المجوسية المعاصرة ذلك الطعم الذي يتكرر ابتلاعه
ذ. محمد بوقنطار
هوية بريس – الثلاثاء 03 يونيو 2014
«لو خصصت أخي جزء من الجهد للكتابة عن آفة الصهيونية والتطبيع مع الكيان الصهيوني وقضايا الاستبداد والفسوق والفجور العربي وحقوق الإنسان والمسلمين في كل مكان… ومع ذلك جزء لنقد الإخوان الشيعة والمتشيعين فنتوجه لمكامن الداء بدل التيه في مواضيع جد ثانوية… فهناك آخرون غيرك يقابلونك تماما وإني لأقول لهم نفس الشيء ربنا يهدينا جميعا».
هذه العبارة وردت كتعليق لأستاذ فاضل وباحث متنوع المشارب والمشارف في دائرة السنة وانتساب التسنن طبعا، وذلك مباشرة بعد نشر مقالي الأخير على حائط صفحتي للتواصل الاجتماعي «فيسبوك» والخاص بقضية تشيع بعض المغاربة، وملحظ الفارق الزمني بين إباء الأمس وإصابة اليوم، وقد قمت بنقلها بكل أمانة بعيدا عن احتمال عبث يصيب المبنى فيقدح في المعنى، مع ما تخللها من تصحيف كاد يشذ بنا عن فهم طرح الأستاذ الكريم ومراده من وصيته وتوجيهه لصوب الدفع، توجيه جعله يخندق الدفاع عن عرض النبي وشرف أمهات المؤمنين وعدالة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في خانة القضايا والمواضيع الجد ثانوية سامحه الله، وقد لا يكون هذا بالمستغرب ولا بعيد الوقوع من -ولا نقول عين من أعيان أهل السنة- جيل فقد بوصلة إدارة الأزمة، بل فقد منخلة العقيدة وتشرب طعم تورية أصولها عند نقطة تعاطيه مع قضية الولاء والبراء وفاعلية تأثيرها في مقام حماية ثغور الإسلام وحصون العقيدة الفاصلة في هذا الخصوص.
وليس المراد من اجترار ذلك التعليق وجعله في مقدمة الكلام الحط من كرامة السيد الأستاذ وإفراد الرد عليه وجعله موضع ركن مقصوف، ذلك أنه إن كان معلوم العين عندي فهو مجهولها بالنسبة للكثيرين إذ يكفي هنا أن نكني ونرمز بما سبقنا إليه سيد المعلمين عند قوله عليه الصلاة والسلام «ما بال أقوام».
ولكن المراد التنبيه على أن هذا الزحف الإيراني الموبوء والتوسع الرافضي في جغرافية الهلال السني هو توسع لا زال يتغذى عبر عملية تمططه على هذه المادة السنية الدسمة، التي لم تكفها كل هذه القرابين المأساوية التي وصلتنا مآسيها بالصوت والصورة والرائحة، والتي كونت ركاما ضاربا في الطول والعرض من جثث الرضع المذبوحة، والحرائر المغتصبة، واللحم السني المحنود المطحون بين فكي رحى الآلة الإيرانية وأذرعها العسكرية القاتلة المعربدة في المنطقة.
لم تكفها لتكوين رؤية صائبة بديلة عن طوباوية فكرة وفعل الثورة الخمينية، رؤية تغادر دائرة الغفلة والجهل المركب الذي ما يزال أهله من الأخسرين فكرا وقراءة يعزفون ذلك اللحن القديم، الذي يرى في الجمهورية الفارسية الإيرانية الخط الثوري الإسلامي المقاوم الممانع للغرب وعملائه، ويصف علاقتها بالغرب بأنها كانت ولا تزال علاقة عداء مستحكم دائم متصاعد.
وهو وصف لا يزال اعتماده وتبنيه بعمق وحميمية من هذه الأطراف المغبونة إن صح التعبير، يجعل من أي طرح مخالف وفصيل معادٍ مجرد تجلٍّ يعكس حقيقة عمالة هذا الطرح وتحالف متبنيه مع قوى الغرب الإقليمية وعلى رأسها بطبيعة الحال «إسرائيل» الصهيونية من أجل المساس والقضاء على الحلف الشيعي الممانع المقاوم.
وليس يدري المرء بعد سقوط ورقة التوت عن دعوى المقاومة وانكشاف المستور والمتواري من حقيقة وجود تواطؤ بين شيعة المنطقة و«إسرائيل»، شهدت به شخصيات رسمية شيعية، أي عذر وضرورة مقدرة تبيح لهؤلاء المغبونين أكل جيفة هذا الاعتقاد المتسفل في نقيصة الجهل القاتل.
فهذا صبحي الطفيلي أول أمين عام لحزب الله وهو يمارس إحدى خرجاته البعيدة عن تقية الصمت والكذب المقدس يقول: «وحتى لا نخدع أنفسنا أقول لا شك أن هناك حوارا أمريكيا إيرانيا بدأ قبل غزو العراق، وأن وفدا من المجلس الأعلى للثورة الإسلامية المؤيد لإيران زار واشنطن لهذه الغاية وأن التيارات الإيرانية في العراق هي جزء من التركيبة التي تضعها الولايات المتحدة في العراق».
بل إن «حزب الله» وهو يلوح بورقة المقاومة ويمارس الدعاية وفن افتعال الضجة حول رايته الصفراء الفاقع لونها والتي يتوسطها الساعد الشيعي القابض على زناد البندقية الشيعية في دلالة رمزية لها أكثر من مدلول، ينسى أحيانا فيعترف في غير مكرهة بأنه تصدى بحزم بل أحبط العديد من العمليات التي يصفها بـ «الأعمال المحظورة» والتي يمارسها الفصيل الفلسطيني السني المقاوم.
وفي هذا الاتجاه يأتي تصريح صبحي الطفيلي في حوار كانت أجرته معه قناة الجزيرة في برنامج «زيارة خاصة» والذي أقر بكون الإسرائيليين استطاعوا بتفاهم «نيسان» مع حزب الله تحييد الحزب ليكون بمنأى عن ضرب الأهداف اليهودية في فلسطين.
مضيفا في حوار آخر: «لقد بدأت نهاية «هذه المقاومة» مذ دخلت قياداتها في صفقات كتفاهم يوليو 1994م وتفاهم أبريل 1996م والذي أحاط المستوطنات الإسرائيلية بهالة من الحماية والضمانات التي سطرت بنودها بتوقيع وموافقة لوزير خارجية إيران».
فأين هذا من حقيقة تلك الخرجات المترادفة والتي ترفع في جرأة وعلانية وصدع مقولة: «الموت لأمريكا الموت لليهود الموت لإسرائيل» و«مسح الوجود الإسرائيلي من خارطة المنطقة» والتي لا زالت كذبتها تنطلي على حظ لا يستهان به من المغنم السني المفارق للجماعة التارك لدينه.
ولربما كان الغرض دائما من فتح جبهة المدافعة من هذه الجهة هو أن يتعرى الباطل وينسلخ من عباءة السندس التي يتدثر بها فيراه الناس ويقفون على قباحة منظره وشناعة مخبره، وإن كنا نرى أن المنصف المعافى المتجرد للحق تكفيه إشارة القدح في أعراض بيت النبوة وتجريح عدالة نقلة الوحي من الرعيل الذي زكّاه الله ورسوله والملائكة والناس أجمعون، ليدري من معه ومن هو عليه، وليتجنب أن يخالل من يحد له سكين النسك الغادر، ويحفر له في دلجة غسق الشر ألف قبر وقبر، بينما هو باسم الأخوة في الدين وغثاء المليار المدخول، وسعيا وراء سراب دعاوي التقريب يحسب هذا العدو وليا حميما.
والواقع أن الوقوف على حقيقة المشهد العدائي ضد أمة الوسط لا يمكن أن يكون وقوفا ولا أن نسميه وقوفا في مقام المدافعة، وذلك عند حصر الدفع بالكفاية والاكتفاء بمقال هنا ومحاضرة هناك وخطبة جماء «لا قرن لها» هنالك، ثم نركن بعد هذا النزر الرسمي إلى السكوت والبيات الطويل الليل لنعزف لحن الصمت وسيمفونية الإمساك القاتل، منتظرين بشوق وحنين قدوم الإشارة الرسمية التي تحرك شراعها رياح المصالح والإملاءات الإقليمية وأهواء القوى المتجبرة في الأرض، فنعيد الكرّة ونستأنف نشاط الحملة بكتابة مقال هنا ومحاضرة هناك وخطبة هنالك.
وكما كان البدء معلقا يأتي الختم محققا بالإشارة الرسمية مرة أخرى يشوبها عنصر المباغتة بأمر سبابة اسم وعرض رسم لينقطع السيل مرة أخرى، ولتبقى جذوة المجاهدة والدفع تمارس احتضارها بين خوف التعليق ورجاء التحقيق الذي يلف جيده حبل المسد القوي الشد الأدق الحد، الذي يمسك طرفه الأول شيعي رافضي قاتل متربص من الداخل، بينما طرفه الآخر بيد متسلط إقليمي يناور من الخارج وتنوب عنه أطياف وأوزاع كان قد بتها بين ظهرانينا ورعاها بكل نفيس، ولم ينس أن يأمرها في دائرة تقدير مصالحه التي لا تنفك عن مصالحها إلى أن تنحني لرياح التشيع العابرة للحدود رجاء أن يلعب وتلعب في المستقبل القريب على ورقة الطائفية لتحييد المشروع الإصلاحي الإسلامي وركنه قصيا مقصيا يمارس قدر الموت بعيدا عن ضجيج مدنية الحداثة ومجتمعها المتحرر المسالم الطوباوي الناضح بمقومات الحياة والإعراض عن منغصات القيد الديني ومكرهة أحكامه.