«جودة التربية والتكوين وشرط التقويم».. موضوع مداخلة ذ. محمد احساين
في ندوة: مؤسسة المهدي بن عبود للبحوث والدراسات والإعلام حول: «المسألة التعليمية في المغرب»
هوية بريس – محمد احساين
الجمعة 30 ماي 2014
اهتماما منها بالمشهد الثقافي والتربوي ببلادنا وإسهاما في النقاش الدائر حاليا حول إصلاح التعليم بالمغرب، خاصة بعد اعتراف أعلى سلطة بالبلاد بما وصل إليه نظامنا التربوي، وما تؤكده بعض التقارير الدولية من تدهور وانتكاسة… وسعيا منها إلى المشاركة في رص لبنات الإصلاح على أسس القيم والهوية، والاعتراف بذاتية الشخصية المغربية، وإعادة توهجها بعد ظهور بوادر بعض المبادرات المتجهة نحو مزيد من التغريب والتبعية…؛
نظمت مؤسسة المهدي بن عبود للبحوث والدراسات والإعلام، وبتنسيق مع العصبة الجهوية لدكاترة وزارة التربية والوطنية جهة الدار البيضاء، ندوة فكرية يوم الأحد 25 رجب 1435 / 25 ماي 2014، لمناقشة المسألة التعليمية في المغرب ورهانات المرحلة المتضاربة بين الهوية والانفتاح، والوحدة الوطنية، والتوجيه الأكاديمي بين هندسة السوق وحاجات الإنسان، وثنائية التعليم العام والتعليم الخاص، من خلال المناهج التربوية والبرامج التعليمية في صيرورتها وأبعادها، ورصد للتحولات الناتجة عن ثنائيه النموذج التعليمي بالمغرب…. وما يستلزم ذلك من تأهيل وتقويم كمدخل أساس لتجويد المنتوج التربوي انطلاقا من الإشكالية التي بلورها منظمو الندوة كالآتي:
” تستهدف المنظومة التربوية المغربية في سياستها التعليمية صيانة الثوابت من التذويب أو الاختراق باعتبارها أساس استمرار وتميز الشخصية الحضارية المغربية دولة ومجتمعا ثم لكونها تشكل عبر التاريخ المشترك المرجعي للوحدة الوطنية ومنطلق أي تنمية مستدامة في الموارد والمعارف والبيئة والاقتصاد. وبالمقابل تتفاعل وبالتماهي الواعي مع العالمية النظمية والمعرفية والتقنية عبر انفتاح هادف لاستثمار أفضل للموارد الطبيعية والبشرية والتأهيل العلمي العالي لصناعة الأطر التي ستساهم في نهضة المغرب الشاملة في أفق تأهيله للانتقال إلى اقتصاد ومجتمع المعرفة. هذه الثنائية الثابت والمتغير في السياسة التعليمة من حيث جدلية العلاقة ومن يؤطر من؟ يجعلنا نتوخى من الندوة:
ــ التشخيص الدقيق لمظاهر وضعية السياسة التعليمية الحالية وضبط مظاهر الخلل قصد تجاوزها وعناصر التفوق لتثبيتها وتطويرها
ــ تحديد وتحليل مفردات السياسة التعليمية المغربية في هذه المرحلة والمرحلة القادمة، والتي تفرض ضرورة تأهيل المغرب علميا عبر تعليمه للقيام بدور مركزي في إفريقيا والعالم العربي مع الاحتفاظ بخصوصياته
ــ تقديم رؤية علمية لترقية المنظومة التعليمية المغربية عبر السباسة التعليمية للمغرب في البعدين النظري والإجرائي وفي علاقتها بمختلف المكونات المرتبطة بها انطلاقا من بناء مضمون البرامج التعليمية على المبادئ التربوية والنظريات المرجعية المحددة للشخصية المأمولة والمستهدفة عبرها وتقديم موقف علمي وموضوعي من المداخل البيداغوجية المعتمدة وتطبيقاتها الديداكتيكية إلى جانب تقييم وتقويم لغة التدريس ومدى نجاعة الازدواجية والتبعية الفرانكفونية
– التاسيس لمنظومة تربوية تمتلك القدرة العالية في الإنتاجية والمنافسة وفق معايير الجودة الدولية وبالمقابل تسهم في انتاج الإنسان المغربي المعتز بهويته وانتمائه الحضاري.
وقد شرفتني اللجنة المنظمة للمشاركة ومناقشة تلك الإشكالية ن وتحقيق بعض أهداف الندوة، بمداخلة ضمن برمجة متنوعة المحاور كانت كالآتي:
مواد البرنامج | المتدخلون |
– قراءة آيات بينات من الذكر الحكيم | |
– كلمة مؤسسة المهدي بن عبود للبحوث والدراسات والإعلام | د. عبد الفتاح فهدي |
– كلمة العصبة الجهوية لدكاترة وزارة التربية والتكوين بجهة الدار البيضاء | د. عبد اللطيف خلابي |
– المداخلة الأولى: إشكالية المنهج في البحث العلمي | ذ. آمحمد طلابي |
– المداخلة الثانية: المنهاج بين التصريحات المنشودة وإكراهات الواقع | د. لحسن توبي |
– المداخلة الثالثة: صيرورة السياسة العمومية في مجال البحث العلمي | د.رشيد قابيل |
– المداخلة الرابعة: الجودة في التربية والتكوين وشرط التقويم | ذ. محمد احساين |
– المداخلة الخامسة: أنشطة التوجيه والتقويم بين تحديات الواقع ورهانات التطوير | ذ. خالد مجيدي |
المداخلة السادسة: وضعية التعليم الخصوصي وآفاق تطويره | د. السعيد صنير |
مناقشة وردود | |
التوصيات وتسليم شهادات المشاركة |
وقد حاول المشاركون في الندوة الوقوف على بعض مكامن الخلل ومداخل إصلاح المنظومة التربوية من خلال العروض وما أعقبها من مناقشة وتعقيبات…
وفي مداخلتي المخصصة لموضوع التقويم أفصحت عن بعض الدوافع التي حفزتني للمشاركة ومنها:
– ما أثارني من إقدام مسؤول سابق على قطاع التربية والتكوين من الغاء برامج ومشاريع تربوية وبيداغوجية بجرة قلم بل وبتعليمات شفوية ودون ما كان يجب القيام به من تقويم وافتحاص لدعم الايجابيات والمكتسبات ومعالجة الاختلالات. باعتبار ان المنطق السليم يقول بان منظومة التربية والتكوين لا يمكن النهوض بها في غياب اليات واجراءات صارمة للتقويم.
– ما للتقويم من أهمية وراهنية في تجويد المنظومة التربوية، وتأهيل فاعليها، حيث يعتبر من الإشكالات البنيوية التي يتم دائما تأجيل البحث الموضوعي المعمق فيها، أو عدم المغامرة في إيجاد حل ناجع لها، لما له من علاقة تلازمية بالمسألة التعليمية، في مدخلاتها ومخرجاتها ؛ إذ يعبر عن واقعها المرير، ويسهم في فتح آفاق لتطويرها.
– الاسهام في ترسيخ ثقافة ربط المسؤولية بالمحاسبة والجزاء باعتبار التقويم مدخلا للحكامة والشفافية…..
وانطلقت في المداخلة من إشكالية تجسدها عدة تساؤلات، منها:
– ما دور التقويم في تأهيل الفاعلين في التربية والتكوين؟
– وكيف يعمل التقويم على تقليص المسافة بين القرار التربوي والبيداغوجي والممارسة المهنية؟
– وإلى أي حد يمكن أن يسهم التقويم في جودة منظومة التربية والتكوين ومعالجة إشكاليات المسالة التعليمية بالمغرب؟
ولمقاربة هذه الإشكالية اقترحت المحاور الآتية:
1- مسارات الإصلاح التربوي بالمغرب وطموح الجودة.
2- مطمح الجودة وضرورة العصر.
3- تفعيل البعد التقويمي كمدخل أساس لإرساء الجودة في التربية والتكوين.
4- مدخل الكفايات وواقع التقويم.
5- واقع الممارسة التقويمية: العوائق والمقترحات.
وقد كان التركيز في المداخلة على مشكل التقوبم في علاقته بالكفايت، ومن تم رصد مجموعة من العوائق التي تتطلب مقترحات لتجاوزها. والفقرات التالية توضح ذلك:
1- مدخل الكفايات وواقع التقويم:
لعل العملية التربوية الحديثة وجهت اهتمامها إلى المخرجات التربوية التي يجب أن تكون انعكاسا صادقا للأهداف التربوية المحققة للكفايات، ومن هذا المنطلق تأتي أهمية تقويم الكفايات، والملاحظ هنا:
– غموض مفهوم الكفايات في وثائقنا الرسمية، وتشتت بين خلفياتها (الفرنكفونية والأنكلوساكسونية…) مع غياب الإطار المنهجي للتدريس بالكفايات، وهذا ينعكس سلبيا على مشكل التقويم وقدرته على تقويم الكفايات،
– المقاربة بالكفايات المطبقة نظريا في مدارسنا اليوم وفي غياب شرط التقويم، لم تحقّق تكافؤ الفرص والتسوّية في الحظوظ بين المتعلمين.
– هناك اختلالات ومفارقات بين التدريس والتقويم،
– هناك مناهضة كل محاولة لإرساء نظام صارم لتقويم الكفايات (المذكرة 204 الخاصة بالتقويم وفق بيداغوجيا الإدماج مثلا).
– في الوقت الذي تنادي فيه المقاربة بالكفايات بمراعاة الفوارق وتطبيق البيداغوجيا الفارقية نجد من يتمسك بشعار تلفيقي هو “بيداغوجيا النجاح” بحيث أصبح ينظر إلى المتعلم باعتباره كلفة مادية وبالتالي أصبح النجاح أي الارتقاء الآلي أحد الشروط الضامنة لتجنب كلفة أكبر. مقولة “النجاح قاعدة والرسوب استثناء”.
– أضحى التقويم يهتمّ بالكم وبما يحصل عليه المتعلم من أعداد ودرجات أكثر من اهتمامه بالتطورات الحاصلة في كفايات المتعلّم ومكتسباته المعرفية والمهارية والسلوكية، وقدرته على تفعيلها في الكون والطبيعة والحياة،
– هناك اجتهاد رسمي في بناء الأطر المرجعية لمواجهة اختلالات التقويم الإشهادي ؛ لكن لا زالت هناك عوائق، منها:
– أن معظم إن لم تكن كل الامتحانات تركز على الجوانب المعرفية فقط وعلى المستويات البسيطة من هذه الجوانب كالتذكر والفهم مع إغفال المستويات العليا للتفكير كالتحليل والتقويم والتقييم.
– يلاحظ تباين بين نقط المراقبة المستمرة والامتحانات الإشهادية لدى كثير من المتعلمين
– ما يصيب التقويم بالخيبة ما يلاحظ من انتشار لظاهرة الغش الذي أصبح حقا مكتسبا في الامتحانات والتي تفقد الإطار المرجعي وعملية التعلم والتقويم معنىاه التربوي
– إن أمر تقويم القيم تلفه كثير من الصعوبات الموضوعية نظرا لطبيعة القيم التي تأبى أن تقوم من خلال أسئلة محددة.
2- واقع الممارسة التقويمية: المشاكل المرتبطة بالتقويم التكويني
– كثرة الأقسام واكتظاظها بالنسبة للمدرسين عامة، ومدرسي أساتذة التربية الإسلامية خاصة
ـ عدم صلاحية كثير من الأساليب المعتمدة، من حيث “الصدق” و”الثبات” و” الواقعية “… ومن حيث قدرتها على تغطية مختلف الجوانب المستهدفة.
– تركيزها على الامتحان بدل التكوين
ـ ضعف أسلوب التنقيط المستعمل والذي عادة ما يقدم قيمة نهائية وتجميعية يصعب معرفة وتحديد ما تعنيه وما تعبر عنه بالضبط.
ـ ارتباط ذهن المتعلمين بالنقطة، المعدل النهائي، النجاح، الانتقال… وهي الهواجس التي خلقها حاليا برنامج مسار
– تستدعي جهدا وعبئا ثقيلا على المدرسين والمتعلمين والإداريين إلى حدّ الإرهاق،
ـ الاعتماد على مقارنة التلاميذ بزملائهم (أي باعتماد الاختبارات مرجعية الجماعة)، بدلا من مقارنتهم بما كانوا عليه وما أصبح بإمكانهم القيام به بعد التعليم
– انعدام الانسجام بين مكونات العملية التعليمية، النظر لعمليتي التدريس والتقويم على أنهما عمليتان منفصلتان
– غالبا ما ينصب على تمحيص الجانب المعرفي فقط تاركا الجوانب الأخرى والمهمة من شخصية التلميذ.
– استعمال النقط يقتصر دوره فقط على ترتيب وانتقاء التلاميذ، الشيء الذي يترتب عنه عواقب وخيمة: الفشل الدراسي، التكرار…
– غياب التقويم التشخيصي والتكويني وسيادة التقويم الإجمالي لا يسمح بالكشف عن مواطن الضعف والقوة عند التلميذ، وبالتالي لا يمكن معرفة مؤهلاته لتوجيهها وتنميتها.
3- تراكم المشاكل يؤدي إلى عقم التقويم
مفهوم الجودة يشير بشكل مجمل إلى مجموعة المعايير والإجراءات التي تهدف إلى تحقيق أقصى درجة من الإتقان في نتائج التدريس ومخرجات المؤسسة والتحسين المتواصل بأكبر مردود وأقل جهد وتكلفة ممكنين،
وفي غياب تقويم بمعايير ومؤشرات واضحة يفقد مفهوم الجودة معناه الحقيقي ؛ إذ الملاحظ:
– أن هناك خلل في عملية تقييم أداء المدرس، مما أدى إلى حصول نسبة عالية جداً من المدرسين على تقدير ممتاز في أدائهم، مع أن واقع العملية التعليمية لا يطابق هذا التقييم
– ضعف الاهتمام بجانب تقويم الأداء، وتكريس ثقافة الامتياز التي سادت في الأوساط التعليمية، بل ويلح على ذلك بالاحتجاجات والإضرابات
– انعدام مبدأ المحاسبة وترتيب الثواب والعقاب،
– طغيان ثقافة المجاملة على حساب المصداقية في التقييم.
رابعا: مقترحات
– الحاجة ماسة إلى تطوير العمل بالكفايات تدريسا وتقويما
– مدخل الكفايات يستلزم بالضرورة تقويم معارف ومهارات، وقيم ومواقف، من خلال وضعيات مشكلة. ومن ثم وجب:
– تطوير آليات التقوبم
اعتماد وضعيات مركبة تتجاوز الأسئلة الاسترجاعية المباشرة، من أجل جعل المادة الدراسية تسهم في الرفع من جودة التقويم ومصداقيته؛
مراعاة طبيعة المواد الدراسية التربوية والقيمية،
– تفعيل مدخل التقويم خلال التكوين الأساسي والمستمر والتتبع والمواكبة كشرط في إنجاح الممارسة المهنية
– ضرورة ربط العمل التربوي المدرسي والجامعي ومؤسسات التكوين والتأهيل بالتقويم ومراعاة الانسجام في ذلك ( نلاحظ التعاطي مع امتحانات الباكالوريا بنوع من الصرامة وبنوع من التوحيد، في الحين ينقطع ذلك فجأة في التعليم العالي حيث تصبح الامتحانات نزوية بمعنى ما وخاضعة لتقديرات الاستاذ الذاتية ولنواياه الحسنة والسيئة وبشكل صارخ…)
– إعادة الاعتبار لمصداقية الامتحانات باسترجاع صرامتها السابقة، ومحاربة ظواهر الغش والتسيب
– العمل على تقويم المناهج الدراسية لتأخذ أبعادا تشخيصية، وقائية، علاجية، تؤدي إلى تحسن العملية التربوية التعليمية وتطورها
– ضرورة إعادة النظر في تقويم الأداء.
– الحرص على تقدير المسؤولية، ولا سيما إنجاز البرامج الدراسية المقررة في الفترات المحددة لها؛ وتأمين الزمن المدرسي
– توحيد أشكال التقويم ضمانا لتكافؤ الفرص وإسهاما في تطوير التدريس وتحقيق الجودة؛ بتدقيق وحسن توظيف الأطر المرجعية
– تفعيل البعد التكويني للمراقبة المستمرة وعدم اختزالها في البعد الجزائي للتقويم؛
– تقييم فاعلية التدريس في كل مساق من خلال استطلاع رأي المتعلمين والآباء…
– جعل التقويم حافزا على إعادة النظر في المسار المهني الوظيفي لكل متدخل في العملية التربوية؛
– تقويم مدى تفعيل البعد القيمي والأخلاقي للمهنة وتعزيز الانتماء للقيم الدينية والوطنية والانفتاح على مكاسب الحضارة الإنسانية؛
على سبيل الختم:
خلاصة لما سبق، لا يمكن تصور الجودة في التعلمات وفي نظام التربية والتكوين في غياب فعالية ونجاعة التقويم،
وما دام أمر التقويم يرتبط بالنظام التربوي، فهو في عمق المصلحة العامة للبلاد، وكل خلل أو اختلال فيه يمكن أن يؤدي إلى مفسدة، وبالتالي فإن التقويم يصبح شرطا لازما يتوقف عليه طموح الجودة في التربية والتكوين، بما يحمله مفهوم الجودة من دلالات تحسين أوضاع العملية التعليمية والأنظمة القائمة، وتقديم الخدمة المميزة شكلا ومضمونا، وطريقة أداء وبأسلوب صحيح، متقن، ووفق مجموعة من المعايير والضوابط، وتحسين نوعية المخرجات النهائية. وزيادة الكفاءات ومعالجة الانحرافات… بغية تحقيق ما يصبو إليه المجتمع من تطوير كفايات أبنائه، وتأهيل أطره، والاعتماد على ذاته في استثمار طاقاته، وتقدير إمكاناته… كمدخل أساس لاستنبات التنمية التي تستعصي على الاستيراد والاعتماد على الغير.
والله ولي التوفيق، والحمد لله رب العالمين.