الجزائر تخدع القيادة المالية وتتسبب بانفجار الوضع في شمال مالي…
هوية بريس – محمد غربي
الإثنين 26 ماي 2014
يبدو أن جنرالات الجزائر مازالوا يبرون بقسمهم، في معاكسة كل خطوات المملكة المغربية من أجل إرساء السلم والأمن بممطقة الساحل والصحراء بإفريقيا، ولو على حساب تفجير الوضع الأمني ونسف الاستقرار بدولة جارة وشقيقة مثل مالي؛
فمن يتتبع التحركات الجزائرية بالمنطقة لا بد أن يلحظ أنه بمجرد ما استفاقت الجارة الجزائر من سكرة الانتخابات الرئاسية التي كرّست عهدة رابعة للرئيس بوتفليقة، حتى أوفدت وزير خارجيتها رمطان العمامرة إلى كل من موريتانيا وبوركينا فاسو ثم مالي، والهدف من وراء هذه الجولة هو احتواء الدور المغربي الناجح في إقرار السلم والاستقرار بدولة مالي الشقيقة ومسح آثار زيارة العاهل المغربي لهذا البلد الجريح كما يردد الإعلام الجزائري، أو بالأحرى التشويش عليها.
فالمتتبع للأحداث بمالي سيخلص لا محالة إلى أنه بمجرد أن وطئت رجل الوزير الجزائري تراب الجمهورية المالية يوم الجمعة 16 ماي حتى ابتدأت المشاكل بهذا البلد، حيث اندلعت أعمال عنف واشتباكات قتل فيها العشرات في مدينة “كيدال” ثم “غاو”، وأدّت إلى تلقي الجيش المالي لهزيمة قاسية على يد المجموعات المسلحة الأزوادية.
هذه الاشتباكات كان من الممكن تجنبها لو لم يعلن الوزير الأول المالي “موسا مارا” عن نيته التوجه “لكيدال” شمال مالي رفقة وفد حكومي مكون من أكثر من ثلاثين شخصا، حيث بمجرد الإعلان عن الزيارة حتى اندلعت احتجاجات شعبية عارمة رافضة لها ومنددة بها. هذه الاحتجاجات واجهها الجيش المالي بإطلاق أعيرة نارية، قبل أن يتحول الأمر إلى مواجهات مباشرة بين الجيش المالي والمجموعات المسلحة الأزوادية انتهت بمقتل نحو 40 عسكرياً مالياً وجرح خمسين آخرين وأسر العشرات حسب ما أعلن عنه متحدث باسم المجموعات المسلحة الأزوادية.
وفي قراءة سياسية لهذه الأحداث يتبين جليا أن توقيت الإعلان عن زيارة الوزير الأول “موسا مارا” لكيدال كان خطوة غير مدروسة خصوصا في ظل الوضع الأمني الغير مستقر بالمنطقة والتي تعرف أصلا هدنة هشة، زيارة لم ترى فيها الأطراف الأزوادية سوى أنها مجرد استفزاز لهم من طرف حكومة “باماكو” في الوقت الذي كان يتحتم على هذه الأخيرة إطلاق مفاوضات حول الوضع النهائي “لأزواد” من أجل تحقيق استقرار دائم وقائم على أرضية صلبة بما يراعي مصالح جميع الأطراف ويحقن دمائهم.
والسؤال الذي يطرح نفسه بشدة هنا، هو: من أشار على الرئيس المالي وحكومته بالقيام بمثل هذه الخطوة غير المحسوبة العواقب؟؟ وماهي الضمانات التي تلقاها الماليون من أجل الإقدام على ذلك؟؟ خصوصا إذا علمنا أن “رمطان العمامرة ” وزير خارجية الجزائر ما فتئ يدغدغ مشاعر السلطات المالية بكلام معسول لكنه مدسوس بالسم من قبيل ضرورة بسط السيطرة على الشمال ولو بالقوة، احقاقا لمبدأ سيادة الدولة على كامل ترابها، وحيث صرح غير ما مرة “أنه من صلاحيات الرئيس المالي أن يفرض سلطته وأن يكون الحوار المالي-المالي تحت رعايته احتراما للسيادة المالية، وداعيا لإجراء مشاورات استكشافية بين الحكومة المالية والطوارق في الشمال في هذا الشأن لتنتهي بحوار رسمي حول طاولة تجمع جميع المتفاوضين برعاية الرئيس المالي في باماكو”،
فالواضح جدا أن الجزائر أرادت أن تدير المفاوضات “المالية-الأزوادية” من منطلق فرض الأمر الواقع على الأزواديين، مستعينة في ذلك بوساطة موريتانية بوركينابية، وعبر توجيه خاطئ ومضلل للقيادة المالية من خلال ما أسمته “اللجنة الثنائية الاستراتيجية الجزائرية المالية حول شمال مالي”، مستندة في ذلك كله على اتفاق أولي كانت الأطراف المالية قد وقعته في الجزائر قبل سنوات هذا الاتفاق الذي سبق وأن أظهر فشله الكبير لا زالت الجزائر تصر على أن يكون أساسا وحيدا للحوار في المستقبل. الجزائر التي برغم الإمكانيات العسكرية والمالية ،التي تتوفر عليها وبرغم “الثقل” الإفريقي الذي تزعمه لم تستطع حتى حماية ترابها من التهديدات الإرهابية التي تضربها في العمق ولازالت تداعيات عملية مجمع الغاز “بتقنتورين” شاهدة على ذلك، بل لم تستطع إلى حدود كتابة هاته السطور تحرير دبلوماسييها المختطفين شمال مالي، منذ 2012 بالمقابل لم يستحي وزير خارجيتها “رمطان العمامرة” وهو في مالي أن يصرح لوسائل الإعلام أن بلاده “ملتزمة بشكل كبير بالتعاون مع القوات المسلحة المالية ومتحدثا عن الجهود التي بذلت من أجل تأهيل هذه القوات المسلحة”، و”أن الجزائر قدمت مساهمة لم تكن هينة ولا ثانوية وإنما كانت معتبرة”.
خلاصة القول يجب على الماليين أن يراجعوا أنفسهم ويقطعوا في اختياراتهم بين وساطة سياسية تروم فعلا إحلال السلم والاستقرار المبنيين على أسس سليمة وأرضية صلبة في بلدهم ومرتكزة على شراكة حقيقية تستلهم قوتها من الشرعية الدينية والتاريخية وتجعل من مبدأ التعاون “جنوب-جنوب” منطلقا لخلق تنمية شاملة ومستدامة على جميع الأصعدة، وبين وساطة أساسها الحُقن المالية الملوثة بهوس سياسة جزائرية قائمة على تأزيم الأوضاع ببلدان الجوار والتي لم تجن عليهم سوى الويلات والتشتت؛ والوضع الراهن في “كيدال” و”غاو” خير دليل.