بريس – الخميس 27 مارس 2014
لقد هالني تشبيه ذلك الهلالي الأزهري الذي قاده طاغوت مجازه؛ إلى تشبيه سفّاحَيْن باطشين برسولين كريمين “موسى وهارون عليهما السلام!”
وغير مطول في انتقاده؛ فقد تكفل به علماء كرام في شتى البلاد..
وما إن استيقظت من تلك الشطحةِ حتى بهتني بجريمة فرحه للحكم بالإعدام على مئات من المسلمين إرهاباً وإجراماً…
فقلت في نفسي: أي الفريقين أحق بالتنزيل الاعتباري لوقائع من قصة موسى عليه السلام على حوادث المشهد المصري اليوم؟؟
شعب يظلم وحق يغتصب وطائفة غالبة من المؤمنين ينكل بها جهارا نهارا… لا لشيء؛ سوى أنهم أصحاب حق أتوه من بابه على كلمة سواء بينهم وبين مخالفيهم، وليسوا ملائكةً معصومين؛ إنما هم بشر أحسن من غيرهم حتى ولو خلطوا عملا صالحاً وآخر سيئا.. (وهذا فصل قُتِلَ بحثاً).
وتذكرت موقف الإمام ابن تيمية -الذي عرف بشدة تأصيله في مسائل الأسماء والأحكام-؛ ولكنه عند التطبيق العملي فإن الرجل كان بحق شيخ الإسلام حتى ضدَّ من نَكَّلَ به ومن كَفَّرَهُ ومن أهدر دمه؛ فقال للسلطان بعد أن استفتاه في قتل بعضهم: “إنك إن قتلت هؤلاء لا تجد بعدهم مثلهم من العلماء”. (البداية والنهاية لابن كثير 14/61).
وفي مجموع الفتاوى (3/271) -وهو يتكلم عن فتنته بابن مخلوف المالكي رحمهما الله جميعاً-:
“وأنا واللهِ من أعظم الناسِ معاونةً على إطفاءِ كل شرٍّ فيها وفي غيرها وإقامةِ كل خيرٍ؛ وابنُ مَخْلوفٍ لو عَمِلَ مهما عَمِلَ واللهِ ما أقدرُ على خيرٍ إلا وأعملُهُ معه ولا أُعينُ عليه عَدُوَّهُ قَطُّ؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ هذه نيتي وهذا عزمي؛ مَعَ علمي بجميع الأمور؛ فإني أعلم أن الشيطان ينزغُ بين المؤمنين ولن أكون عوناً للشيطانِ على إخواني المسلمين” انتهى كلامه النوراني عليه الرحمة والرضوان.
فانظر رحمك الله إلى أخلاق هذا العالم الشهم الكريم وقارن بينها وبين مواقف الهلالي وعلي جمعة ومحمد رسلان الذين يحرضون على قتل المظلومين باسم الدين ويتطلبون لهم التهم باسم محاربة الإرهاب وفكر الخوارج ..
فريقٌ من المؤمنين وجَمٌّ غفيرٌ من الصالحين له أملٌ وأي أملٍ؛ لا ترهقه السنون العجاف، ولا توهنه تهكمات المستهزئين، ولا تنكر الأقربين ولو كانتِ الصاحبةَ التي أسرَّها الوسادُ واللحافُ..
ولا الولدَ الذي كان له في الصلب مستقرٌّ وفي الحِجْرِ حنانٌ وزكاة… -و لقد وجدوا في النساء والولدان أعون نصير وأطهر ظهيرٍ- فضلا عن أن يكون غيرهما بقليل أو بكثير..
فضلا عن أن يكون ناقماً نافثاً مناوئا؛ يستدرجك “بِرَغَدِ نِعْمَةٍ”، أو يبتزك “بِوَهَمِ نِقْمَةٍ”، أو يرهبك “بصَوْلَةِ جَوْلةٍ”؛ كما ذكر الله في أجوبة الكليم موسى عليه السلام:
1- “وتلك نعمة تمنها علي..“؛ فكثيراً ما يقولون لهم: هذه مصر التي ربتكم وعلمتكم!
2- “قال فعلتها إذاً وأنا من الضالين“؛ وكثيرا ما يقال لهم: أنتم إرهابيون وظلاميون ومتخابرون!
3- “لا تخف إنك أنت الأعلى“؛ وكثيرا ما تهجم أفاعي الأقلام والإعلام بما كان وما لم يكن؛ من عثراتٍ هنا أو شبهات هناك…
ويزيد القضاء ظلماً حينما يصيرُ مُسَيَّساً؛ فتتلمس من الطغيان ما ينكره البعيد قبل القريب!
وأما شريعتنا المطهرة فقطعية في تقاضيها؛ فلا تأذن بالتهويش؛ فتنطمسُ الحججُ فيورَدُ ما يليق وما لا يليق؛ ظنا منه أنه على سواء الطريق؛ فقال: “وإني لأظنه كاذباً!”
وهذا إجحاف في المناظرة؛ وظلم في المحاورة؛ يزيد المحاور -و لو كان يدعي حب البلاد أو الديمقراطية- تضييعاً للحق المنشود ووقوعاً في الإثم المنكود.
ولذا لخص العلماء من ذلك أموراً؛ تجعل الخصومة فجوراً فتكون من آيات النفاق عياذا بالله، ونصوا -كما هو مبثوثٌ عند الشارحين-؛ بأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إذا خاصم فجر“.
ليس أن يورد كلاما بذيئا ويتعاطى القبيح من المعاني تلميحاً أو تصريحاً؛ فهذا اتفق العلماء على تجهيله وتسفيهه وتعزيره.
ولكن يُضَافُ أيضاً -وهو ما يُغْفَلُ عنه- أن يورد أحد الخصمينِ في بلاط الحكومة عند القاضي أو جمع البينات عند كاتبه؛ فيقول مثلا لمن يخاصمه في دينار وديعةً: هو لا يصلي في الجماعة أو هو لقيطٌ أو هو إرهابي أو عليه ديون..، أو نحو ذلك مما هو أجنبي عن موضوع التقاضي من مادي أو معنوي -حَقاًّ كان أو باطلاً-.
ومن تلبيس إبليس أن يخيل لقائله أن لذلك دَخَلاً في الموضوع؛ ليستبيح لنفسه التكلم به لأنه من أهل الورع!!
وأنَّ القضاء نزيهٌ؛ يريد بذلك استضعافه حتى يدفعه لأن يسامح في حقه ويسكت عن معارضيه؛ اتقاء شرِّهِ الذي لا يعدو أن يكون بذاءةً:
{لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} [آل عمران:111].
{وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)} [آل عمران:186].
كما توضحه تلك الآيات الكريمات؛ ونِكَاتُها نَفحات وكلماتها رَوَعَات؛ ربما نعرض لها في سياقِ مناظراتِ القرآن..
لقد محت “الحجة الموسوية”؛ “الشغب الفرعوني” الذي غلظت الشريعة في مثله؛ لأن فيه توسعةً لدائرةِ التظالم والتفاحش في مجتمع الأخيار، وتمهيداً لدخول سفراء الشياطين الذين يوحون زخرف القول غرورا.
وقد بدأت بوادر ذلك في عامة تيارات مصر التي اغترت بغَدْرةِ الانقلاب.
ولذلك نبه الله تعالى لصلافة فرعون التي تنزلت لمحاولة الاستعباد بالنعمة فقال: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} [الشعراء:18].
ولكن لن يكون مُقابلها: {أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء:22].
فنعمتك علينا لا تخول أن نقرك على المظالم ونسكت على المنكرات الفظيعة التي تقع على المستضعفين تقتيلاً واستحياءً..
لقد جئتك بالقول اللين رجاء تزكيتك؛ وما يهمني شأنك مع نفسك؛ ولكن {أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ} [طه:47].
نعم هذا هو المطلب: حرروا الشعوب أحسنوا إليها، أقيموا العدل بينهم وأدوا الحقوق إلى أهلها؛ فما لنا في مناصبكم مطالب ولا نحن على دنياكم نغالب؛ مع أننا نرجوا أن يتزكى الجميع والسلام على من اتبع الهدى..
دون إعدام الحجج على عتبة الفحش كما فُعل بالمظلومين في القنوات الفضائية؛ ولم يكتف بالحكم بالكذب سلفاً؛ وأنه بدأ بالظلم قبل الكلام والإعلام، ولا باستغلال النعمة ولا بابتزاز النقمة…
بل ترقى إلى محاولة إشراك كل الخلق في الاتهام السيء وأن يزيدوا فيه من فرضيات الخيال والشائعات والملابسات؛ ما يجعل موسى يتيه وسط الدعاوى كل واحدة بتخصص، وكل تخصص بمحكمة، وكل محكمة لقاضٍ في بلدةٍ غير بلدة صاحبه؛ كما هو جلي في كثرة المحاكمات الجائرة…
فيضيع موسى تفكيراً واكتئاباً وتحليلا وانتحابا وذهاباً وإياباً، ولا يبقى لقضيته الأمِّ الأهمِّ هَمٌّ؛ ويتيه في الشعَثِ كيف يُلَمّْ…
وربما يدفعهم ذلك -عياذاً بالله- إلى فتنة التحارب الأهلي المسلح الذي يسعى إليه أعداء الأمة الإسلامية حتى يخربوا بيوتهم بأيديهم…
وأنه زاد على إثمه آثاما عظاماً وغراماً، ولم يزدد به “الكليم موسى” إلا اعتصاما..
ولذلك أعرض موسى عنه بالكلية لأنه جهل لا يقابل إلا بالسلام.
وهذا باب دقيق من اللطف الإلهي بالصادقين والمكر الخفي بالعالين المسرفين…
اللهم فالطف بإخواننا المسلمين في كل مكان واعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن
واحفظ بلادنا المغرب وسائر البلاد بالأمن والسلام والحب والاطمئنان والعدل القويم..
واختم لنا بالحسنى أجمعين..