جوعنا وجوعهم..
نجاة حمص
هوية بريس – الأربعاء 30 أبريل 2014
جُوعُنا مِلك لنا، وتلك حرية شخصية، وجُوعهم معاناة إنسانية، وكارثة بشرية، يجب على كل منظمات حقوق الإنسان الاهتمام بها..
جوعنا مفروض، وجوعهم اختيار..
جوعنا يقتلنا بصمت، وإن رفعنا أعييننا مستنجدين، نهرنا بغلظة : “صبروا.. راه هذا هو الإصلاح”، بينما لو اقترب هذا الجوع منهم، وتغافل اللافتة الموضوعة على معلقة الذهب التي بأفواههم: ممنوع الاقتراب أو حتى التصور” لووجه بالمظاهرات الحاشدة، جلسات برلمانية في اسخن غرفة فيك يا برلمان، ذلك وأن من يتهدده الجوع منهم ليعري على بطن من فوقها بطن، من فوقها بطون، نتوءات بعضها فوق بعض، ولو أظهرت امتعاضك من الصورة قيل لك: “أش عرفك بلا بوتي؟”.
بطونهم العارية جمال فني وتعبيري وجب إظهاره، وبطوننا قبح وبشاعة يجب إخفاؤهما، حرصا على الصالح العام،..
بطونهم تخضع للتسمين و”الغليظ” تحت الرعايات والتسهيلات السامية، وبطوننا محكوم عليها بالإفراغ قبل الامتلاء..
جوعهم كافر يجب التودد إليه حتى لا نسمى متطرفين، وهابيين.
أما أكلنا فسلفي، إخواني، يجب التعامل معه بحزم وصرامة، ومراقبته عن كثب حتى لا يسبب انفجارا ديموغرافيا، أو توازنا عقلانيا..
جوعنا سبيل لسدّ عجز الميزان، وجوعهم سبيل للتمرد على الثوابت والقيم..
جوعنا أبكم وأخرس، بينما جوعهم ذو صوت جهوري قوي، لا تكاد غرابيب بطونهم تنعق، حتى تهرع وسائل الإعلام، ليقف كل العالم بجانبهم، يعتصر الدموع ويشحذ قرائح الرثاء والهجاء..
جوعنا إن شكوناه، اتهمنا بالتملص والتهرب من الأصل والهوية فكأنما كتب على جبيننا، ونقش على شواهد ميلادنا، نعرف به ويعرف بنا..
جوعنا أصبح لنا صفة ملاصقة، تلتصق بنا بشدة لو عرف بشأنها أصحاب شركات مواد اللصق والغراء لذكروها إمعانا في وصف جودة منتوجهم وشدة فعاليته..
جوعنا جوع من ليس له الحق في الأكل، بدعوى الخوف علينا من تعود معداتنا على طحن غير مرخص يفضي لبناء عشوائي للأجسام والعقول، فموجبات إثمار العقول لا يجب أن تتاح للعموم لما لذلك من تهديد للتوازن الاجتماعي والطبقي..
جوعنا، عقدة ترابط بيننا وبين من له الوصاية علينا، عملا بالمثل القائل: “جوع الشعب، باش يتبعك، واربط تصيب ما تسيب”..
أكلنا دخول غير مشروع وتجاوز للسيادة، يلزمه رسومات جمركية وضرائب مرورية..
أكلنا مبرر لإشهار ورقة: من أين لك هذا؟ فالفقير الذي يأكل لص ومتحايل يجب محاكمته، من أين له بمعرفة دروب النكهات وفك خط المذاق..
أكلنا وصم بأنه حرام لما يشكله من دغدغة لغريزة مهمة في الجسم، غريزة يجب أن تصان ولا تلبى إلا بما يرضي الصالح العام..
أسناننا ومعداتنا عيوب خلقية، وجب التعاون لتجهيز قافلات خيرية هدفها القيام بعمليات جراحية قصد التخلص منها.. بالمجان.
حركات أفواهنا، أفعال مشينة تخدش الحياء، حركات لا مدروسة ولا محسوبة إضافة إلى أنها تحرج الخارجية وتسيء إلى الداخلية..
جوعنا إن صبرنا عليه نطمر دون أن يهتم بنا أحد، بينما جوعهم إن صبروا عليه طائعين رشحوا للفوز بالأوسمة ورشحوا لنيل أعلى الألقاب والجوائز..
جوعنا حل ودواء لمشاكلهم، مر تجرعه، بالنسبة لنا، لكن نتائجه أحلى من العسل، بالنسبة لهم..
أكلنا تبذير للمال العام، إرهاق لصندوق المقاصة وتوسيع للثقب الذي يعاني منه بنطلون الميزان التجاري، ما يهدد بتعرية العورة، والله يحب الستر والعفو عما سلف..
وأكلهم من باب: “إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده“، لذلك هو مرخص ومرغوب فيه، لكونه يسوق للوجه الحسن لأجمل بلد في العالم..
جوعنا فرض عين، وجوعهم فرض كفاية..
جوعنا، ملكية فردية، وجوعهم ملكية جماعية..
ذلك هو جوعنا.. وجوعهم..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط مقالاتي على الحساب التالي: