الفرانكفونية والاحتلال الثقافي
مراد الهاني
هوية بريس – الإثنين 19 ماي 2014
“الفرانكفونية” اسم مشتق من كلمة: “francophonie“، وهي كلمة فرنسية تحمل بعدين مختلفين؛ فالبعد الأول للكلمة يشير إلى كل ما له علاقة بنشر القيم الثقافية، وتحقيق الحوار الثقافي بين الشعوب والمجتمعات في الانفتاح على مختلف الحضارات.
أما البعد الثاني فيتجاوز مفهومه اللغوي إلى معنى أيديولوجي، يهدف إلى تكريس التبعية الثقافية والهيمنة على الدول العربية والإفريقية ثقافيا، وخصوصا الدول التي سبق لها أن خضعت للاحتلال الفرنسي ومن بينها المغرب، وهذا ما يؤكد تحول الاحتلال من عسكري يعتمد على السلاح كوسيلة أساسية إلى احتلال ثقافي يقوم على نشر القيم العصرية، محاولا غزو الهوية الأصلية للبلدان المستعمرة ثقافيا، وكذلك تكريس الثقافية والأيديولوجية.
ارتبطت نشأة الفرانكفونية ببداية ظهور الحركات التحررية وحصول الدول المستعمرة على استقلالها خصوصا منها التي كانت خاضعة لنفوذ الفرنسي كسوريا، تونس، الجزائر، المغرب،… وبدأ يتبلور مفهوم الفرانكفونية أكثر فأكثر بعد الحرب الباردة التي كان طابعها أيديولوجيا محضا، حيث حصلت كل الدول على استقلالها.
المغرب نموذجا لهذه الدول التي خضعت ولا تزال تخضع للاحتلال الثقافي بعدما استقلت عسكريا عن القوات الفرنسية عام 1956م، فالتبعية الفرانكفونية تبدو واضحة وضوح الشمس بمظاهر متعددة ومختلفة؛ ففي المجال الثقافي نجد طغيان القيم الثقافية العصرية المادية محاولة إقصاء القيم الروحية النبيلة التي كان يعرف بها بلدنا على مر العصور باعتباره بلدا إسلاميا، إضافة إلى طمس الهوية المغربية مستعملة في ذلك أيادي أخفية -إن صح القول- لوبيات فرانكفونية.
أما تربويا فلا حدث ولا حرج، ألا يمكن القول بأن التعليم في المغرب منذ حصول هذا الأخير على الاستقلال -غير التام- وهو تابع للنظام الفرنسي، لما يوجد من تشابه شكلي بين المقررات التعليمية المغربية الفرنسية، فكلما تحسن جودة الأخير وبلغ رتب متقدمة عالميا إلا وزادت جودة تعليمنا سوءا، ولعل ابرز مشروع تربوي صدق عليه أخيرا في بلدنا هو “مسار” الذي يعد جزءا لا يتجزأ من الهيمنة الفرانكفونية؛ فبعدما تداولت مناقشة هذا المخطط التربوي داخل البرلمان الفرنسي منذ سنين ولم يفعل أبدا، لما في ذلك من احتمال لانعكاس السلبي على جودة التعليم الفرنسي بل بقي معلقا ولم يصادق عليه، حتى يتم التخلي عليه كليا ورميه في مزبلة التاريخ ليتم مصادرته إلى المغرب.
أما وجود اللغة الفرنسية كلغة أجنبية أولى للمغرب يعد مظهرا أساسيا من مظاهر التبعية الفرانكفونية، زيادة على ذلك “مذكرة عيوش” -رئيس مؤسسة زاكورة للتربية بعدما كانت مؤسسة للقروض الصغرى- التي تداولتها مختلف الصحف والمجلات أواخر العام الماضي، حيث أعلنت المذكرة حرب شعواء على اللغة العربية الفصحى، تشتمل هذه المذكرة على توصيات كان قد وجهها نور الدين عيوش السالف الذكر إلى ملك البلاد ورئيس الحكومة آنذاك؛ يسعى من خلالها إلى اعتماد الدارجة المغربية بدل اللغة العربية الفصحى، وإزالة الطابع الديني عن التعليم الأولي، لأنه اعتبر التعليم في تصوره “تقليدي” في مجمله، وبعدما تداولت القضية داخل مختلف المؤسسات السياسية تلقت المذكرة معارضة شديدة من مفكرين مغاربة، وأساتذة جامعيين وصحفيين، ومنهم من اعتبرها ورقة توظفها اللوبيات الفرانكفونية بدليل سيرة صاحب المذكرة، واختصاصاته المحدودة والمرتبطة بأجندات فرنسية.
وصفوة القول أن فرنسا قد تجاوزت مرحلة الاحتلال العسكري لتدخل مرحلة جديدة أكثر نجاعة، وهو الاحتلال الثقافي من أجل بسط سيطرتها على عقليات الأفراد داخل المجتمع المغربي فكريا وأيديولوجيا، لتكريس تبعية ثقافية تتماشى وغياب الوعي لدى المغاربة بالغزو المستمر لهويتهم وثقافتهم.