الحقوقيون وبيان الصحفي المناضل المعتقل مصطفى الحسناوي!!!
الدكتور محمد وراضي
هوية بريس – الثلاثاء 20 غشت 2013م
في جريدة “هوية بريس” الإلكترونية، وقفت صدفة على بيان للمناضل الصحفي: مصطفى الحسناوي. والذي يحمل تاريخ يوم الجمعة 02 غشت 2013م. ولما اطلعت على مضمونه، ارتأى لي أن أسهم في توضيح بعض من معاناة الرجل الذي أعرفه عن قرب، كما أشار هو نفسه إلى ما يربط بيننا في بيانه المذكور أعلاه. وحتى أشرح ما أريد شرحه -موجها إلى كافة الحقوقيين والصحفيين ووزير الداخلية ووزير العدل وكل المغاربة- أطرح جملة من التساؤلات التي على هذه الأطراف جميعها الإجابة عنها ما دامت تنشد إرساء دعائم دولة الحق والقانون على أرضنا. بل يذهب بعض منها إلى أن دولتنا الآنية لا تقوم إلا عليهما، ومن ادعى عكس هذا الطرح، فليختبر ما يجري أو يمتحنه!
نقول: هل للمواطن المغربي حق الحصول على جواز أو على بطاقة سفر؟ وهل له حق استخدامها -إن هو حصل عليها بكيفية قانونية- للسفر متى يشاء وإلى أين يشاء؟ وإذا كان لديه حق التمتع بفوائد جواز سفره، هل تملك السلطات أن تفرض عليه تجنب الذهاب إلى حيث يريد؟ والحال أن ذمته خالية من ارتكاب أية جنحة، بل حتى أية جريمة؟ وهل في القانون المغربي بند أو فصل يحذر المواطنين من الاتجاه إلى بلدان محددة في أحوال عادية، وفي أخرى غير عادية لأسباب معلنة، مع أنه طالما حذرت بعض الدول مواطنيها من السفر إلى مناطق ما تجنبا لما يمكن أن يتعرضوا له من مخاطر داهمة؟ ومحاكمة النوايا، وملاحقة المواطنين من باب الظنون والتخمينات مع غياب الأدلة المادية، هل يدخل في إطار دولة الحق والقانون؟ وإن كان كذلك، فكيف نميز بين الأول والثاني؟ كان التمييز بينهما استنادا إلى النقل، أو كان استنادا إلى العقل (= القانون الوضعي)؟
والصحفيون بصفتهم صحفيين، هل هناك نصوص قانونية تحول بينهم وبين القيام بتحقيقات أو بدراسات ميدانية لظاهرة اجتماعية، أو لظاهرة اقتصادية، أو لظاهرة دينية، كالتي أنجزها المناضل الصحفي مصطفى الحسناوي في أول سفر له إلى تركيا منذ أربع سنوات؟ أو لا يمثل منعهم من القيام بمهامهم خرقا للقوانين المغربية، وللأعراف أو للقوانين الدولية، وفي الوقت ذاته اعتداء سافرا على الحريات، وتلغيم العمل الصحفي حتى يفقد ممارسوه الجرأة على الصدع بالحق؟
ومتى تعرض صحفي ما للمضايقة، أو للاعتقال الذي لم تتضح أسبابه أو دوافعه، خاصة متى انعدمت الأدلة المادية بخصوص التهمة أو التهم التي وجهت إليه، أو ليس من واجب نقابة الصحفيين أن تستنكر وتستقبح وتحتج، وتبين للخصوص قبل العموم جلية الأمر؟ أم إن عليها أن تلجأ إلى الصمت، وكأن المعتقل الذي ينتمي إليها كأسرة قد خان رسالتها، أو اتهم من طرفها بارتكاب عمل يسيء إليها وإلى دورها في الدفاع عن حقوق المعدودين من أفرادها؟ وفي الدفاع عن حقوق أي مواطن مهما تكن قناعاته الدينية والأيديولوجية وانتماءاته الحزبية والسياسية؟
والصحفيون فرادى لا جماعات أو تكتلات، أو ليس من واجبهم الاستفسار والاستعلام عن زميل لهم تعرض لمكروه، هو الاعتقال التعسفي لدوافع سياسية محضة، كما هو وارد في بيان من يعنينا أمره، والذي لا شك هو الآن بين يدي الصحفيين والحقوقيين داخل المغرب وخارجه؟
قد نفهم خلفيات الجرائد الحزبية وشبه الرسمية وحتى المستقلة أو شبه مستقلة، يعني دور مدرائها ورؤساء تحريرها، إلى حد أنهم يخضعون معاونيهم لتوجيهات صارمة، تجعلهم يترددون في إنجاز عمل صحفي ما خوفا من تعرضهم للتقريع الذي قد يصل أحيانا إلى حد فصلهم عن العمل!
وأذكر أنني وقفت مباشرة على نماذج مما أعنيه، ودون الدخول في التفاصيل، عبرت مرة لمدير جريدة مستقلة عن رغبتي في تناول موضوع يتعلق بـ”الأوقاف” وقال لي -دون أن يمعن نظره في المسألة ولو ليوم واحد- “وزارة الأوقاف وزارة سيدنا”؟ وقلت له مرة أخرى: أنا غير مرتاح إلى الفكر الصوفي الهدام لدى الراحل عبد السلام ياسين رحمه الله، فرد علي بكون الرجل الآن رهن الإقامة الجبرية! وأظهرت نفس الرغبة لمدير جريدة أخرى، فاعتذر لي بكونه خائفا من أتباعه الذين سوف يهاجمون مقر جريدته في أي وقت!!!
بصرف النظر عن تعصب مدراء الجرائد لخطهم الفكري والأيديولوجي، مما يشرح لنا كيف أن المعتقل مصطفى الحسناوي اللامنتمي إلى أي فصيل سياسي أو ديني بعينه، لن يلقى أي اهتمام من لدن صحف العلماجيين لاعتقادهم بأنه متعاطف مع جهة من الجهات الإسلامية المنتشرة في بلدنا، فكان أن أصرت بعض الأقلام المأجورة على إلصاق تهمة الإرهاب به، أو على التحذير من الخطر الذي يمثله كواحد من المحرضين على الفتن والقلاقل! حتى ولو لم يحمل في يده غير القلم لإنجاز ما تتطلبه منه رسالته الصحفية، وهو يجوب دروبا وشوارع وأزقة مشيا على الأقدام.
فإن نحن عللنا حرص مدراء وسائل الإعلام بإخلاصهم للقناعات التي يحملونها، أو التي فرضت عليهم من جهات ضاغطة! والتي تتقاطع مع قناعات من يخالفونهم الرأي. فبم نعلل التصرفات المشينة للمنظمات الحقوقية التي يجمعها الادعاء العريض بكونها تدافع عن حقوق الإنسان؟ ثم يظهر للعيان كيف أن الإنسان الذي تدعي الدفاع عن حقوقه، إنسان متميز من نوع خاص؟ إنسان من الدرجة الأولى التي تحددها هويته الأيديولوجية؟ (أحمد عصيد نموذجا). أما إنسان الدرجة الثانية والثالثة والرابعة، فلا حقوق له، ولا التفات يحظى به من طرف هيئات حقوقية قد تتجاوز أحيانا مجرد التعبير عن الرفض والاستنكار، إلى الدعوة للاعتصام والاحتشاد، كما في حال دفاعها عن الدعاة المنادين بحرية المرأة في بيع جسدها بالسعر الذي تحدده! وكما في حال دفاعها عن قادة المقبلين على الإفطار نهارا في شهر رمضان! وعلى تفعيل الزواج المثلي في العلن اقتداء بالأوربيين والأمريكيين!!!
والحال أننا بالمغرب -والديمقراطية عندنا نسبيا عرفت بعض التحسن- لا نريد أن تنزلق الصحافة والمنظمات الحقوقية إلى المهواة التي انزلقت إليها الآن بأرض الكنانة. هذه التي تحولت فيها إلى مناسبات للتهارش والانقضاض على الديمقراطية الوليدة التي لم يذق المصريون طعمها إلا بعد أزيد من سبعة عقود، والتي لم يسد فيها غير طغيان العسكر وجبروته.
وكتقريب للنازلة التي تطلبت منا سوق ما سقناه، نشير إلى أن المعتقل الذي قام فعلا بزيارة موفقة إلى تركيا في بحر عام 2009م. كان قد أنجز هناك دراسة قيمة رائعة حول ظاهرة التدين الذي يطغى عليه الطابع الصوفي الرجعي المتخلف الظلامي. وكان أن جعل من هذه الدراسة مقدمة لكتابه “غلاة الصوفية وعرقلة النهضة الإسلامية”؟ وبعد أن وضعه بين يدي لمراجعته والإشراف على طبعه، احتفظت بتلك المقدمة التي هي بمثابة نبراس، بدونه يصعب استيعاب مضمون كتابه القيم ذاك. فقد أخبرني بسفره إلى تركيا لاستجلاء واقع الدين هناك عامة، ولاستجلاء واقع الفكر الصوفي والممارسات الصوفية خاصة، والتي تمثل خلفية من خلفيات حزب العدالة والتنمية الحاكم. وهي خلفيات تمتدحها أمريكا وتشيد بها، وتسعى جاهدة إلى تعميمها كنموذج يحتذى في كافة الدول العربية والإسلامية.
مما يعني أن الرجل صاحب قضية؛ فهو يسعى إلى مواجهة تحالف علماجي مشكل من السلطات الحاكمة، ومن الأحزاب، الذيلية المدجنة، بما فيها من ينطبق عليهم تماما اسم “الإسلاماويين”! إضافة إلى الأمريكيين والأوربيين المنزعجين من تنامي المد الإسلامي السياسي! حيث إن المنخرطين في التحالف الذي تشرف المخابرات الغربية بكل ألوانها على تفعيله، يقضي بضرب الإسلام الحق في الصميم، والترويج بالمقابل، وعلى نطاق واسع للفكر المنسوب ظلما وافتراء إلى الدين. نقصد القبورية والطرقية التي وجدت في الحلف وعنده مساندة مشروطة بالولاء المطلق له لا محالة، لتقوية وجودها على الصعيد السياسي، ولتمكينها من تضليل جماهير الأمة! ثم لاحتقار العقول وترسيخ العودة إلى الوراء التاريخي المظلم! إنها إذن قضية المناضل مصطفى الحسناوي. مما يفيد كونه مصرا على إيقاظ دعاة التقدمية والعقلانية من سباتهم العميق، خاصة وأن حضورهم في المشهد القبوري والطرقي آخذ في الازدياد بأدلة قاطعة قدمناها في غير ما مؤلف من مؤلفاتنا.
ثم إن الرجل أخبرني بسفره إلى تونس مطلع عام 2012م، كما أخبرني بسفره للمرة الثانية إلى تركيا بتاريخ 10/5/2013م. ورجوته الاتصال بالجهات الصوفية الطرقية والقبورية بتونس من باب التعرف على وضعهما هناك، للتأكد مما إذا كانت “تسقى بماء واحد” كمثل رائج مصدره الذكر الحكيم.
وقد اندهشت حين انتهى إلى علمي كونه قد تعرض للاعتقال فور عودته المبكرة المفاجئة إلى المغرب من تركيا، وهو الذي لم يستغرق سفره ذهابا وإيابا سوى تسع ساعات، منها حوالي نصف ساعة قضاها في ضيافة أمن إسطانبول الذي منعه من الدخول إلى البلد لأسباب تخصه. حيث إنه رجع في نفس الطائرة، وجواز سفره يشهد على هذه التفاصيل. وكل تهمته أنه كان ينوي السفر إلى سوريا لمشاركة الجيش الحر بها في القتال الدائر بينه وبين جيش نظام بشار الأسد العلماجي الطاغية! مما يفرض علينا التساؤل عما إذا كان اعتقال المواطنين المغاربة يقوم على أساس من الظنون والتخمينات -كما قلنا قبل الآن- ثم إخضاعهم لمسمى قانون الإرهاب، لتتم محاكمتهم بأربع سنوات سجنا نافذة كحال صاحبنا المناضل الملتزم الصامد. مع أن لديه ما يفيد كونه لن يتجاوز تركيا إلى ما وراءها لو سمح له بالدخول.
إنه يتابع دراسته في المعهد العالي للصحافة والإعلام بالدار البيضاء. ودراسته هذه تلزمه مصاريف شهرية لا تقل عن ثلاثة آلاف درهم. إضافة إلى كونه على أبواب الامتحانات التي أداها فعلا وهو مسجون كما انتهى إلى علمنا هذا الخبر المفرح والمحزن في آن واحد.
ثم إنه يمارس عمله الصحفي الذي يمكنه مدخوله من أداء فاتورة متابعة الدراسة، كما يمكنه من الاعتناء بزوجته المصونة التي تم له الزواج بها منذ بضعة أشهر. وهي الآن حامل، وعلى عتبة وضع أول مولود لهما.
فهل يعقل أن يعقد الرجل العزم على الذهاب إلى سوريا للقتال ويدير ظهره لوظيفته ولزوجته ولمتابعته لدروسه؟
أخيرا أملنا قوي في أن يهب المناضلون الأحرار، بغض النظر عن انتماءاتهم الفكرية والمذهبية لمساندته من خلال شرح وضعه للمسؤولين الأمنيين من جهة، ومن خلال الإلحاح على المطالبة بإطلاق سراحه من جهة ثانية، خاصة وأن تهمته مبنية على استنتاجات غامضة لا تخضع لأي منطق واقعي سليم بقدر ما تخضع لما يمكن أن يفهم من قول الأحناف: “إننا نستعد للبلاء قبل وقوعه”!!! وكأن الأمنيين يرسلون خطابا إلى المواطنين مؤداه أن كل من يفكر في القيام بأي عمل إرهابي، وأن كل من يظنون أنه يفكر فيه! سوف يجري اعتقاله ويقدم إلى المحاكمة وإن لم يشرع بعد في ممارسة أي عمل يهدد أمن البلاد واستقاررها! مما يعني أن محاكمة النوايا أصبحت مشروعة في ظل مسمى “دولة الحق والقانون”!!!
(الدكتور محمد وراضي)
الموقع الإلكتروني : www.islamthinking.blog.com
العنوان الإلكتروني : [email protected]