عفوا بلمختار.. المال المال وما سواه محال
ذ. يونس الناصري
هوية بريس – الثلاثاء 08 أبريل 2014
خرج وزيرنا شفاه الله وعافاه أخيرا، بعد أن صمت دهرا، وتهرب زمانا، وتلكأ حينا طويلا عن فتح نقاش جاد صريح حول وضعية التعليم المزرية، التي تبكي لها البواكي، ويفرح لها الأعادي، حوار نفعي واقعي يخدم المنظومة كلها، لا زبونية فيه ولا تحيزات لطرف على آخر.
حوار يراعي المستجدات العصرية غير الخافية، والطموحات الشعبية المتزايدة، ويتفهم شدة اللحظة الراهنة، وخطورة مجرياتها التي لا تستقر على حال.
خرج بعد أن فكر وقدر ليقضي على آخر ما تبقى من قلعة الثقافة الإسلامية، لغتنا العربية البهية الزكية، لغة آخر الكتب المنزلة، بإمضائه على ما يسمى الباكالوريا الدولية الفرنسية، وقبله برنامج مسار الذي لا طائل تحته إلا تبذير المال.
خرج بعد خرجاته الفتانة، التي لم تزد الأمور إلا تعقيدا، والأوضاع إلا تأزما؛ بإيقاف أجر مئات الأساتذة المطالبين بحقهم في الترقية بالشهادة كمن سبقهم من أفواج، وقمع آلاف آخرين على يد الأمن، واعتقال بعضهم ومتابعتهم قضائيا، كأنهم يقطعون سبيل المارة ويسرقون ممتلكاتهم.
بعد كل هذا -وفي الجعبة كلام كثير- خرج سيدنا الوزير ليلقي اللوم والعتاب والمسئولية على أسرة التعليم المضطهدة، زاعما أنهم أصل فساد المنظومة، ولب التخلف المحدق بها، وأساس ما تعيشه من تضعضع وتمزق وبوار.
وأكد على أن وظيفة رجل التعليم ليست ككل الوظائف؛ إذ هي رسالة وأمانة قبل أن تكون منصبا ماليا، وإذا لم يكن هذا الهم -الرسالة والأمانة- حاضرا في نفوس الأساتذة، فمستقبل أولادنا وبلادنا في خطر!!
إنه لا يجادل أستاذ منصف عاقل في أن التعليم رسالة وأمانة، سواء أقال ذلك المسؤولون أم لم يقولوه، ولا يجادل إنسان على وجه البسيطة في أن المال زينة الحياة الدنيا كما قال رب العزة في كتابه الكريم، فلذلك يقتتل الناس على المناصب العليا، ويشح الأثرياء على الفقراء، ويتسلط أصحابه على غيرهم، ولولا حب المال لما دارت عجلة المجتمع خطوة واحدة، لذلك قال القدماء: المال المال وما سواه محال.
ولا يجادل بشر سوي في أن توزيع الثروات بالعدل على أبناء الشعب من ضروريات تقدم الأمم، ومسلمات العيش الهنيء، أما أن يزاد لموظف 5000 آلاف درهم، ويقتطع لآلاف آخرين من حاملي الرسالة والأمانة والشواهد العليا من أجورهم الهزيلة، التي طالما حلموا بتطعيمها وترقيعها، فلا يقبل ذلك عاقل، فضلا عن مسلم ينتمي للعدالة والتنمية !!
فأين العدالة -يا حزب العدالة والتنمية- في ما يجري على أرض الناس من تمييز وإرضاء لموظف على آخر؟؟؟
الغرب يقدم رجل التعليم ماديا ومعنويا على غيره، من غير إهمال لباقي موظفي الدولة، فيهتم بمصدر كل الوظائف، ألا وهو المعلم، ليضمن صلاح باقي أفراد الشعب، في جميع التخصصات، واليابان أشد عجبا لمن رأى حال معلميها؛ حيث تقديس الشعب لهم.
فحق للمعلم هناك أن يرفع رأسه عاليا بين تلاميذه مطمئنا فرحا، يعلمهم بصدق وإخلاص ما علم هو أيضا بصدق و إخلاص؛ إذ أكرمته دولته فأكرمه أبناء شعبه، فلابد أن يكرمهم ويتفانى في خدمتهم.
والناظر في واقع تعليمنا الهزيل، خصوصا في العالم القروي، يحس بضيم المعلمين في فقدانهم أدنى شروط التلقين، لا مسكن للكثيرين، ولا تعويض على التنقلات، ولا رحيم وقت المرض، ولا من يقول لهم كلمة طيبة، تدفئ جوانحهم، وتبرئ سقم قلوبهم.
وها هو وزير التربية الوطنية يكرم بسخاء أساتذته، بكلمات شجية ندية، تحفزهم على النهوض بالرسالة والأمانة العظيمتين، قائلا لهم: شكرا لكم، أنتم سبب ما يعيشه التعليم من تخلف وتراجع!!!