دفاعا عن السنة النبوية الشريفة: سلسلة الردود العلمية على خريج دار الحديث الحسنية «محمد بن الأزرق الأنجري»
منير المرود
هوية بريس – السبت 06 فبراير 2016
الجزء السادس: الحلقة الأولى
رد مفصل على مقال: “تصحيح حديث فضائل القرآن”
بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على خير الأنبياء والمرسلين، وبعد:
فقد كتبت سلسلة من المقالات بينت فيها حقيقة منهج المسمى “ابن الأزرق الأنجري” من خلال صريح كلامه وما خطته يداه، وقد آن الأوان للردود التفصيلية على مجموعة من مقالاته كل واحدة على حدة، وسأبدأ بمقال له بعنوان: “تصحيح حديث فضائل القرآن”، باعتبار أن له علاقة مباشرة بالحقل الذي ينسب نفسه إليه ألا وهو علم الحديث.
منهجي في هذا الرد: سأتتبع من خلال هذا المقال نفس خطوات “ابن الأزرق” تقريبا من حيث تقسيم البحث إلى محاور، وسأحتفظ برقم المحور الذي وضعه، ثم سأبين ما في كل محور منه من سقطات وزلات وملاحظات.
المحور الأول: نص الحديث الشريف:
(كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: {إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد} [الجن:2] من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم).
قلت: ولمتن الحديث روايات مختلفة سنورد بعضها في ثنايا هذا المقال إن شاء الله.
المحور الثاني: مواقف العلماء من الحديث:
السقطة الأولى: قوله في معرض حديثه عمن صحح حديث فضائل القرآن المذكور: (الحافظ المنذري: صدره في الترغيب والترهيب (2/231) بصيغة “عن” الدالة عنده على الصحة كما أوضح في مقدمة كتابه، ثم تبنى تصحيح الحاكم حيث قال: رَوَاهُ الْحَاكِم من رِوَايَة صَالح بن عمر عَن إِبْرَاهِيم الهجري عَن أبي الْأَحْوَص عَنهُ وَقَالَ: تفرد بِهِ صَالح بن عمر عَنهُ، وَهُوَ صَحِيح).
قلت: لعل “الأنجري” لم يفهم عبارة المنذري رحمه الله أو لم يقرأ تتمة كلامه ـكما هي عادته (أنظر المقدمة التاسعة)ـ ليعقل ما قصده من كلامه المذكور، أو لعله لم يرجع إليه أصلا وإنما أخذ ذلك بواسطة فتبناه لكونه يتلاءم مع ما يشتهيه ويهواه.
وما لا يعلمه “ابن الأزرق”، هو أن للمنذري في “الترغيب والترهيب” اصطلاح خاص به لم يسبقه إليه أحد من العلماء فيما نعلم، وهذا نص كلامه كاملا ليعلم مقصوده رحمه الله من تصدير الحديث بصيغة “عن”، حيث قال في مقدمة كتابه المذكور: « فإذا كان إسناد الحديث صحيحاً أو حسناً أو ما قاربهما صدّرته بلفظة: “عن”، وكذلك إنْ كان:مرسلا، أو منقطعا، أو معضلا، أو في إسناده راو مبهم، أو ضعيف وُثَّق، أو ثقة ضُعِّف، وبقية رواة الإسناد ثقات، أو فيهم كلام لا يضر، أو روي مرفوعا والصحيح وقفه، أو متصلا والصحيح إرساله، أو كان إسناده ضعيفا، لكن صححه أو حسنه بعض من خرجه أصدّره بلفظة “عن”، ثم أشير إلى إرساله أو انقطاعه أو عضْله، أو ذلك الراوي المختلف فيه، فأقول: “رواه فلان من رواية فلان، أو من طريق فلان”، أو: “في إسناده فلان”، أو نحو هذه العبارة، … وقد لا أذكر الراوي المختلف فيه، فأقول إذا كان رواة إسناد الحديث ثقات؛ وفيهم من اختلف فيه: “إسناده حسن”، أو “مستقيم”، أو: “لا بأس به”، ونحو ذلك حسبما يقتضيه حال الإسناد والمتن وكثرة الشواهد»[1].
فقارن أيها القارئ الكريم بين ما كتبه الحافظ المنذري رحمه الله، وبين فهم المعاصر “الأنجري”، فرواية الحديث بصيغة “عن” لا تفيد التصحيح مطلقا، وإنما هو اصطلاح خاص بالمنذري ضمنه مجموعة من الأنواع منها: من في إسناده راو مبهم، أو ضعيف وثق، أو المرفوع الصحيح وقفه، أو الضعيف السند إذا صححه أو حسنه بعض من خرجه، وكل هذه الصفات التي ذكرت تنطبق على الحديث المذكور، فلا يكون بذلك تصديره للحديث بالعنعنة دلالة على تصحيحه، بل إنه رحمه الله صدر مجموعة من الأحاديث بنفس الصيغة ثم أشار إلى ضعف بعضها أو ترجيح وقفه.
وقد تعقبه الشيخ العلامة المحدث الألباني رحمه الله في كثير من المواضع في “ضعيف الترغيب والترهيب”، حيث بين أن بعض الأحاديث التي صدرها الحافظ المنذري رحمه الله بـ”عن” قد حكم عليها هو نفسه بالضعف بل إن فيها ما هو موضوع، وكي لا نطيل على القارئ الكريم فيكل أو يمل، نرشده إلى مراجعة مقدمة “صحيح الترغيب والترهيب” للعلامة الألباني رحمه الله 1ـ79 وما بعدها، مع الرجوع إلى الأمثلة المشار إليها في “ضعيف الترغيب والترهيب”.
السقطة الثانية: يكثر من نسبة التقصير والتقليد والتهاون والغفلة إلى العلماء قديما وحديثا، ولم يسلم منه في هذا المقال حتى ابن الجوزي وابن كثير، وأغرب شيء وسمه للحافظ ابن كثير بالتقصير لمجرد أنه لم يصحح الحديث بكثرة طرقه فقال الأنجري: «خلاصة كلام ابن كثير أن متن الحديث ثابت من كلام أحد الصحابيين الكريمين، ولا يستبعد صحته عن رسول الله نظرا لتعدد طرقه، وهذا تقصير منه رحمه الله، نقول هذا لأن ابن كثير جزم بتصحيح أحاديث لا ترقى إلى حديث المقال بأي حال».
وقد بينت في المقدمة التاسعة من هذه السلسلة أنه كثيرا ما ينسب التقصير للعلماء والباحثين، والحال أن هذه صفة ملازمة له في كثير من بحوثه ومقالاته كما بينت مرارا في مقالاتي السابقة، وكما هو ظاهر من خلال سقطته التالية.
السقطة الثالثة: قال عن الشيخ أبي إسحاق الحويني: (صحّح الحديث من كلام سيدنا ابن مسعود في كتابي “المنيحة” و”النافلة”، واقتصر كلامه على حديث ابن مسعود، أي أنه لا يعرف طرقه الأخرى عن مولانا علي وسيدنا معاذ، وتلك علامة التقصير والتهاون في التحقيق).
قلت: كم تجازف يا “ابن الأزرق”؟!، كيف لا يعرفها وهو الذي حقق كتاب ” فضائل القرآن ” لابن كثير؟، حيث تحدث هناك عن حديث علي رضي الله عنه وخرجه وبين طرقه وعلله، وعلق عليه تعليقا علميا نفيسا، ثم قال: «وله طرق أخرى وشواهد لا تقويه، سقتها في “التسلية”، ولا يصح الحديث موقوفا أيضا، لعدم صحة الأسانيد بذلك»[2].
فقد أشار الشيخ إلى أنه تكلم عن طرق هذا الحديث سواء من رواية علي أو ابن مسعود ضي الله عنهما[3] في كتابه “التسلية”، إلا أن التقصير في البحث، وتكاسل “الأنجري” عن تتبع كلام الشيخ الحويني على طرق الحديث، هما اللذان دفعاه للسقوط في هذه الزلة، وقد علمتنا مدرسة الحياة أن من سمات الأصاغر المجازفة في نسبة التقصير للأكابر، وهذه سمة غالبة على صاحبنا، أشرت إليها وبينتها في المقدمة التاسعة.
وكتاب “التسلية” غير متوفر لدي الآن، لدى لم أستطع الرجوع إلى كلام الشيخ الحويني هناك، لذلك لا يمكن الجزم بأنه لا يعرف رواية معاذ رضي الله عنه أيضا.
واقتصار الشيخ أبي إسحاق على رواية ابن مسعود رضي الله عنه في كتابيه “المنيحة” و”النافلة” يؤكد أن للعلماء منهج دقيق في ذكر تعدد الروايات، حيث إنهم لا يجمعون الأسانيد، ولا يذكرون الطرق المتعددة إلا إذا اقتضت الحاجة العلمية ذلك، وليس كما يفعل حاطبنا “ابن الأزرق” حيث يفرح بكل طريق كيفما كان حالها. والله المستعان.
السقطة الرابعة:
قال وهو يتحدث عن رأي الشيخ الألباني في الحديث: (له موقفان من الحديث:
الأول: الميل إلى تحسينه، ففي سلسلته الصحيحة (2/263)، أورد الحديث عن ابن مسعود مرفوعا، ثم قال: وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير الهجري، واسمه إبراهيم بن مسلم وهو لين الحديث…
لكنه ناقض نفسه، فضعفه في “سلسلة الأحاديث الضعيفة” تحت رقم6842.
وخلص الألباني في النهاية إلى تصحيحه موقوفا على ابن مسعود.
ونلاحظ أنه لم يذكر في أي من الموضعين شاهده عن مولانا علي، وهذا قصور وغفلة غير مبررين لأنه يعرف حديث مولانا علي بدليل تعليقه عليه بالضعف في سنن الترمذي وغيره).
ولنا على هذا الكلام المتهافت ملاحظات نوردها على الشكل التالي:
الملاحظة الأولى: فهم ابن الأزرق من كلام الألباني رحمه الله: «وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات»، الميل إلى تحسينه، وهذا خطأ فاحش لا يتصور وقوعه من طالب مبتدأ في هذا العلم الشريف لعدة أمور:
أولها: أن الشيخ الألباني جعل الجزء الأخير من حديث الباب كشاهد لحديث ابن مسعود رضي الله عنه يرفعه: “اقرءوا القرآن، فإنكم تؤجرون عليه أما إني لا أقول: * (ألم) * حرف ولكن ألف عشر ولام عشر وميم عشر، فتلك ثلاثون”، وفرق بين الاستشهاد بجزء من الحديث الصالح للمتابعات على صحة أو حسن حديث آخر، وبين تحسين الطريق الوارد بها ذلك الجزء.
ثانيها: قول الألباني رحمه الله إن الحديث لا بأس به في المتابعات لا يعني أنه حسن، بل هو ضعيف في نفسه، قد ينجبر ضعفه إذا عضدته رواية أو روايات أخرى، أما مجرد الحكم على حديث ما بأنه يصلح أن يكون شاهدا لغيره لا يدل على تحسينه عند من صدر منه هذا الحكم.
ثالثها: قول “الأنجري”: (لكنه ناقض نفسه، فضعفه في “سلسلة الأحاديث الضعيفة” تحت رقم6842).
قلت: ليس هناك أي تناقض فقد قال رحمه الله هناك: «لكن الشطر الأخير من الحديث قد توبع الهجري في رفعه، كما توبع عليه أبو الأحوص أيضاً؛ كما هو مبين في “الصحيحة” (3327)»، فهو يتحدث هنا عن الزيادة المذكورة في آخر الحديث محل النزاع، والذي ورد بطرق عن ابن مسعود مرفوعا وموقوفا كما بينه الشيخ هناك فليراجعه من شاء أن يتذوق شيئا من روعة علم الحديث الشريف.
ومما يؤكد ما ذهبت إليه قول الشيخ رحمه الله في تحقيقه لكتاب “الترغيب والترهيب” للمنذري 2/589: «الشطر الأخير منه صح من طريق أخرى تراه هنا في الصحيح »، وقوله في 2/590: « لكن الجملة الأخيرة قد توبع عليها كما حققته في الصحيحة».
وهكذا يتبين لنا أن الشيخ رحمه الله لم يحسن الحديث يوما، ولم يتناقض في كلامه أبدا، بل كلامه كله يصدق بعضه بعضا، وكل من يفهم كلام المحدثين واصطلاحاتهم يعي تماما أن هناك فرق بين تحسين أو تجويد الحديث، وبين الاستدلال بطرف منه على صحة حديث آخر لنفس الصحابي راوي الحديث، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بحديث موقوف على صحابي اقتبس فيه طرفا من كلام النبوة كما هو الحال بالنسبة للحديث موضوع الدراسة، ولكن العلة كل العلة في فهم “ابن الأزرق” لكلام علماء الحديث وطرائقهم في التصنيف.
الملاحظة الثانية: كيف يكون الحديث حسنا عند الشيخ رحمه الله وقد ذكر في سنده راو “لين الحديث”، وهذا اللفظ من ألفاظ الجرح التي تضع الراوي في خانة الضعفاء خفيفي الضعف، حيث يصلح حديثهم في الشواهد والمتابعات، كما هو مقرر عند أهل هذا الشأن، أما من لم يكن من أهله، وليس له اطلاع على اصطلاحات القوم، فإنه يصدق عليه قول عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله: «إنكارنا الحديث عند الجهال كهانة»[4].
وقد جعل الحافظ ابن حجر في مقدمة كتاب “تقريب التهذيب”[5] من وصف بلين الحديث في المرتبة السادسة من مراتب الجرح والتعديل، ثم بين الشيخ أحمد شاكر أن من كانت درجته بعد الرابعة أي الخامسة فما بعدها مردود، إلا إذا تعددت طرقه مما كان من الدرجة الخامسة والسادسة[6].
ولكي لا يعتقد البعض أن الشيخ رحمه الله قد يشذ أحيانا فيحسن حديث من وصف ب ” لين الحديث” سنرجع إلى كتبه ونبحث عن رأيه في الطرق والروايات التي فيها من كان هذا حاله، فنجده رحمه الله يحكم دائما ـ كعادة المحدثين ـ على حديثهم بالضعف، ومن ذلك:
قال في كتاب ” أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم 2ـ744: «فبما أن عمران هذا قد تفرد بهذا الحديث بهذا اللفظ؛ فهو لين الحديث، ضعيف».
قال في “إرواء الغليل” 2ـ243 : «قلت: وأصبغ هذا لين الحديث عند أبى حاتم , ومتروك عند غيره , فمثل هذا لا يحسن حديثه فضلاً عن أن يصحح!».
وقال في المصدر نفسه 3ـ413 : « قلت: وهذا سند فيه ضعف , إسحاق بن إبراهيم هو ابن سعيد الصواف قال الحافظ فى ” التقريب”: “لين الحديث”».
وقال في “الإسراء والمعراج” ص: 106: «قلت: وهذا إسناد ضعيف أبو سنان هذا هو عيسى بن سنان القسملي وهو لين الحديث».
وفي “الرد المفحم” ص: 70: «ولذلك كتم قول “التقريب” لأنه يستلزم ضعف الحديث لعلم السندي بأنه يعني أن نبهان لين الحديث لأنه ليس له متابع».
وفي تمام المنة ص: 45: «ولذلك أشار الحافظ في “التقريب” إلى أنه لين الحديث إذا تفرد. ولم أجد له متابعا على هذا الحديث فهو ضعيف».
ولو استقصينا كلام الشيخ رحمه الله في كتبه لسودنا بذلك ورقات، لذا سأكتفي بما أوردته فإنه سيفي بالغرض وزيادة، وبه يتبين لنا أن “ابن الأزرق” لا في العير ولا في النفير، ويتأكد ما قلته عنه سابقا من كونه دخيلا على هذا الفن الشريف.
الملاحظة الثالثة: قوله: (ونلاحظ أنه لم يذكر في أي من الموضعين شاهده عن مولانا علي، وهذا قصور وغفلة غير مبررين لأنه يعرف حديث مولانا علي بدليل تعليقه عليه بالضعف في سنن الترمذي وغيره).
قلت: لم يذكرها الشيخ رحمه الله لأنها لا تصلح لتقوية حديث ابن مسعود رضي الله عنه، بل تزيد من فرضية أن هذا الحديث موقوف عليه كما سنرى، بسبب طرقه الشديدة الضعف، فما الغاية من ذكر تلك الطرق عن علي رضي الله عنه، وهي تزيده وهنا على وهن، وهذا حال العلماء والمحدثين، وتلك طريقتهم، فإنهم لا يضعون في كتبهم إلا ما دعت إليه الحاجة ولا يكثرون من التخريج وذكر الروايات من أجل الإغراب كما يفعل صاحبنا.
وما لا يعلمه “ابن الأزرق” أن الشيخ الألباني رحمه الله كان يختصر مجموعة من أعماله العلمية من أجل قصور القدرة على طبعها ونشرها في زمنه، قال رحمه الله في كتاب مقدمة “صحيح الترغيب والترهيب”: « فلما تكاملت عندي أسباب نشر “الترغيب والترهيب” في ردائه الحديث القشيب، وقسميه: “الصحيح” و”الضعيف”، أخذت في دراسته دراسة جيدة، فالتقطت منه فوائد عديدة جديدة، وعلقتها على النسخة التي جهزتها من “الترغيب” لتقدم إلى المطبعة، غير متوسع في ذلك؛ خشية أن يصير حجم كل من القسمين كبيرا، فنعجز عن القيام بطبعهما، والإشراف على تصحيح تجاربهما، والإنفاق عليهما، لا سيما في هذه الظروف الحرجة التي ارتفعت فيها أسعار الورق، وغلت أجور الطباعة؛ الأمر الذي حملني على التقليل من التعليقات المهمة التي تكشف عن علل الأحاديث الضعيفة التي قواها المنذري -رحمه الله-، أو رمز لها بـ (عن)، والإعراض عن ذكر الشواهد والمتابعات للأحاديث التي ضعفها » [7].
فهذا هو منهج العلماء، وهذه هي طريقتهم، وقد رأينا قبل قليل أثناء حديثنا عن السقطة الثالثة، وقررنا أن العلماء لا يضمنون بحوثهم الحديثية إلا بما يعود بالنفع على القارئ، ولا يجمعون كل طريق من أجل الإغراب واستعراض العضلات كما يفعل بعض من لا علم ولا فهم له.
خاتمة الجزء السادس
وفي نهاية هذا الجزء لا بأس أن أذكر بأهم سقطاته في مقاله موضوع البحث والدراسة، ليتبين حجم المصيبة التي ابتلي بها الحقل العلمي في المغرب حتى تسلط من لا علم له على واحد من أشرف وأجل العلوم على وجه الأرض:
1 ـ جهله باصطلاح الحافظ المنذري في “الترغيب والترهيب”.
2ـ المسارعة في نسبة التقصير والغفلة إلى علماء الأمة قديما وحديثا,
3ـ ادعاؤه أن الشيخ الحويني لا يعرف رواية علي رضي الله عنه، واتهامه له بالتقصير، والحال أن الشيخ قد خرج الحديث سواء عن علي أو ابن مسعود رضي الله عنهما، أثناء تحقيقه لفضائل القرآن لابن كثير، كما أنه أشار إلى تخريج الحديث بجميع طرقه في كتابه “التسلية”، فارتد السحر على الساحر، وحق على “ابن الأزرق” وصف التهاون والتقصير اللذين وسم بهما الشيخ الحويني وهو منهما بريء.
4ـ ادعاؤه أن الشيخ الألباني حسن الحديث في الصحيحة وهو لم يفعل ذلك.
5ـ خلطه بين الاستشهاد بجزء من حديث ضعيف على صحة حديث آخر، بين تصحيح أو تحسين الحديث الذي ورد فيه ذلك الجزء.
6ـ اتهامه الشيخ الألباني رحمه الله بالتقصير أيضا لمجرد أنه لم يذكر رواية علي رضي الله عنه، رغم أنه يعرف أن الشيخ أعلها في بعض كتبه التي أشار هو نفسه إليها.
ولا يسعني في نهاية هذا البحث إلا أن أترحم على درة عمر رضي الله عنه، وأن أنعي هذا الزمن الذي صار يتحدث فيه مثلي ومثل “ابن الأزرق” في أمور علمية عظيمة الشأن، مع التذكير بأن الأجزاء القادمة من الرد على تصحيحه لحديث فضائل القرآن، ستشهد فضائح حديثية لم أرها عند غيره، ولا يتصور وقوعها من طالب مبتدئ في هذا العلم الشريف.
وإلى ذلك الحين ها هو صاحب المقال يحييكم بتحية الإسلام والسلم والسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه: منير المرود (خريج دار الحديث الحسنية)
[1] ـ المنتقى من كتاب الترغيب والترهيب للمنذري، انتقاء الشيخ القرضاوي المقدمة ص: 113ـ 114.
[2] ـ تعليق الشيخ الحويني على فضائل القرآن لابن كثير ص: 44، مكتبة ابن تيمية ط 1: 1416هـ.
[3] ـ المصدر نفسه ص: 47.
[4] ـ العلل لابن أبي حاتم 1 / 389.
[5] ـ تقريب التهذيب ص : 80، طبعة دار العصمة ط1: 1416 هـ.
[6] ـ أنظر :”الباعث الحثيث اختصار علوم الحديث “لابن كثير، شرح الشيخ أحمد شاكر ص: 93، دار التقوى، ط1: 1432 ـ 2012.
[7] ـ صحيح الترغيب والترهيب 1 ـ 92، مكتبة المعارف للنشر والتوزيعـ المملكة العربية السعودية، ط 1 : 2000.
http://www.hespress.com/writers/294383.html