السياق الزمني الفارق بين مرحلتي عدوى الرفض وما قبلها

17 مايو 2014 00:35
السياق الزمني الفارق بين مرحلتي عدوى الرفض وما قبلها

السياق الزمني الفارق بين مرحلتي عدوى الرفض وما قبلها

محمد بوقنطار            

هوية بريس – الجمعة 16 ماي 2014

عندما نناقش أو نريد أن نناقش فتنة تشيع بعض مغاربة المهجر والداخل، علينا أن لا نغفل السياق الزمني الذي تم فيه هذا التحول الغريب، ذلك أن ظاهرة الاستقطاب الشيعي تحكمت فيها فترات عرفت بعضها حالة انتعاش كمي وكيفي مستفيدة من ذلك الضجيج الإعلامي الذي سوّق في فترة من تاريخنا المعاصر ونجح في الترويج لوهم العداء الظاهري بين إيران وشيعة المنطقة عموما ضد التحالف الصهيو/صليبي.

ولعله استقطاب تميز بما أسداه من خدمات ساهمت في إنجاح مشروع تأسيس ميليشيات شيعية مسلحة داخل عدد كبير من ثغور جغرافية دول الإسلام السني باسم المقاومة والممانعة.

وقد يقف الراصد لظاهرة الاستقطاب على حجم المغنم من الملتحقين بالحوزات المعتنقين لمذهب الرفض في ظل الكلام عن هذه الفترات يوم خاض «حزب الله» اللبناني حربه الكرتونية المحدودة الساعات والضربات، والتي أعمل فيها الطيران الإسرائيلي الحربي آلة دماره في ما بناه الساعد السني الممثل في آل الحريري وشيده من بنيات تحتية ضخمة طيلة عقود من الزمن؛ ظلت فيها دولة السعودية تنفق بسخاء وتضخ بوفاء من أجل إعادة الإعمار بقصد وضع قدم صدق لها في لبنان.

بينما آثرت إيران تغذية نشاطها التوسعي عبر رحلات الصيف والشتاء والبر والبحر والجو عاملة على تسليح «حزب الله» وباقي الفصائل الشيعية بكل أنواع السلاح الذي يبني قواعد التمكين والردع والتميز والتفوق حتى على الجيش النظامي اللبناني، بل يجعل الحزب الرافضي دولة داخل دولة وفصيل عسكري لا يهدد الأمن الداخلي للبنان وحده بل يتجاوز تهديده ووعيده بل وفعله العسكري الحدود؛ لتنحني له جميع دول المنطقة كما هو مشاهد اليوم على أرض الشام.

ولنرجع إلى الكلام عن العامل الزمني في سياق ما يمكن أن نستخلصه من دلالات وإشارات يمكن أن تساعد في فهم ظاهرة الانبطاح والتحول الذي حصل لبعض مغاربة المهجر والداخل، ذلك أن عدم إغفاله عند نقطة ترشيد التحليل وتحسس كوامن الإصابة من شأنه أن يفتح أمامنا هامشا ضوئيا يساعد ويعطي الانطباع الصحيح عن سر قوة هذا الاستقطاب الذي وقع ولا يزال يقع على مرأى ومسمع من الجهاز الرسمي المسؤول عما يصطلح عليه الأمن الروحي لمغاربة الداخل والخارج بمباركة سكوتية من الفصيل العلماني المتواطئ.

والواقع أن الكلام عن العامل الزمني لا ينفك عن حقيقة التمييز بين فترتين فاصلتين بين الإصابة وبين سابق عدمها، ذلك أن المغاربة من جيل السبعينات والثمانينات والتسعينات لم تسجل في صفوفهم حالة عدوى بضابط أن الناذر لا حكم له، مع أن كل المؤشرات على الأرض كانت تغري بحكم تميز هذه العقود بقربها من الثورة الخمينية وما تلاها من أحداث مدروسة كان على رأسها التجرؤ على اقتحام السفارة الأمريكية واحتجاز 52 شخصية ديبلوماسية أمريكية لمدة 444 يوم، احتجاز لم ينفع معه التدخل العسكري الشكلي الفعل، لتنتهي الأزمة بالتوقيع على اتفاقات الجزائر في العاصمة الجزائر يوم 19 يناير 1981م.

وهي على أي تحركات وأحداث أصبغت على الفصيل الشيعي صبغة المقاومة وألبسته هالة من القداسة والثورية التي عمادها الممانعة والمساندة لكل القوى التواقة إلى التحرر من ربقة التسلط الغربي والتسلط المحلي الذي تمثل على المقاس والنظرة التوسعية الإيرانية في الحكومات السنية العميلة والمستبدة.

ولعل الحديث عن هذه الفترة الذهبية للدولة الشيعية لا يمكن أن يحجب حقيقة ما كانت تتمتع به الساحة الإسلامية السنية يومها من صحوة دينية مباركة استطاعت أن ترد الشعوب إلى دينها الصحيح الصريح، وإلى عقيدة سلفها الصالح التي شكلت منعة ومصل وقاية حمى الجسد السني من عدوى الوافدات الإيديولوجية الشيوعية والشيعية على حد سواء.

وهي حقيقة محورية لها كلمة الفصل في مسألة التمييز بين فترتي الإصابة وما قبلها، وذلك بالنظر إلى القرائن المحيطة بالسياق الزمني الذي ميز هذا الاستقطاب الشيعي الذي استهدف المغاربة والكثير من عوام أهل السنة، والتي على رأسها سقوط ورقة التوت وبروز الوجه البشع والدور الخبيث الذي مارسته إيران وشيعة المنطقة في محطات فارقة من تاريخ الأمة المعاصر، حيث لم يعد خاف على أحد واقع الخدمات التي قدمتها إيران بتعاون وتنسيق مع أذرعها للغازي الأمريكي والتحالف «الصهيوـ صليبي» في حربه على أفغانستان والعراق الجريحة.

ولنستمع لشهادة تعفينا من الكلام نيابة وتسقط عنا تهمة الرجم بالغيب، وهي شهادة لرئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني كان قد أدلى بها بتاريخ 8 فبراير 2002م في خطبة ألقاها بجامعة طهران حيث قال: «إن القوات الإيرانية قاتلت طالبان وساهمت في دحرها، ولولا مساعدة القوات الإيرانية في قتال طالبان لغرق الأمريكيون في المستنقع الأفغاني».

وتابع معترفا: «يجب على أمريكا أن تعلم أنه لولا الجيش الإيراني الشعبي ما استطاعت أمريكا أن تسقط طالبان»، وبنفس النبرة وفي سياق ذات الشهادة صرح محمد علي أبطحي نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية سابقا في ختام أعمال مؤتمر «الخليج وتحديات المستقبل» الذي أقيم في الإمارات العربية المتحدة بتاريخ 15 يناير 2004م قائلا: «إن بلاده قدمت الكثير من العون للأمريكيين في حربهم ضد أفغانستان والعراق وأنه لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بكل تلك السهولة».

ولنسق هذه المرة شهادة من الجهة المقابلة من منظومة العداء المصطنع ولنستمع لوزير الخارجية في حكومة نتنياهو «ديفيد ليفي» وهو يقول: إن إسرائيل لم تقل في يوم من الأيام إن إيران هي العدو».

وفي ذات السياق يصرح الصحافي اليهودي أوري شمحوني قائلا: «إن إيران دولة إقليمية ولنا الكثير من المصالح الاستراتيجية معها»” ويتابع قائلا: «إن التهديد الجاثم على إيران لا يأتيها من ناحيتنا بل من الدول العربية المجاورة فإسرائيل لم تكن أبدا ولن تكون عدوا لإيران».

ناهيك عن صفقات السلاح الكبرى التي فاحت رائحتها ووصلت عقودها من أقبية الموساد إلى أروقة المحاكم الإسرائيلية، ولا نحتاج في هذا الخصوص إلى التذكير بفضيحة تورط رجل الأعمال اليهودي «ناحوم منبار» بتزويد إيران ب 50 طنا من المواد الكيميائية المستخدمة في صنع غاز الخردل السام، بالإضافة إلى العديد من عقود التزويد القاتل التي تمت بين البلدين، عقود يغني عن بسط الكلام حولها طرح السؤال عن ماهية الخرجات المتتالية  لرموز الحكم الإيراني ومناداتهم وتوعدهم بمسح إسرائيل من خارطة الوجود الجغرافي؟!

إن الكلام عن السياق الزمني الذي تم فيه الكشف عن حقيقة شعارات «الموت لإسرائيل الموت لأمريكا الموت لليهود»، والتي يعلقها الحوثيون على واجهات دباباتهم ويعلقها رجال فرق الموت لفيالق بدر والعباس والصدر والمهدي كصدريات على نحورهم، وهم في طريقهم إلى تأسيس مشروع الإبادة ودراما الموت لأطفال وحرائر وشيوخ أهل السنة في كل من العراق واليمن وسوريا والبحرين ولبنان، هو سياق له أكثر من دلالة في مسألة فهم  تشيع معشر المغاربة في وقت سقطت فيه الأقنعة وتهاوت شعارات الممانعة والمقاومة وذلك من جهة البحث في المتغير والمفقود الذي ميز فترة ما قبل العدوى، وفترة العدوى وما بعدها، مع ما بينهما من فارق في قوة الشد والانبهار والإغراء.

فارق يوحي إلى أن المفقود والمتغير لم يكن إلا محاصرة تلك الصحوة الدينية المباركة وإعادة صياغة المنظومة العقدية للأمة صياغة لا تتوانى في اتهام عقيدة السلف الصالح بتهم الإرهاب والتطرف والتعصب وحبل المعطوفات طويل الذيل، يشرح قضية فقدان هذا الجيل لمصل الوقاية والمنعة من الغواية التي لم يستطع البديل الخرافي المطروح في الساحة الإسلامية والمفروض إقليميا، والمحشور سلوكيا بين علاقة السني بربه ومألوهه من تجنيب شباب الأمة شراكها، بل شكل هذا البديل مقدمة مهمة وضرورية لحصول ذلك التحول القاتل الذي ينبئ بكارثة وفتنة مردية.

 وأي فتنة أدهى وأمر وأخطر من أن يصير المغربي السني يتعبد بسب الصحابة والطعن في عرض النبي واتهام أمهات المؤمنين، ويساكننا بالجسد الذي يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، بينما الروح هناك حول حش الحوزات تطوف وتبني قواعد الولاء والبراء بضوابط قد لا يكفي ولا يطيق الوطن الواحد احتواء أضدادها، وطمر أتون فتنتها الطائفية الآثمة.

ولا شك أن مشروع «الخط الرسالي» من مستصغر الشرر الذي يراد له استشرافا أن يتحول إلى سيل عرم لا يبقي ولا يذر، وإلى نار تعبد من دون الله في المستقبل القريب.

نسأل الله العفو والمعافاة.

[email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M