«العُقدَةُ المشرقية»
عبد الكريم القلالي
هوية بريس – الخميس 05 يونيو 2014
تكاد تتفق كلمة كثير من الذين يعانون من العقدة المشرقية على نقد كل ما هو مشرقي عند حديثهم عن أمر من أمور الدين أو الثقافة ببلدنا، ناعتين ما لا يتسق مع هواهم ولا يساير أهواءهم بأنه عادة مشرقية دخيلة، وهم بذلك يوحون إلى أوليائهم بالقطيعة مع ما هو مشرقي والتنكر له واعتباره أمرا مسيئا ينبغي أن يقابل بالصد والممانعة، ولو أن هؤلاء القوم سلكوا المسلك نفسه، مع الوافد من الأفكار والدخيل من سلوكات الأمم التي يعبدونها، لزعمنا أن القوم لديهم غيرة على عادة البلد وخصوصياته؛
بيد أنهم يستقبلون بتبعية عمياء ما لا يصلح من عادات أمم الغرب في غدوتهم وروحتهم، وقعدتهم وقومتهم، ويرونها انفتاحا وتقاربا وتلاقحا بين الأمم والشعوب؛ وهم لا يأخذون من تلك الأمم إلا نعيقها وضجيجها وصفيرها، ويتلقون كل ذلك بصدر رحب، ومورد عذب؛ فإذا جاء أمر من الشرق ثارت ثائرتهم، وأرعدوا وأبرقوا في نقده كان حقا أم باطلا؛ فلو صدقوا في انفتاحهم لانفتحوا على أمم المشرق والغرب؛ فبأي حق هذا التمييز المنافي للقيم الإنسانية والإسلامية والكونية.
وهم يتسترون تحت الوطنية حينا وتحت مسميات أخرى أحيانا. والوطنية والذود عن حماها أمر مطلوب, ولكن يجب أن يكون ذلك في سبيل الإنسانية وتحت ظلالها، بيد أنك لو تأملت ما يزعمون من وطنية إزاء ما يتبجحون به من انفتاح، لألفيت مزاعمهم خيالات باطلة وأوهاما كاذبة.
إن من يدعي الانفتاح ينبغي أن لا يميز بين الأفكار على أساس المصدر والمنشأ، بل الموضوعية تقتضي النظر إليها بتجرد واعتبارها حقا أم باطلا بقياسها بمقياس الحق والباطل.
وإنا إذ نقر أن لكل بلد أعرافه وتقاليده التي ينبغي أن تراعى، وهي محكمة عند أهل كل بلد، فإننا ننكر العنصرية المقيتة الرامية إلى تفريق المسلمين الذين جعلهم الدين الإسلامي إخوة وأمة واحدة تربطها رابطة الأخوة والعقيدة، وبعضهم يريد أن يجعل للمشرق دينا وللمغرب دينا آخر والدين عند الله واحد، فالرب واحد سبحانه عز وجل، والنبي صلى الله عليه وسلم نبينا جميعا، والقبلة قبلتنا جميعا، والقرآن قرآننا جميعا؛ فما مصدر هذا التفريق وما أساسه؟
وإني لا أنكر أن يعتز كل فرد بعادات بلده وخصوصيات بني قومه، ولكني لا أدري هل يوجد ذلك على هذه البسيطة أم لا؟!
فقد تجد من ينكر إدراج مفردات مشرقية في الكلام لكنه لا يتورع عن التفوه بكلمات أجنبية يعدها مصدر فخر، وإن رآك لبست ما ليس من لباس قومك، رماك بشتى التهم وتراه يلبس ألبسة غريبة عن بني جلدته مسوغها عنده أن مصدرها من الغرب الغالب، الذي له القول والفصل في صيحات ما يصل المجتمعات في هذا الظلام الحالك والليل الأليل.
وإن أردنا ضرب الأمثلة والاقتباس فأخذ ذلك ممن يقربنا فكريا من أمم الأرض أولى ممن بيننا وبينهم فجوة عميقة وسدا منيعا.
فإن ضربنا مثالا بالحضارة “فلنضرب لهم مثلا بحضارة بغداد وقرطبة، لا بباريس ورومة، وإن دعوناهم إلى مكرمة فلنتل عليهم آيات الكتاب المنزلة وأقوال حكماء الشرق لا حكايات روسو وباكون ونيوتن. وإن دعوناهم إلى تاريخ؛ ففي تاريخ خالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص وموسى بن نصير وصلاح الدين ما يغنينا عن تاريخ نابليون وولنجتون، وفي وقائع القادسية وعمورية وأفريقية والحروب الصليبية ما يغنينا عن وقائع واترلو وترافلغار وأوسترليتز”.
وعار على المسلمين أن يعرفوا عن تاريخ الغربيين ما لا يعرفونه عن تاريخ المسلمين، “ويحفظون من تاريخ الجمهورية الفرنسية، ما لا يحفظون من تاريخ الرسالة المحمدية، ومن مبادئ “ديكارت” وأبحاث “درون” ما لا يحفظ من حكم الغزالي وأبحاث ابن رشد، ويروون من الشعر لشكسبير و”هوجو” ما لا يروون للمتنبي والمعري”.
إن كان صحيحا ما ينكره المصابون بالعقد المشرقية فسعادتي أن أراهم يتنكرون للعادات الغربية، كتنكرهم لكل ما هو مشرقي، وهيهات هيهات…!
وهنالك عقدة أخرى مغربية مبثوثة في الشرق علنا نتناولها في مقال لاحق إن شاء الله…