الليل والقمر والحب
بوجمعة حدوش
هوية بريس – الأحد 20 أبريل 2014
الليل عجيب أمره، ساكت هادئ، لكنه يُخفي في ظلمته أمورا غربية، وأحداثا عجيبة.
الليل يستر على كل من يُفضي إليه بسره، وعلى كل من يُناجيه، لا يفضح سرا ولا يهتك سترا، لذلك وجد العشاق والمحبون في الليل ملاذا آمنا للتحدث مع محبوبهم ومعشوقهم، حتى عُرِف الليل بالسَّاتر على العشاق والمحبين. فإذا ذُكر الليل ذُكر العاشق الولهان، والمحب الخاضع لمحبوبه.
والمحب والعاشق يختلف عشقه وحبه باختلاف درجة وأهمية من يعشق ويحب، فليس المحبوب واحد.
فآه كم ستر هذا الليل على ذلك العاشق عندما تركه يتذكر محبوبته وحده مع القمر، ويصفها بصفات الجمال والكمال، وهو يعتقد أن هذه المحبوبة لا مثيل لها، فتارة يشبه جمالها بذلك القمر، وتارة يشبهها بالليل في سترها لحبهما، فهو يكتب عنها ما لم يكتب قيس عن ليلى، ويقول فيها ما لم يقل عنترة في عبلة.
وبينما هو كذلك لا يفتر عن ذكرها وشغفه بها، حتى ينبهه القمر بأنه سيأخذ معه الليل، ليدعوا مجالا للنهار وصاحبته الشمس اللذين لا يحابيان أحدا، ولا يستران أمرا.
وفي جانب آخر نجد الليل والقمر قد سترا على محب من نوع آخر، مُحِبٌ عظيم في حبه وأعظم منه محبوبه، هذا المُحب هو العابد الخاضع لربه ومحبوبه، فهو كذلك يغتنم الليل ليخلو بمحبوبه ويناجيه، حتى لا ترى دمعة عشقه عين، أو تسمع أنين بكائه أذن، فهو يعلم أن الليل يستر على المحبين، فجعل حبه في هذا الليل البهيم لمن هو جدير بهذا الحب.
فها هو هذا المُحب يتذكر في ظلمة هذا الليل، العشاق والمحبين مع معشوقاتهم ولهفهم بهن، ويتمتم بهذه الأبيات:
إذا كان حب الهائمين من الورى — بليلى وسلمى يسلب اللب والعقلا
فماذا عسى أن يفعل الهائم الذي — سرى قلبه شوقا إلى العالم الأعلى
ثم ينطلق في هذا الليل البهيم الهادئ إلى محبوبه، فتراه قائما يردد آيات يتذكر بها حبيبه، يتلو، ويتلو ولا يمل من كلام حبيبه، يُحس بلذة تغمر فؤاده وتنتعش في أوصاله، يقرأ القرآن يمر على آيات النعيم يزداد حبه للكريم، يمر على آيات الجحيم يتذلل للرحيم، ويخضع لمحبوبه، وتسقط من عينيه دمعات تنبئ على حب لا مثيل له في عالم الحب، وعلى وفاء بين المحبين لا تجد له انقطاع، يركع، فتسمعه يُسبح من لا يسبَّح غيره، محبوبه، يتذكر عظمة من يُحب، وأن لا أحد إذا عدل عن هذا الحب مثله في الحب، يسجد، فتزداد دقات قلبه نبضا، لقد اقترب أكثر من محبوبه، يطيل السجود، إنه قريب من حبيبه، يطيل السجود، والقمر ينظر إليه ويتعجب من حاله، يطيل السجود، يتعجب القمر، حتى إذا رفع رأسه رأى القمر أمرا عجبا، وجه منير بنور الله، وفيه عينان تذرفان دموعا غزيرة، قد بلل بها لحيته ومكان سجوده.
وإذ هو كذلك بين قيام وركوع وسجود، وحب وشغف بحبيبه، وبين لهفات قلبه ووجله، وبين لذة عبادة، ورجاء نعمة، وخوف نقمة، وبينما هو في عالم لا يُحسن العيش فيه إلا من يُحسن اختيار المحبوب، إذ بالفجر ينبهه بطلوعه، وإذا بالقمر يستأذنه ليغادر مع صديقه الليل.
وبعد قليل أخذ القمر صديقه الليل وانصرفا، وكل في قلبه ما الله به عليم، وكل منهما ينتظر أن يفصح الأخر عما في قلبه.
– قال الليل: إننا رأينا اليوم أمرا عجبا، الحب شعور واحد لكن إن اختلف المحبوب كان العجب.
– قال القمر: نعم معك كل الحق، لا يستوي حب من شاهدناه يذكر خليلته، بحب المحب العابد.
– قال الليل: أتعلم أننا نساهم في الخير والشر معا، نستر على محب الحق، لكن، لماذا نستر على محب الباطل!؟
– قال القمر: لا تبديل لسنن الله، هكذا خلقنا الله، لكن سأحاول في أيام البيض أن أكون أكثر إضاءة حتى لا يبقى في تلك الأيام مختلٍ بحرام إلا وفضحته.
ثم هبطا وهما يتحدثان عن عجب ما رآه هذا اليوم من ذلك المحب الخاضع لربه، وقوة حبه لمولاه..