حقيقة شخصية المهدي بن تومرت مؤسس الدولة الموحدية
هوية بريس – مركز التأصيل
الخميس 10 أبريل 2014
تعد شخصية المهدي من أكثر الشخصيات إثارة للجدل والخلاف في الأوساط العقدية عند غالب الفرق والملل والجماعات، فالمهدي بحسب ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل “يبعث في آخر الزمان خليفة يكون حكما وعدلا، يلي أمر هذه الأمة من آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، من سلالة فاطمة رضي الله عنها، يوافق اسمه اسم النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم، واسم أبيه اسم أبي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وصفته الأحاديث بأنه أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض عدلا، بعد أن ملئت جورا وظلما”(1).
و”يملك المهدي سبع سنين يسقيه الله الغيث، وتُخرج الأرض نباتها، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة، وتنعم في عهده نعمة لم تَنْعَمْها قط، يعطى المال صحيحا، ويحثيه حثيًا، لا يعده عدا، ينزل عيسى ابن مريم فيصلي وراءه؛ مما يستلزم أن يكون المهدي معاصرا خروج الدجال؛ لأن عيسى عليه السلام يقتله بعد نزوله من السماء”(2).
فهذه هي صورة المهدي فيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحاديث، لكن بسبب الفساد العقدي لدى البعض بدلت هذه الحقائق، فادعى البعض المهدية وذهب بين الناس ليطلب البيعة مدعيا لنفسه العصمة والاصطفاء، كما ذهب فريق آخر إلى اختراع مهديا لهم أو إلصاق هذا الوصف بأحد الصالحين.
فادعى الشيعة أن لهم مهديا منتظرا مختفيا في سرداب “سُرَّ من رأى” منذ سنة (265هـ)، وهم إلى الآن في حالة انتظار وترقب لمجيئه لينتقم لهم من أعدائهم..
وادعى ميرزا غلام أحمد القادياني النبوة، ثم ادعى أنه هو عيسى بن مريم المبشر بنزوله في آخر الزمان، ثم ادعى أنه المهدي.
وكان للقرامطة الباطنيين مهديا وهو الملحد عبيد الله بن ميمون القداح وكان جده يهودياً من بيت مجوسي..
ومن دعاة المهدية محمد بن تومرت، فمن هو ابن تومرت وكيف خرجت دعوته إلى الناس؟ وما فحوى تلك الدعوة؟ وما انحرافاتها؟
من هو ابن تومرت؟
قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء: “الخارج بالمغرب المدعي أنه علوي حسني وأنه الإمام المعصوم المهدي وأنه محمد ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن هود بن خالد بن تمام بن عدنان بن صفوان بن جابر بن يحيى بن رباح بن يسار بن العباس بن محمد بن الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب.
رحل من السوس الأقصى شابا إلى المشرق فحج وتفقه وحصل أطرافا من العلم وكان أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر قوي النفس زعرا شجاعا مهيبا قوالا بالحق عمالا على الملك غاويا في الرياسة والظهور ذا هيبة ووقار وجلالة ومعاملة وتأله انتفع به خلق واهتدوا في الجملة وملكوا المدائن وقهروا الملوك.
أخذ عن إلكيا الهراسي وأبي حامد الغزالي وأبي بكر الطرطوشي وجاور سنة، وكان لهجا بعلم الكلام خائضا في مزال الأقدام ألف عقيدة لقبها بالمرشدة فيها توحيد وخير بانحراف فحمل عليها أتباعه وسماهم الموحدين ونبز من خالف المرشدة بالتجسيم وأباح دمه نعوذ بالله من الغي والهوى.
وكان خشن العيش فقيرا قانعا باليسير مقتصرا على زي الفقر لا لذة له في مأكل ولا منكح ولا مال ولا في شيء غير رياسة الأمر حتى لقي الله تعالى، لكنه دخل والله في الدماء لنيل الرياسة المردية.
وكان ذا عصا وركوة ودفاس غرامه في إزالة المنكر والصدع بالحق وكان يتبسم إلى من لقيه، وله فصاحة في العربية والبربرية وكان يؤذى ويضرب ويصبر أوذي بمكة فراح إلى مصر وبالغ في الإنكار فطردوه وآذوه وكان إذا خاف من البطش به خلط وتباله”(3).
من خلال كلام الذهبي السابق يتبين الآتي:
– ادعى ابن تومرت أنه علوي النسب، وهو ما لم يثبت تاريخيا بحسب جمع من الباحثين، حتى أن الذهبي استخدم عبارة (المدعي أنه علوي) الدالة على التشكيك في دعوى ابن تومرت.
– ادعى ابن تومرت أنه المهدي المنتظر بناء على دعوى النسب إلى أهل البيت، وهي دعوى شديدة البطلان ثبت كذبها عقلا ونقلا.
– كان ابن تومرت محبا للرئاسة والملك، ولأجل هذا ارتكب الكثير من المجازر وسفك دماء المسلمين، قال الذهبي: “دخل والله في الدماء لنيل الرياسة المردية”.
– كان ابن تومرت دائم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولأحد الباحثين رأي في هذا الأمر يقول: “يبدو أن ابن تومرت كان يهدف من وراء إظهاره للأمر والنهي عن المنكر إلى تحقيق غرضين: الأول منهما هو لفت أنظار الناس إليه في البلاد التي مر بها حتى يعد من المصلحين، أما الثاني فهو تكوين بعض الخلايا السرية في تلك البلاد من الأفراد الذين يعجبون بمنهجه، وذلك ليكونوا دعاة إلى أفكاره ومبادئه، وقد نجح في ذلكم”(4).
– كان ابن تومرت نفعيا إلى أبعد حدّ ومن الأدلة على ذلك قول الذهبي: “كان إذا خاف من البطش به خلط وتباله”.
– كان مبتدعا، سفاحا، مستحلا لدم المسلمين المخالفين له، يقول الذهبي: “كان لهجا بعلم الكلام خائضا في مزال الأقدام ألف عقيدة لقبها بالمرشدة فيها توحيد وخير بانحراف فحمل عليها أتباعه وسماهم الموحدين ونبز من خالف المرشدة بالتجسيم وأباح دمه نعوذ بالله من الغي والهوى”.
ونستطيع أن نجمل أهم المآخذ على ابن تومرت ودعوته في الآتي(5):
– ادعاؤه المهدية: مع أنه أبعد الناس عن صفة المهدي، فلم يثبت انتسابه إلى أهل البيت، ولم تنعم الأمة في عهده بالأمن والرخاء، بل شقيت بسفك الدماء وترويع المسلمين، ولم ينزل المسيح عليه السلام، كما أن المهدي الحقيقي يقيم خلافة على منهاج النبوة أما ابن تومرت فقد انحرفت عقيدته عن منهاج النبوة.
– ادعاؤه العصمة لنفسه: وهذا افتراء على الله تعالى، وعلى دينه، وشذوذ عن سبيل المؤمنين، وموافقة للرافضة، وأين العصمة المدعاة وقد أراق دماء الآلاف من المسلمين، وقتل من يشك في عصمته، ومن قال أن المهدي الحقيقي يدعي العصمة لنفسه؟
– تبنيه الغاية المكيافيلية “الغاية تسوغ الوسيلة”: ففي سبيل التمكين لدعوته وإقناع الناس بها استحل الغدر والكذب، والدجل والخداع، مع أن صاحب دعوة الحق يتنزه عن هذه الأساليب الدنيئة في التمكين له.
– أنه أول من أدخل التأويل الكلامي على أهل المغرب الإسلامي: بل الشمال الإفريقي وفرضه عليهم بالقوة، بعد أن كانوا في عافية من شره، باتباعهم منهج السلف الصالح، أهل السنة والجماعة، كما تبنى خليطا من أفكار الأشاعرة، والمعتزلة، والخوارج، والرافضة.
– تسببه في القضاء على دولة المرابطين السنية السلفية، وكانت بداية هذه الجناية مبالغته في الإنكار على ابن تاشفين الذي اتقى الله فيه، وتورع عن قتله، فاستغل ابن تومرت تسامحه معه، وتوصل به إلى شق عصا الطاعة، وتمزيق دولة المرابطين.
– لقد أسهمت حركة ابن تومرت على المدى البعيد في ضياع الأندلس، وسقوطها بيد النصارى.
ــــــــــــ
الهوامش:
(1) أنظر “اليوم الآخر-القيامة الصغرى” للدكتور عمر سليمان الأشقر: (ص:206).
(2) “المهدي” للدكتور محمد إٍسماعيل المقدم: (ص:28)- الدار العالمية-الإسكندرية- ط8- د.ت.
(3) “سير أعلام النبلاء” للذهبي: (19/539-542).
(4) “الإتجاه الفكري” لدعوة ابن تومرت (دراسة تاريخية)- د. حمد بن صالح السحيباني.
(5) نقلا عن كتاب: “المهدي” للدكتور محمد إسماعيل المقدم: (ص:420)، بتصرف يسير.