بعد تقرير منظمة الصحة العالمية هل ستطالب وزارة الوردي بمنع بيع الخمور وإشهارها؟
هوية بريس – نبيل غزال
الأحد 18 ماي 2014
على موقعها في الشبكة العنكبوتية نشرت منظمة الصحة العالمية في 12 من ماي 2014 تقريرا في غاية من الأهمية[1]؛ أظهر المخاطر الكبيرة التي يتعرض لها متناولو الخمور، وكشف أن الخمور تقتل 6 أشخاص كل دقيقة، وأن 3.3 مليون حالة وفاة في العالم نجمت سنة 2012 إثر تعاطي الكحول.
وبين تقرير المنظمة أن استهلاك الكحول لا يؤدي إلى الإدمان فحسب؛ بل يزيد أيضاً من خطر تطور أكثر من 200 مرض؛ بما في ذلك تشمع الكبد وبعض السرطانات، وعلاوة على ذلك فأعداد قتلى الخمور تفوق أمراض الإيدز والسل وأعمال العنف مجتمعة، والرقم مرشح للارتفاع بتزايد عدد سكان العالم.اهـ
فالتقرير كان واضحا وصريحا من الناحية الطبية، ومن ناحية الآثار الوخيمة التي يسببها هذا المشروب على صحة الفرد والمجتمع، وقد سجلت أوروبا أعلى معدلٍ لاستهلاك الكحول لكل فرد، وهذا أمر متوقع على اعتبار أن معاقرة الخمور في هذه المجتمعات صارت سلوكا مقبولا وعاديا؛ بعد تغلغل العلمانية وتمكنها من جل مناحي الحياة في القارة العجوز.
لكن الغريب والأمر غير العادي هو أن يصير المغرب من أكثر الدول العربية استهلاكا للخمور وتصديرا لها، حيث كشف تحقيق للـ«واشنطن بوست» أن المغرب أصبح من بين أكبر البلدان العربية إنتاجا للخمر، إذ تم تصنيع 45 مليون قنينة خمر في المغرب خلال سنة 2012، ومن أصل 27 مليون قنينة أنتجتها أكبر شركة للخمر في المغرب في 2011 تم تصدير مليوني قنينة فقط لأوروبا والولايات المتحدة الأميركية، رغم قرار الحكومة الحالية سن ضرائب جديدة على إنتاج واستهلاك مختلف أنواع الخمور والكحول.
ووفق تقارير صادرة عن «مركز بحوث النبيذ والمشروبات الكحولية (IWSR)» فإن الكميات التي ينتجها المغرب من الخمور تفوق 100 مليون لتر سنوياً؛ وبلغ استهلاك المغرب من الكحول في 2012 ما يقارب 120 مليون لتر، وذكرت مصادر أن حجم استهلاك المغرب من الكحول من نفس السنة بلغ بالضبط إلى 118 مليونا و100 ألف لتر.
هذه الأرقام تؤكد أننا أمام لوبيات كبيرة تستفيد من تجارة الخمور وتجني من ورائها أرباحا طائلة، ولا يهمها ولن يهمها -طبعا- صحة وأمن الفئة المستهلكة لهذا المشروب الخبيث؛ مادامت هذه التجارة تذر عليها أرباحا ضخمة.
فالواقع يثبت أن تجارة الخمور غزت جل المدن المغربية؛ ولا تكاد تخلو مدينة من متاجر تبيع الخمور مرخص لها من طرف الدولة.
نعم؛ فالأخيرة تستفيد من الضرائب المفروضة على المتاجرين في قطاع الخمور، إلا أنها تنفق أضعاف المبالغ المحصلة من مديرية الضرائب في المجال الأمني والاقتصادي والصحي والاجتماعي؛ حتى تتلافى الآثار السلبية والمخلفات الكارثية لهذا المشروب.
إلا أنه ورغم التقارير الدولية والأرقام الفلكية لمخلفات استهلاك الخمر على الفرد والأسرة والمجتمع والدولة أيضا؛ لازالت العديد من المحلات والمتاجر التي تبيع هذا المشروب الذي لعن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعا؛ تمارس نشاطها اليومي بشكل عادي، ولازالت الدكاكين والأسواق الكبرى التي تتمركز وسط الأحياء الشعبية تبيع للمغاربة الخمور بأنواعها وأشكالها المتنوعة.
وما دامت الخمور تسبب وفيات أكثر من «السيدا» والسل وأعمال العنف مجتمعة، وفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية، فيتعين على وزارة الوردي أن تتحرك وتطالب بإغلاق كل المتاجر والدكاكين التي تبيع الخمور، ويجب أن نرى لها حراكا أو لنقل انتفاضة ضد الخمور، تفوق ما قامت بها ضد «السيدا»، فيتعين في حقها أن تحافظ على صحة المواطنين وتحميهم من ترويج الخمور ومخاطرها، وتعقد الشراكات والمؤتمرات والورشات والأيام الدراسية لتحذر من هذا الخطر الذي يتهدد صحة المواطنين.
أما وأن ينصب جهد الوزارة وعملها على «المتعايشين» مع السيدا من العاهرات واللواطيين..، وتعقد اتفاقية مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان حتى ترفع عنهم «الوصم» و«المتابعة الأمنية»، بحجة أنهم خارج المنظومة الوقاية الصحية، فهذا أمر يدفع إلى الريبة وإلى طرح أكثر من سؤال.
نعم لا أحد أظنه سيعارض التوعية بخطر اللواط والزنا وأنهما من أهم مسببات السيدا، لكن القبول بهذا السلوك والانحراف المخالف للشرع والقانون والتطبيع معه أمر مرفوض ولا يمكن القبول به.
وعلى نفس المستوى لا يستحيي بعض الحقوقيين والإعلاميين من المطالبة بالحق في معاقرة الخمور وبيعها وإشهارها، لأن كل ذلك -بالنسبة لهم- «يدخل في إطار الحرية الفردية، وأن المجتمع اليوم بات يتعايش مع شاربي الخمور»، وأن نسبة كبيرة منهم «لا تجد غضاضة من احتساء هذا المشروب الذي ينسيهم هموم الدنيا ومتاعبها..»!!
طبعا؛ هذا المشروب الخبيث ينسيهم همومهم لسويعات معدودة لأنه يؤثر على عقولهم، لكن حين يصحون من ثملهم ويعودون إلى وعيهم يجدون حجم المشاكل قد تضاعف، والأموال قد ضيعت، إن لم تكن الجرائم أيضا قد اقترفت والأرواح قد أزهقت.
فهذا المنطق المعكوس، والفهم المنكوس الذي يروج له بعض المدمنين المبتلين يحاول للأسف الشديد رويبضة الإعلام تصويبه والدعوة إليه.
وحقيقة لا أدري أين تكون عقول هؤلاء الكتاب وهم يسطرون مثل هاته الهرطقات التي تخالف العقل، والمعلوم من الدين بالضرورة، بل تخالف حتى ما وصل إليه الغرب الذي يفتخرون بالسير في ركابه ووفق منظومته؟!
هل يكونون في كامل وعيهم وهم يسودون مقالاتهم، أم أن مداخيل إشهار الخمور التي تستفيد منها منابرهم قد خمرت عقولهم وأنستهم موضع أقدامهم؟!