نقص وزن «البوطاغاز» والخبز وغش في نسبة حلاوة السكر وخلط الماء بالغاز
هوية بريس – متابعة
الأربعاء 18 يونيو 2014
تحقيق صحافي أنجزته جريدة «العلم» يكشف حقائق مذهلة وخطيرة: نقص في وزن غاز البوطان وغش في نسبة الحلاوة في السكر ونقص في وزن الخبز وخلط الغاز بالماء.
* خطير جدا: المغرب أضاف خمس سنوات لصلاحية فولاذ البوطا في غياب دراسة علمية وتجاوز لما هو معمول به عالميا.
* المواطن يدفع ما يزيد عن أربعة دراهم جزافا عند كل اقتناء لقنينة غاز.
* قصة الملايير من الدراهم التي تستل خلسة من جيوب المغاربة سنويا.
* موزعو الغاز لا دخل لهم في النقص أو الزيادة في وزن «البوطاغاز» على اختلاف أشكالها.
* اختلاط الماء بالغاز إشكال يمكن أن يطرح على مراكز التعبئة.
التحقيق
معلومات مذهلة، وحقائق خطيرة جدا، كشفها فريق من صحافيي هيئة تحرير «العلم»، تنقلوا بين مختلف المواقع ودققوا في كثير من الوثائق، وعاينوا ما عاينوه، تعمدوا التوجه عند الباعة بالتقسيط، واقتنوا عينات من قنينات غاز البوطان والخبز والسكر، واختلوا بها بحضور خبراء وقاموا بوزنها ومعاينة درجة الحلاوة في السكر ووزن الغاز في القنينة ووزن الخبز، فكانت المفاجأة الكبرى والخطيرة جدا، ذلك أن الوزن ناقص في قنينة الغاز بنسب متفاوتة، كما أن الغاز الموجود داخل القنينة مختلط بالماء بما يزيد من النقص من كمية الغاز الموجودة هناك، أما مستوى الحلاوة في مادة السكر فالمعاينة أكدت أنها متباينة ومتفاوتة حسب الجهة المنتجة لمادة السكر، بمعنى ليس هناك نسبة علمية مدققة يجب احترامها.
التحقيق لم يقتصر على الكشف على كل هذه المعلومات الخطيرة، بل أكد أيضا أن الدولة تأخذ بيسراها ما تعطيه بيمناها لصندوق المقاصة، بحيث أن تضريب المواد المدعمة خصوصا المحروقات والسكر يفضي إلى أن المبالغ المحصلة من الضرائب الكثيرة المفروضة على استهلاك المحروقات تفوق بكثير المبالغ التي ترصدها الحكومة للدعم، والحكومة بإعلان قرارها التحرير التدريجي لأسعار المحروقات فإنها تسعى إلى تقليص ثم إلغاء الدعم مقابل استمرار استفادة ماليتها من عائدات تضريب القطاع.
تحقيق العلم فسح المجال للخبراء وللمهنيين والاقتصاديين والمختصين لإبداء آرائهم واقتراحاتهم.
المعطيات التي يناقشها المغاربة فيما بينهم داخل أسرهم وفي المحلات التجارية حول المدة التي أصبحت تستغرقها «قنينة الغاز» بمختلف أوزانها الكبيرة والصغيرة، في الآونة الأخيرة، لا يقل أهمية عن النقاش الذي يمكن أن يثار حول هذا الموضوع في مؤسسات لها أهميتها على المستوى التشريعي أو على مستوى اتخاذ القرار السياسي، بل يكاد المتتبع يجزم أن حديث المغاربة عن «البوطاغاز» في محلات التقسيط، له من الأهمية ما يجعله ذا قيمة اجتماعية واقتصادية.
الغالبية العظمى من الأسر قلقة، وتشتكي حاليا من أن قنينة الغاز من نوع 12 كلغ والتي تعبأ ب 12 كلغ أخرى من الغاز، ويصل وزنها الإجمالي إلى 24 كلغ، كانت قبل أقل من سبعة أشهر تستغرق ما يقارب الشهر من الاستهلاك لأسرة تتكون من أربعة أفراد مثلا، وأصبحت الآن لا تتعدى 25 يوما من الاستهلاك، حتى أن بعض المواطنين قالوا إنهم أحسوا بذلك منذ تم إعلان الحكومة عن الزيادة الأولى في ثمن «الكازوال»، معتقدين أنه من الطبيعي أن تنعكس الزيادة في هذه المادة على كل المواد الاستهلاكية بما في ذلك «البوطا غاز».
للتأكد من المسألة قمنا بعملية وزن قنينة الغاز فارغة من الحجم الكبير، الذي يستعمل طبعا في المنازل، فوجدنا أنها تزن ما بين 12.400 و12.900 كلغ، علما أن وزنها الحقيقي هو 12 كلغ صافية، وقمنا بنفس العملية والقنينة معبأة فوجدنا أنها تزن ما بين 23.200 و23.500 كلغ. نفس الطريقة قمنا بها فيما يخص قنينة الغاز الصغيرة من حجم 3 كلغ، ووجدنا أن وزنها فارغة هو 3.200 كلغ وتزن وهي معبأة ما بين 5.600 و5.800 كلغ، وطبعا الوزن الحقيق الذي يجب أن تكون عليه هو 6 كلغ.
الملاحظة التي يمكن الدفع بها هي أن ما بين 1 و900 غرام يحتفظ بها داخل القنينة ولا يتم استهلاكه قط، إضافة إلى الفرق في نسبة الوزن، ما بين القنينة فارغة وما بين أن تكون معبأة، والذي يصل في الكثير من الأحيان إلى أكثر من 500 غرام، ومن خلال ذلك، يتضح أن المستهلك أو المواطن المغربي يدفع ثمن ما بين 1.200 و1400 كلغ جزافا بالسبة للقنينة من وزن 12 كلغ. والملاحظة الثانية فيما يتعلق بقنينة الغاز الصغيرة، هي أن المستهلك يدفع ثمن أكثر من 800 غرام من غير أن يستفيد منها.
هذا واحد من بين الاختلالات الكامنة في قطاع «البوطان»، ومن الاختلالات الخطيرة أيضا مدة صلاحية «الفولاذ» أي المادة التي تصنع بها قنينات الغاز، ففي المغرب صحيح ما يقال على أن هذه القنينات هي قنابل موقوتة يمكن ان تنفرج في أية لحظة، نظرا للقانون الذي اعتمد في المغرب والذي لم يحترم ما هو متعارف عليه عالميا، ومدد صلاحية المادة التي تصنع بها القنينات من 15 سنة إلى 20 سنة.
في مدينة سلا مثلا، ثمن قنينة الغاز من حجم 12 كلغ في المحلات التجارية، هو 42 درهم بالرغم من أن هذا الثمن يختلف من مدينة لأخرى، لأنه في مدينة أكادير، ثمن القنينة الواحدة لا يتجاوز 40 درهم، حسب أحد التجار. إذن ثمن بيع الكيلو غرام الواحد من الغاز للمستهلك هو 3,5 درهم، ومن خلال عملية حسابية بسيطة أيضا، يتأكد لنا أن المبلغ الجزافي الذي يدفعه المستهلك في كل عملية اقتناء قنينة واحد من الغاز من حجم 12 كلوغرام هو 4,2 درهم. ويحتوي الطن الواحد من الغاز على أكثر من 811 قنينة غاز من حجم 12 كلغ. وإن كان المغاربة استهلكوا 2051000 طن من غاز البوطان سنة 2013 حسب إحصائيات المجلس الأعلى للحسابات، فإن العدد الإجمالي لقنينات الغاز من حجم 12 التي استهلكها المغاربة في هذه السنة، هو 1663351000 قنينة غاز، إذن المبلغ الجزافي الذي يدفعه المغاربة هو عدد القنينات في 4,2 درهم.
المغاربة على علم أن البوطان المعبأ في القنينات يمثل الحصة الأكبر من الاستهلاك الوطني من هذه المادة بنسبة 97٪ سنة 2012 ويستهلك من طرف الأسر وبعض القطاعات الإنتاجية خصوصا منها الفلاحة إذ يستعمل لضخ المياه والتدفئة. أما البوطان غير المعبأ فإنه لا يشكل سوى نسبة 3٪ من الاستهلاك الوطني ويستعمل خصوصا في القطاعات الصناعية.
وفي هذا الإطار تتميز سلسلة تعبئة وتوزيع غاز البوطان بتعدد المتدخلين كما يتبين من بنية أسعار بيع هذا المنتوج ويستفيد المتدخلون من عدة هوامش وتعويضات عن المصاريف مدرجة في بنية الأسعار، وهذه الهوامش والتعويضات تشكل مجموعها 43,3٪ و50,2٪ على التوالي من ثمن بيع قنينتين 12 كلغ و3 كلغ.
وأنشئت بنية أسعار بيع غاز البوطان المعبأ التي تم وضعها منذ سنة 1995 على أساس سلسلة إنتاج مكونة في معظمها من مهنيين غير مندمجين يعملون في أجزاء متفرقة من هذه السلسلة (الاستيراد والتعبئة والتوزيع)، غير أن الوضع الراهن يبين أن جلهم أصبح مندمجا بشكل كبير ويعمل في جميع أجزاء سلسلة البوطان المعبأ من الاستيراد الى التوزيع.
ولعل هذه المفارقة التي تعتبر السلسلة المذكورة مكونة من فاعلين غير مندمجين وبالتالي تعويضهم على هذا الأساس بالإضافة إلى الأخطار المتعلقة بالفوترة بين شركات منتمية لنفس المجموعة أو فوترة الشركات لنفسها، مما يزيد تعقيد المعاملات داخل القطاع.
ويزيد من حدة هذه الوضعية كون مراقبة تصريحات الشركات البترولية تقتصر على مراجعة الوثائق المدلى بها، مما يسمح بتفادي تطبيق الدعم على كميات لم يتم التحقق من صحتها.
ومن شأن مراجعة نسبة أسعار البيع على أساس الوضع المندمج للفاعلين في قطاع غاز البوطان أن يمكن من تحديد المصاريف والهوامش المرتبطة بهذا المنتوج في بنود فريدة وفي مستويات أقل ماهي عليه في البنية الحالية.
وحسب دراسة تقدم بها المجلس الأعلى للحسابات فقد انتقل استهلاك غاز البوطان مابين سنتي 2008 و2014 من 1698 ألف طن إلى 2150 ألف طن، ويعد غاز البوطان من المحروقات الأكثر استهلاكا من لدن الأسر بنسبة 59٪ يليها قطاع الفلاحة بنية 39٪ ويستعمل في الفلاحة بشكل أساسي في مجال ضخ المياه، والتدفئة في ميدان تربية الدواجن والزراعات المغطاة.
وتتسبب سلسلة توزيع غاز البوطان الحالية (الاستيراد والتعبئة والتوزيع) في شكل قنينات من فئة 12 كلغ و6 كلغ و3 كلغ في ارتفاع التكاليف مقارنة مع أنماط أخرى من التوزيع المستعملة في دول أخرى، وبشكل خاص الغاز الطبيعي.
أكد محمد بنجلون رئيس الجمعية المغربية لموزعي الغاز، أن الموزعين لا دخل لهم في النقض أو في الزيادة التي يمكن أن تكون عليها أوزان قنينات الغاز على اختلافها، موضحا أن توزيع «البوطا غاز» عملية مستقلة عن التعبئة.
وفيما يخص ما يعرف بـ«الخاوي» أو «الفارغ»، قال بنجلون في تصريح لجريدة «العلم»، أن القانون المتعلق بمادة الفولاذ التي تصنع منها القنينات في المغرب، كان قد حدد مدة صلاحيته في 25 سنة، وتحول إلى 40 سنة.
وحول مسألة اختلاط الماء بالغاز التي تروج في الأوساط المغربية صرح رئيس الجمعية المغربية لموزعي الغاز أنه لا يستطيع الجزم في صحة أو خطأ المسألة، فيمكن لهذا الإشكال أن يطرح على مراكز التعبئة.
ولم يعر بنجلون لعبارة محمد الوفا وزير الشؤون العامة والحكامة «مبارك ومسعود» التي قالها ردا على قرار موزعي الغاز القاضي بتوقيف التوزيع يومي 4 و5 يونيو القادم. وقال إن الوزير الوفا حر في أن يقول ما يشاء وحر في الرد على قرار الجمعية المغربية لموزعي الغاز، موضحا أن جمعيته لها فروع في العديد من المناطق المغربية بالإضافة إلى عدد من الموزعين في كل أرجاء المغرب وهم من يتخذوا القرار المناسب طبقا للظروف والملابسات التي يرونها تستدعي الخروج بقرار ما.
وأعلن تشبثه بقرار توقيف التوزيع يومي 4 و5 يونيو 2014، مؤكدا أن المستودعات سيتم الإبقاء على أبوابها مفتوحة في وجه المواطنين مذكرا أن موزعي الغاز بالمغرب يقفون إلى جانب قضايا المواطنين، وأن قرار الجمعية بوقف التوزيع ليس ضد مصلحة المواطنين. وأضاف رئيس الجمعية المغربية لموزعي الغاز أن قرار توقيف توزيع «البوطا» جاء على خلفية الانتظار الذي طال أمده من أجل مراجعة هامش الربح الذي قال إنه لم يتغير منذ 1998 أي منذ 14 سنة.
وقال إن الحوارات التي أجريت بين الحكومة وموزعي الغاز لم تسفر عن شيء يذكر، معتبرا أن هذه الحوارات قبلتها الحكومة لربح الوقت ليس إلا.