غلمان بني علمان
الياس الهاني
هوية بريس – السبت 12 أبريل 2014
لا أحد ينكر أن العلمانية صناعة غربية، احتضنتها أوربا لأسباب سياسية ودينية واجتماعية أسهمت بشكل بارز في ظهورها وتشكيلها، يمكن إجمالها في:
– طغيان رجال الكنيسة دينيا وسياسيا وماليا.
– الصراع بين الكنيسة والعلم؛ حيث وقف رجال الكنيسة ورهبانهم ضد أي جديد أتى من غيرهم، واعتبروا أنفسهم المصدر الوحيد للمعرفة.
– طبيعة الدين المسيحي؛ ويتجلى ذلك في إمكانية الفصل بين الدين المسيحي والدولة.
– الحروب الدينية التي ساهمت بشكل مباشر في التخلص من هذه الوصاية لرجال الدين على الناس بفعل الدمار والاضطرابات التي خلفته تلك الحروب.
وأشمل تعريف لها هو أنها “رؤية عقلانية مادية شاملة للإنسان والكون وفلسفة عامة للحياة، تؤمن بقدرة العقل البشري المطلقة على فهم الطبيعة والسيطرة عليها، وتقوم على فصل كل الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية عن القيم الدينية والأخلاقية، وإنكار كل ما وراء المادة وتنحية الغيب والميتافيزيقا ونزع القداسة عن المقدس“[1]، وليست فصل الدين عن الدولة كما يوهم البعض تمويها وتدليسا، ويؤكد العلماني المصري شريف حتاتة ذلك فيقول: “العلمانية دعوة شاملة وليست قاصرة عن فصل الدين عن الدولة”[2]، واعتبر عادل ضاهر: “أنها موقف شامل ومتماسك من طبيعة الدين وطبيعة العقل وطبيعة القيم وطبيعة السياسة”[3]، وقال أيضا: “تعني بالضرورة رفض مبدأ العودة إلى الدين بوصفه المرجع الأخير والسلطة الأخيرة في كل الشؤون”[4]، وقالت ماجدة رفاعة الطهطاوي:” فالعلمانية لا تنحصر في الفصل بين الدين والدولة، وإنما هي قطيعة معرفية مع الماضي أي الانتقال من هيمنة الفكر الميتافيزيقي (المطلق) التي اتسمت به العصور الوسطى إلى الأزمنة الحديثة التي اهتمت بالحقائق النسبية والجزئية وأعطت الأولوية للعقل وحرية التفكير”[5].
فهؤلاء العلمانيون ينزلون الوضعية التي كانت عليها أوربا وطبيعة الدين المسيحي الذي صبغ العقل بالخرافات، والدعوة إلى الركون والخضوع، وعدم إعمال العقل في الإبداع الهادف، والابتكار الجميل والتقدم الحضاري، فظنوا أن الإسلام نسخة أخرى من النسخ التي تقف ضد ما ذكرت، و لو أن هؤلاء قاموا ولو بالاطلاع اليسير عن حضارة الإسلام وما قاموا به وقدموه للإنسانية جمعاء لانقشعت الشبه التي تغذوها من المستشرقين والمنصرين وأعداء الإسلام ليصبحوا معول هدم لكل ما يمت صلة بالإسلام (عقيدة، وتشريعا، وأحكاما، وتاريخا، وسلوكا)، ليظهر بعد ذلك في المجتمعات الإسلامية ثلة من الغلمان -بعد أن تنكروا لدينهم وهويتهم وتاريخهم وثقافتهم- راحوا يرددون ويكررون ما صدر من أسيادهم في الغرب، فحق فيهم قول القائل أنهم مجرد فقاعات لا تعدو أن تكون غلمان لبني علمان يستهزئون ويطلقون الشبهات بما يملكونه من وسائل إعلامية ومؤسسات ومراكز وهيئات مختلفة؛ يجتهدون من خلالها في عرض برامجهم وموادهم،-وهي حقيقة سموم- لضرب هوية المجتمع وقيمه وأصالته وثقافته، والغرض من ذلك واضح علمنة المجتمع وتغريبه.
يقول شاكر النابلسي: “ورغم أن هناك نصا في الدساتير يقول بان الشريعة الإسلامية هي مصدر القوانين إلا أن هذه الشريعة كثيرا ما تفشل في حل المشاكل المستجدة” (الأحداث، ع:2265)، ويقول عبد القادر النبة: “لا القرآن ولا الحديث يقدمان مفتاحا سحريا لحل مشاكل البلاد، ولو كان الأمر كذلك لكنا خير أمة أخرجت للناس منذ زمن، وفي هذا الإطار أتحدى أيا كان أن يأتيني بأية أو حديث يعطي حلولا للفقر والبطالة” (الأحداث، ع:2642)، ويقول ملوف أبو رغيف: “لكن الحياة في هذا الدين هي مثل الحياة في داخل السجن، وإن كان السجين في زنزانته قد عوقب لارتكاب جريمة ما، فإن جريمة المرأة المسلمة هي أنها ولدت في مجتمع إسلامي” (الأحداث، ع:2633)، وقال حميد باجو: “فالمطلوب هنا هو إعادة التأسيس الكلي لمجمل ثوابت الثقافة الإسلامية، بما فيها التصورات حول الله!! والروح!! والعالم الآخر!! والخلق!! والإنسان!! أو كل ما يعتبر لحد الآن انه من علم الغيب لا يحق للإنسان أن يسال فيه!!” الأحداث ع1942،فهذا أسلوب غلمان بني علمان الاستهزاء بالمقدسات وإثارة الشبهات غير مبالين لأكثرية المسلمين في المجتمع المغربي ولا لمرجعيته وأعرافه، متخذين من المرجعية الكونية دينا وهوية وأصلا ومنطلقا لا يحيدون عنه قيد أنملة، ولذلك تراهم يستخدمون أساليبهم الملتوية لتخريب المجتمع وهي:
– وسائل الإعلام المختلفة كما أسلفنا الذكر.
– التغلغل في الجانب التعليمي ومحاولة إفساده.
– إجراء الدراسات والأبحاث التي تملا بالتوصيات والمقترحات والحلول لطرح أفكارهم على أرض الواقع.
– عقد المؤتمرات والندوات التي تعالج مختلف الأحكام والتشريعات لإصدار أفكار ومقترحات علمانية غربية لا صلة لها بمرجعية المغاربة.
-تغريب المرأة المسلمة وابتعاثها للخارج، وهذا ما حصل للكثير من النساء اللاتي استوردن أفكارا وتصورات ينشرونهن بين النساء.
– التعسف في استخدام المناصب، وذلك بإصدار القوانين والقرارات التي تخالف الشريعة الإسلامية.
– العمل والتوظيف غير المنضبط بالاختلاط، ومحاربة الحجاب في أماكن العمل.
– الدعوة إلى إتباع الموضة والأزياء وإغراق الأسواق والمحلات التجارية بالألبسة الفاضحة وهي مسالة خطيرة.
– إنشاء التنظيمات والجمعيات والاتحادات التي تعمل على تغريب المجتمع وعلمنته.
– التظاهر بالدفاع عن حقوق الإنسان، وإثارة قضايا تحرر المرأة.
– الهجوم على الحجاب والعفة والفضيلة، وتمجيد الرذيلة تحت أسماء براقة كاذبة.
فهذه أساليب بني علمان يودون لو أن المجتمع كله انساق وراءهم وتنكر لهويته وإسلامه.
وقد يعترض البعض بهذا التيار ويقول أن في هذا الكلام مزايدة ومبالغة ولا يصل الأمر إلى كل هذا!!
والجواب أسوقه من خبير بهذا التيار سبر أغواره وفضح عواره، وهو الباحث السلاوي مصطفى باحو في كتابه القيم: “العلمانيون العرب وموقفهم من الإسلام“، إذا يقول رادا على مثل هذه الأقوال: “إذا كان يمكن للمسيحي المحافظة على دينه في ظل العلمانية ؛لان المسيحية مجموعة وصايا وآداب تمارس داخل الكنيسة، فإن الإسلام بتشريعاته المتعددة والمتداخلة والشاملة لكافة مناحي الحياة يستحيل تطبيقه في ظل نظام علماني.
فالعلمانية تؤطر المجتمع وتوجهه بطريقة لا تمكن المسلم من ممارسة دينه في جو مطمئن. فلا يستطيع المسلم أكل الحلال وفق مفهوم الشريعة لأن الشريعة؛ كما ترى العلمانية لا دخل لها في التحليل والتحريم، فذبح الحيوان هو طقوس دينية لا تلزم العلمانية، وتحريم الخنزير والميسر والربا فروض دينية لا ترى فيها العلمانية إلا كوابح دينية يجب تجاوزها وإلغاؤها، وبالتالي فلن يجد المسلم أين يضع ماله، ولا حلالا يأكله.
وتبيح العلمانية للمرأة كشف مفاتنها وعورتها، وتبيح لها ممارسة الفاحشة برغبتها، فيتعرض المسلم للتحريش والإغواء والفتنة. ولا يسمح في ظل النظام العلماني للمسلم منع ابنته من الاختلاط والتبرج، بل والعري التام، واتخاذ صديق لها تدخله معها منزل والدها المسلم، والويل للأب المسلم المسكين إن اعترض، فقوانين العلمانية صارمة في ردعه وتركه عبرة لأمثاله.
وللابن في ظل العلمانية اتخاذ الخليلات، ومشاهدة أفلام الإباحة في منزل والده، الذي هو ملزم بالنفقة عليه. وليس أمام المسلم إلا طاعة المبادئ العلمانية والانصياع لها ؛فكيف يقال: أن حرية التدين مكفولة في ظل العلمانية؟!
وأما الإعلام فسواء عرض أفلام الجنس أم عروضا نسائية عارية تماما فلا يحق للمسلم أن يعترض أو ينكر، وللإعلام الدفاع عن الدعارة باعتبارها نشاطا اقتصاديا مربحا، أو عرض أصناف الخمور والتحريض على شربها، أو بيان أصناف طهي الخنزير، وما على المسلم إلا الإذعان والاستسلام، وكل ما يمكنه فعله أن يردد: لا حول ولا قوة إلا بالله، إن تركت له العلمانية إيمانا يستطيع به فعل ذلك.
وأما الحديث عن تغيير المنكر فاحد المستحيلات العشر في دين العلمانية.
هذا فضلا عن أن هناك أركانا وواجبات دينية شرعية لا يمكن القيام بها إلا في ظل دولة إسلامية تحمي هذه الواجبات، وإلا يستحيل القيام بهذه الشعائر دون وجود السلطة السياسية التي تحميها، بل وتقوم بها. كالزكاة، والجهاد، والشورى، والعدل الاجتماعي، وإقامة الحدود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحريم الخمر، وتحريم الخنزير، ومنع التبرج، وغيرها.
وهل السياسة العلمانية التي تحلل الحرام الشرعي مثل الزنا والخمر والربا والعري والتفسخ والأفلام الإباحية والشذوذ، وتدافع عنها وتنشرها بشتى الوسائل، وتحرض عليها إعلاميا واشهاريا، وتذود عنها امنيا، وتحميها عسكريا وقانونيا تعتبر محايدة ضد الدين ولا تسعى لتهميشه”.
فهذا جواب الشبهة وحقيقة ما يصبوا إليه بني علمان بمختلف أصنافهم من حداثيين وليبراليين ويساريين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]- “العلمانية المفهوم والمظاهر والأسباب” لمصطفى باحو (ص:52).
[2]- “العلمانية مفاهيم ملتبسة” (ص:111).
[3]- “الأسس الفلسفية للعلمانية” (ص:6).
[4]- “الأسس الفلسفية للعلمانية” (ص:54).
[5]- “العلمانية مفاهيم ملتبسة” (ص:326-327).