المغرب بلد الأولياء والمشرق بلد الأنبياء؟؟؟
د. محمد وراضي
هوية بريس – الأربعاء 02 أبريل 2014
لنا أن نتصور كيف أن العنوان أعلاه، موضوع طرحناه أمام تلامذتنا أو أمام طلابنا، ثم أتبعناه بهذين الأمرين الجازمين: “حللوا وناقشوا”. فما الذي عليهم فعله وأملهم قوي في الحصول على علامة هي من ضمن المرغوب في توفره من العلامات، التي تمكنهم من اجتياز إحدى المراحل الدراسية بدون ما سقوط أو رسوب أو تعثر!
وبما أننا لم نعد نمارس العملية التعليمية على أي مستوى كان، فإن الموضوع موجه بالأساس إلى الطرقيين. كانوا شيوخا أو كانوا مهيئين لتولي قيادة طوائف، قادها شيوخهم الذين لا بد أنهم راحلون. أو كانوا مريدين أو أتباعا مطواعين منقادين خاضعين! إذ أن من ضمن وظائف الأسود، الدفاع عن العرين والأشبال. أما إن هم تخلوا عن أداء هاتين الوظيفتين، فإن المخاطر تصبح محدقة بالعرين وبالأشبال في الآن ذاته! والحال أننا فتحنا منذ أعوام مجال النزال أو التباري لمواجهة الظلاميين، من مشايخ الطرق، ومن كبار المروجين لها، لكنهم على ما يبدو، عاجزون عن مواجهتنا لضعف معتمدهم من البراهين النقلية والعقلية. فكان أن أصبح أتباعهم المخدوعون أضحوكة أو مسخرة كلما حاولوا تلفيق بعض الردود على مختلف مسالكنا، للكشف عن عوار أي ضلالي وأي ظلامي كان أمام عامة القراء!
في كتابه “الإسلام بين الدعوة والدولة” (ص:412، طبعة 1392 هجرية). تساءل مرشد جماعة العدل والإحسان الراحل عبد السلام ياسين عن “الباب” أين هو؟ يقصد باب “اسم الله الأعظم”! فقال: “لا يزال المسلمون منذ القديم يتشوفون إلى موطن الأولياء، إلى المغرب، ويترقبون ظهور أهل الحق وطلوع الشمس من مغربها. ويسمي أهل الله (= المتصوفة) بلاد المغرب أرض الأولياء! كما يسمون بلاد المشرق أرض الأنبياء. وبرز من المغرب سادة أجلة مثل الشاذلي والمرسي والبدوي والرفاعي وجد الشعراني وكثير كثير”!!!
وبعد هذه التوطئة التي اختصرناها، ساق ياسين إجابة منسوبة إلى ابن عربي الحاتمي على السؤال المطروح قبله: “أين الباب” وهي هذه: “بابه بالمغرب الأقصى! قال رسول الله ص: “لا تزال طائفة من أهل المغرب ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة” وعليه تطلع الشمس من المغرب عندما يسد باب التوبة ويغلق “فلا ينفع نفسا إيمانها“… “فغلق باب التوبة رحمة بالمؤمن ووبال على الكافر” بحيث يكون ياسين الذي يوصف مرة بالمرشد! ومرة بالأستاذ! ومرة بالشيخ! قد اقتفى أثر من سبقوه في تضليل الرأي العام العربي والمسلم! ونحن بالحجج الدامغة لغاية تأييد ما ندعيه وما نعترض عليه متشبثون، كما قلنا ونكرر. لأن التشبث بها “أعز ما يطلب” حين الحوار أو المناقشة أو المجادلة والاختلاف في الرأي!
وللتعامل مع الموضوع – الإشكالية، تحليلا ومناقشة، نركن إلى الخطوات التالية:
1- المتصوفة عامة، والطرقيون منهم خاصة، ضعاف في السنة النبوية! إنهم يميلون إلى الاستشهاد بالأحاديث الضعيفة والموضوعة. وهذا ما حدا بعبد الله بن المبارك إلى القول: “إذا وجدت زاهدا في الإسناد، فاغسل يدك على ذلك الإسناد”.
2- ادعى عبد السلام ياسين (هامش ص 413) من كتابه المذكور، أن الحديث الذي قدمه -على لسان ابن عربي- وارد عند مسلم في صحيحه! وهذا منه كذب عليه ص في واضحة النهار! والصواب هو أن ما ورد في “كتاب الإمارة” عنده خمس أحاديث، لم يكن من ضمنها الذي أراده ياسين لتمرير الأكذوبة التي ورثها عن المتقدمين من أساتذته الضلاليين. فالحديث الأول يقول: “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك“. والحديث الثاني يقول: “لن يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس، حتى يأتي أمر ربهم وهم ظاهرون“. والحديث الثالث يقول: “لن يبرح هذا الدين قائما تقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة“. ويقول الحديث الرابع: “لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة“.
وهذه الأحاديث الأربعة جميعها لم تذكر المغرب! ولا أشارت إليه، لا من قريب ولا من بعيد! فصح أنها تساير السياق التاريخي والديني اللذين عرفهما العالم الإسلامي. فطوائف وعصابات وأقوام من الأمة المحمدية، لا يزالون ينافحون ضد خصوم الدين في العالم بوسائل مختلفة. دون أن يرد تحديد هويتهم أو مكان إقامتهم على لسانه ص.
يبقى الحديث الخامس الذي أورده مسلم تحت نفس العنوان “كتاب الإمارة”. وهذه صيغته: “لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة“! وهو حديث يتقاطع تمام التقاطع مع الحديث الموضوع الذي تقدم به ياسين لتأييد خرافة من يدعون أن المغرب بلد الأولياء وأن المشرق بلد الأنبياء! وقد نقول: إن المفترين من الصوفية حرفوا حديث مسلم الخامس، فوضعوا “المغرب” محل “الغرب”. ووضعوا “إلى يوم القيامة” محل “حتى تقوم الساعة”.
3- وعندما نرغب في الكشف أكثر عن زلة ياسين أو هفوته، نفتح كتاب “التشوف إلى رجال التصوف” الذي حققه صديقه وصفي وده المتخرج معه من نفس المدرسة البودشيشية الضلالية: وزير الأوقاف أحمد التوفيق! ففي ص:32 ورد ما يلي: “وخرجه الدارقطني في فوائده بسنده إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله ص: “لا تزال طائفة من أمتي قائمين على الحق في المغرب حتى تقوم الساعة“! مما يعني أن الرجلين كليهما يصران على تأكيد كون المغرب من دون المشرق، توجد فيه طائفة هي وحدها على الحق إلى يوم القيامة.
4- إن الحديث عن طائفة واحدة بالمغرب هي التي وحدها على الحق، معناه أن به وبغيره من بلدان العالم الإسلامي طوائف أخرى متعددة، هي على الضلال المبين!!!
5- وبما أننا اليوم أمام أعداد من الطرق، أو من الطوائف، فأية طريقة أو أية طائفة منها على الحق؟ الناصرية؟ أم القادرية؟ أم الكتانية؟ أم الدرقاوية؟ أم التجانية؟ أم العليوية؟ أم الوزانية؟ أم البودشيشية التي تجد دعما لا حد له من طرف الدولة التي على رأسها أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، ومن طرف الاستكبار الدولي ممثلا في الفرنسيين والأمريكيين؟
6- جاء في القرآن الكريم: “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم“. فكون هذه الجماعة أو تلك الطائفة على الحق، معناه كونها مؤمنة تقية. إذ الإيمان والتقوى شرطان ضروريان كي يصبح المسلم وليا لله عز وجل. وبما أن الشرطين متوفران في أكثر من جماعة إسلامية عبر بلدان العالم برمته، صح أن هناك باستمرار جماعات قائمة على الحق. ومتى تم حصرها في بلد بعينه، فقدت الآية مدلولها بتجاوز مراد الله عز وجل منها.
7- قال ص: “ليس منا من دعا إلى عصبية! وليس منا من قاتل على عصبية! وليس منا من مات على عصبية“!
والادعاء بأن الطائفة التي هي على الحق إلى يوم القيامة، توجد بالمغرب الأقصى، عصبية صارخة من جهة! وافتراء على الله وعلى الرسول من جهة ثانية! وجري ملحوظ وراء جلب المجد والسؤدد للمغرب من جهة ثالثة!
8- ونكتة أخرى أطلت علينا مساء ذلك اليوم الذي ألقى فيه وزير الأوقاف أحمد التوفيق أول درس رمضاني له أمام ملك البلاد، ووزرائه، وضيوفه الأجانب على الخصوص. فقد تحدث عن تلك الطائفة المغربية الوحيدة التي معها الحق كل الحق إلى يوم الدين! إنما دون أن يهتدي -لحظه العاثر- إلى تحديد هويتها! فالطوائف عنده متعددة، ومع ذلك فهمنا من درسه أنها هي “البودشيشية” في الوقت الراهن! مما يعني أن بقية الطوائف داخل المغرب وخارجه على الباطل! ومع ذلك تتعامل الدولة معها جميعها لأنها في نظر رجالها من صميم طريقة الجنيد الذي هو إمام جل الطرق المغربية الموجودة حتى الآن!!!
9- قال الإمام الزاهد: أبو بكر محمد بن الوليد الفهري الطرطوشي المالكي المذهب، نزيل الإسكندرية في رسالته المشهورة التي بعث بها إلى السلطان بمراكش -بعد أن ذكر الحديث الذي ادعى ياسين وجوده في صحيح مسلم، والذي هو في حقيقة أمره منحول عليه ص- قال -وهو يخاطب السلطان-: “والله أعلم، هل أرادكم بذلك رسول الله (يقصد أهل المغرب الأقصى بالتحديد) أو أراد أهل المغرب (يقصد المغاربيين بما فيهم الأندلسيون) لما هم عليه من التمسك بالسنة والجماعة، وطهارتهم من البدع والإحداث في الدين”؟؟؟
فإن توفي الطرطوشي سنة 550 هجرية/1126 ميلادية. فإننا ندرك بأنه عاش في العهد المرابطي. وأن السلطان الذي كتب إليه تلك الرسالة المشهورة، هو علي بن يوسف بن تاشفين المتوفى في نفس السنة التي توفي فيها.
ويبدو ان الطرطوشي خامره الشك بخصوص التوجه بحديث “أهل المغرب” من العام (= المغرب الإسلامي) إلى الخاص (= المغرب الأقصى). وهذا واضح من قوله: “والله أعلم هل أرادكم بذلك رسول الله أو أراد أهل المغرب” عامة.
10- من النكت التي تفضح ميل الطرقيين إلى الكذب على الرسول ص، وميلهم إلى الإصرار على كونه خص المغاربة بحديث يرفع من شأنهم الديني فوق الشأن الديني للمشارقة، محاولة تفسير “الغرب” في حديث مسلم المتقدم بالمغرب! لكن المحدث النابغة علي بن المديني الذي قال الإمام البخاري في حقه “ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي ابن المديني”. فضح المحرفين للحديث الذي ورد فيه الغرب عند مسلم حيث قال يشرحه: “المراد بأهل الغرب: العرب. والمراد بالغرب: الدلو الكبير لاختصاصهم بها غالبا. وقال آخرون: المراد به: الغرب من الأرض. وقال معاذ: هم بالشام. وجاء في حديث آخر: هم ببيت المقدس! هم أهل الشام وما وراء ذلك. قال القاضي: المراد بأهل الغرب: أهل الشدة والجلد وغرب كل شيء حده”!!! (يعني الملتزمين بالكتاب والسنة دون ما ملل ودون ما كلل)!
فالغرب في الحديث النبوي الوارد عند مسلم إذن، ليس هو المغرب الأقصى، ولا المغرب المقابل للمشرق بإطلاق، وفي القرآن الكريم ما يدحض كل ادعاء بأن المغرب ممكن تحديده في منطقة ما دون غيرها من مناطق المعمور. فالله تعالى حين يقول: “ربّ المشرق والمغرب“، و”ربّ المشرقين وربّ المغربين“، و”ربّ المشارق والمغارب“، فلكون تحديد مواقع جهات من الكرة الأرضية التي تدور حول نفسها وحول الشمس تحديدا تضبطه الجغرافية، وعلم الفزياء، وعلم الفلك. فصح أن مسمى المغرب ذاته (نقصد بلدنا) يعرف عدة مشارق في كل صباح! وعدة مغارب في كل مساء! وإلا ما كان للمذيع أن يردد على مسامعنا في رمضان وفي غيره “أذن المؤذن لصلاة المغرب حسب توقيت الرباط وسلا وما جاورهما”! لكن مؤذنا غيره، أذن لنفس الصلاة في جهات أخرى قبل الرباط! وقد يؤذن مؤذنون آخرون لها بعد أن يكون مؤذن الرباط قد انتهى من إعلام الناس بوقت صلاة المغرب! مما يعني أننا أمام مغارب وأمام مشارق في كل لحظة وحين! بحيث يكون ما ورد في الذكر الحكيم هو الأصح. وأن ما أراد المتصوفة تسويقه لأكل أموال الناس بالباطل، ليس سوى مجرد ضلال في ضلال!
11- وبما أن المغرب بلد الأولياء اعتسافا وافتراء على الله ورسوله والمؤمنين، مقابل المشرق الذي هو بلد الأنبياء. فقد كان من باب الإنصاف في التبادل الفكري والثقافي لتحقيق التوازن بين جهتين من المعمور متقابلتين، أن نصدر الأولياء إلى المشرق لافتقاره إليهم، ولو أن آلافا مؤلفة من أصحاب مختلف الأنبياء قد دفنوا به وعبدوا الله على أرضه! فكان أن أنجزنا نحن وعدنا، بينما تخلف المشرق عن إنجاز وعده. لكن مما يؤسف له، أن البضاعة التي وجهناها إلى مصر بالذات، بضاعة فاسدة مغشوشة. فأبو الحسن الشاذلي ظلامي بامتياز، وكيف لا يكون كذلك، وشيخه عبد السلام بن مشيش قد أمده بمسمى التوحيد الخالص! أو ليس هو الذي قال -مقتفيا أثر أبي حامد الغزالي الذي كفره عياض في كتاب “الشفا بتعريف حقوق المصطفى”- أو ليس هو الذي قال في “الصلاة المشيشية” المنسوبة إليه وهو يدعو ربه: “واقذفني على الباطل فأدمغه! وزج بي في بحار الأحدية (= حالة الله قبل الخلق!)! وانشلني من أوحال التوحيد! وأغرقني في بحر الوحدة”!!! يعني وحدة الوجود الذي هو التوحيد الخالص لدى عامة الطرقيين! أما التوحيد الذي يردده عامة المسلمين. نقصد “لا إله إلا الله وحده لا شريك له” فهو عنده وعند الغزالي قبله عبارة عن أوحال، لا بد من تجاوزها بالرياضة الصوفية بناء على العزلة والسهر والصمت والجوع، لتتحقق الوحدة بين الله والعابد الذي تتحقق من خلاله بين الله والعالم!
إن ظلاميات الشاذلي، وتلميذه أبي العباس المرسي الذي يقسم به المصريون حتى الآن، وتلميذ تلميذه ابن عطاء الله السكندري، وتلميذ هذا الأخير، صاحب “البردة”، كلها أدوات سيئة لهدم التوحيد الخالص من أساسه! ولتقديم تصورات عن الدين لم تخطر ببال سيد المرسلين! فهل نتحدث عن كذب الشاذلي كندما زعم أن الرسول ص أملى عليه “مسمى حزب البحر”؟ أم نتحدث عن صنيعته المرسي الذي ادعى بأن صفات الولي هي ذاتها صفات الله عز وجل؟ ثم ادعى أن الناس لو عرفوا حقيقة الولي لعبدوه؟ أم نتحدث عن الظلام الذي تحويه بردة البوصيري؟ وفي مقدمته القسم بالقمر وبالرسول ص؟ مع أن الحديث النبوي يقول: القسم بغير الله شرك؟ أم نتحدث عن زعمه بأن الدنيا لم تخلق إلا بفضل محمد ص؟ إذ لولاه كما قال: ما خرجت الدنيا من العدم؟ أم نتحدث عن زعمه بأن محمدا ص: “سيد الكونين والثقلين”؟ وأن من جوده الدنيا وضرتها (= الآخرة). وأن من علومه “علوم اللوح والقلم”! فيكون النبي هكذا على لسان المعتوهين من دعاة علم الحقائق، نبيا آخر غير النبي الذي وضعه القرآن في حدوده البشرية. إلى حد أنه أنكر الله عليه أن يكون على علم بالغيب! والكلام في الموضوع طويل وطويل!!!
الموقع الإلكتروني: www.islamtinking.blog.com
العنوان الإلكتروني: [email protected]