ربط الفكر بالسكر في مجلة «زمان المغرب»
ذ. إدريس كرم
هوية بريس – الخميس 29 ماي 2014
لست أدري ماذا قال المستشارون العلميون والكتاب المساهمون في مجلة “زمان المغرب” وهم يرون أسماءهم تروج للخمر الأبيض والأحمر من خلال ربطه بريشة ذهبية تحث على التمتع بالكتابة بعد تذوق المشروب موضوع الإشهار في الصفحة 15 من الطبعة العربية، والصفحة 9 من الطبعة الفرنسية، في عددها الثامن الصادر بين 15 ماي و15 يونيو 2014.
هل يدخل الإعلان في باب “اضرب المعدة تستحيي العين”؟ أم في باب التحدث عن واقع يمارس من قبل الكتاب ومنهم كتاب المجلة؟ أم هو ممارسة حق المستشهر في الترويج لبضاعته في مجال يمتلكه، ومنتوج يصدره؟ أم رغبة حداثية تدعو المجلة القراء لها اعتمادا على المشروب “الروحي المميز”، الذي جعل المجلة المروجة لزجاجات الخمر الممتاز أحمره وأبيضه، تستقطب نخبة مفكرة مشهود لها بالتميز في البحث، في كل ما هو سلبي في تاريخ المغرب، لتبخيسه والنيل منه رسما وصورة وموضوعات، لدرجة أن أحد كتاب المجلة في العدد الخامس من النسخة العربية فبراير2014، كتب قائلا:
“إنتصار واد المخازن حصل صدفة، لكنها قوس سرعان ما أغلق، أنوال بها عناصر الصدفة والمباغتة، سيستأنف المغاربة مسيرة الذل والحجر والدونية لأنها لم تنخرط في مغامرة العبور إلى الحداثة، أما المغرب فلا زال لم يجبر بعد هرس صدمة الحداثة” (ص:62).
لن أضيف نقولا أخرى تبين أن كتابها على المنوال السالف؛ ربما كان مداد فكرهم من المشروب الذي تروج له المجلة، لذلك جاء على هذه الشاكلة من الفجاجة وسوء التدليل، وقد سبق لنا الحديث في مقال سالف غلّط فيه أحد كتابه صَحَفية شهيرة، نتأسف لغياب إنتاجها منذ ذلك الحين، وأخاف أن يكون الهدف من الإشهار الخمري النيل من كتاب المجلة وهيأتها العلمية، وتغييبهم عن الساحة كما فعل بالصحفية.
إن تخوفنا ينطلق من كون الإشهار لم يقتصر على النسخة الفرنسية ولكن امتد إلى النسخة العربية، وقد راجعت أعدادا كثيرة من المجلة علني أجد بها سابقة فلم أعثر، فهل يدخل هذا ضمن استراتيجية توهين العقل الجمعي للمغاربة ليقبلوا بما يحرمه الدين الإسلامي ويمجه الذوق السليم؟ أم هي ضربة للأقلام التي تكتب في المجلة لإفقادها المصداقية وتبخيس عملها قياسا على ما يجري في مصر من إهانة للمثقفين وذوي الرأي الذين لم يعد لنظرياتهم وأفكارهم ما يبررها في إطار سطوة العسكر؟
والحقيقة أن المغرب عرف في مطلع الحماية الترويج للمسكرات والبغاء والمخدرات لتطويع الشعب المقاوم للاحتلال وإليك الدليل:
أورد الأستاذ عبد الله رشد في كتابه (كفاح المغاربة) نقلا عن مجلة “المغرب الكاثوليكي 1923” قولها: “الخمر هذا المشروب الرجولي البهيج سيحل محل الشاي الأخضر بالنعناع المشروب المخنث، وسيصبح مشروبا وطنيا للبربر حينما يتم تنصيرهم” (ص:133)، وفي نفس الكتاب يقول المؤلف بأن انفجار أزمة الخمور المغربية سنة 1935 جعل المعمرين يطالبون بتعميم توزيع الخمور على سكان البادية، مدعين أن ذلك سيحد من مقاومة الفلاحين للاستعمار لأن (الدين يسيطر على أدمغتهم التي لا بد أن تلين حينما تسقيها جرعة الخمر) (ص:134).
فهل نحن في حاجة لمثل ذلك الإجراء لتمرير مثلا مخطط “الدرنجة” والمثلية والعري والتنصل من الأخلاق والقيم، للإجهاز على الثوابت الدينية والوطنية التي لم تنفع معها معاول هدم، أو لبوسات وحيل؟
لن نشير لتزامن الترويج للخمور في مجلة نخبوية مع اليوم العالمي لمحاربة التدخين، ولا للمآسي التي يخلفها سكر السائقين في الطرقات، ولا لدعوات الهيئات الطبية لتجنب المسكرات لما لها من أثر على الصحة، ولا بالدعوة في مؤتمر عالمي لمحاربة المسكرات في مدينة أنفيرس في مطلع القرن الماضي تحت رعاية ملك وملكة بلجيكا، وبرئاسة شرفية للكردنال “فان روي” رئيس أساقفة بلجيكا، والذي استمرت جلساته من العشرين من شهر غشت 1928 إلى الخامس والعشرين منه، وحضر المؤتمر ممثل 32 دولة، وذلك بعد الضجة الكبيرة التي حدثت في أمريكا، والعراك الشديد من أجل تحريم الخمور بها ومنع استعمالها.
وقد صادق المؤتمر على رفع توصية لجمعية الأمم بإصدار قرار بمقاومة المسكرات وتلافي انتشارها (السعادة 11 أكتوبر 1928)؛ وتأتي مجلة متخصصة في تاريخ المغرب تقرن السكر بالتفكير والمفكرين بعد قرن من ذلك المؤتمر بدعوى لن نزيد على أنها ملتبسة.
مما يجعلنا فقط نقول للذين يرددون في المجلة دعوة ما سموه (تمغربيت) أن المغاربة لو سألتهم عن السكير والخمر في مفهومهم أو نعت أحدهم بذلك لسمعت ما تكره ولضاع مقامك، فما بالك أن توسم أستاذا أو باحثا أو سياسيا بمعاقرة الخمر والاستعانة بها على التدوين والتفكير والتأليف إلا إذا كنت تريد القضاء عليه وتسفيه أرائه، فهل هذا ما أرادت المجلة بإشهارها السالف الذكر؟
ألم تسمع نصيحة عراب الحماية “ليوطي” وهو يخطب في حفل تأسيس المحراب بمسجد باريس سنة 1922 يقول:
“بيد أن ما نريد استخلاصه من هذه الحفلة هو بيان الأسباب القوية في احترامنا لدين لسنا من معتنقيه، وفيما لا نزاع فيه من ولائنا لإسلام، والذي أوده قبل كل شيء هو أن يدرك جميع المسلمين الحاضرين هنا وأن يدرك بواسطتهم جميع إخوانهم في الدين، مبلغ ما نطأطئ به رؤوسنا من الوقار الخالي من كل تصنع أمام تجلي عقيدتهم الدينية في مظاهرها حسبما لاحظوا ذلك مني في المغرب” (السعادة 27 أكتوبر 1922).
ومرة أخرى أشفق على الأقلام المحترمة التي أغرقتها المجلة في زجاجات الخمر للنيل منها ومن مصداقية أعمالها مهما اختلفنا معها، فهل ستنتفض ضد هذا الاستغلال البشع من قبل من عميت بصيرته وظهرت خسته وخبث طويته؟