الخوصصة… المدمرة للدول المتخلفة… تستهدف صحة المواطن
حمزة حركاني
هوية بريس – الثلاثاء 01 يوليوز 2014
دائما ما احترمت وأحترم جميع المواقف والآراء التي ترمي لإزالة نظرة الشؤم لدي إزاء وضع هذا البلد الجميل.. أو تهدف لزرع بعض من التفاؤل والأمل أو بالأحرى بعض الإيجابية بخلفيتي التي تُعتبر لدى الأغلب قاتمة وسلبية وعنيفة..
لكن أعزائي ما أحكيه دائما سوى ما نعيشه خاصة في مثل محيطي الشعبي البسيط الذي أحمد الله سبحانه وتعالى على ولادتي داخله وترعرعي بين معمريه… لذلك وكتوضيح عام فإن كل ما عبرت عنه ودونت حوله سابقا لم يكن اعتمادا على تقرير إخباري شاهدته، أو خبر عاجل التقطته مساعي، بل العكس؛ كل ذلك كان انطلاقا من قربي من واقع الشعب المغربي الأليم… الذي لطالما اعتبرته وأعتبره مساهما ومسؤولا على تدهور الوضع الحالي من جهته هو الآخر..
بدون إفاضة أكثر في التقديم، ما أود الحديث عنه اليوم يندرج ضمن ما تحدثت عنه دائما: المشاكل والعاهات التي تتفاقم بمجتمعنا والمواطن البسيط لا يعيرها أدنى اهتمام.. فنحن بلد بدون أساس ويدعي التطور والتقدم للأمام… تعليم ضعيف وهش وصحة متدهورة ومشردة.. القطاعين الحيويين المحددين لنماء وتطور أي أمة، لم يشهدا المعاناة والمشاكل… واليوم ورغم وضعيتهما تلك إلا أنهما القائمين على هذا البلد لم يكفيهما ذلك بل زادوا الوضع سوءُ… خاصة عبر الخوصصة، الخطر الذي نهش جسد التعليم ويدق أبواب القطاع الصحي..
تذكيرا لقولي الأول أود من كلامي هذا أن يقرأه أبناء الشعب البسيط جدا. لكن قبل الخوض في معضلة الصحة القادمة أود تصحيح بعض المواقف والمعتقدات التي يؤمن بها العامة…
أولا: أخي المواطن البسيط مكررا لما قلته تذكر دائما أن نماء أي بلد أو أمة يُحدد برقي قطاعين أساسين: الصحة والتعليم…
ثانيا: هذين القطاعين يجب أن يتطورا في مؤسستيهما العمومية لا الخاصة… لأننا ولو وصلنا بمؤسستنا الخصوصية من مدارس أو “كلينيكات” للعالمية فإن معيار قياس كينونتنا سيظل رهينا بوضع المستشفى العمومي الفقير والمدرسة العمومية المكتظة.
ثالثا: مما سبق إذا وجدت دولة أو حكومة قطاعها الخاص أصبح يشكل الأمان والضمان لدى جميع المواطنين مقارنة بالقطاع العام.. فاعلم أنك في بلد لا شيء..
رابعا: اعلم أخي العزيز أنه عند سماعك لمهنة “طبيب” لا تتذكر الرخاء والرفاهية التي يربطونها بهذه المهنة في الأفلام والمسلسلات أو وثائقيات تخص دول أجنبية… (في المستشفيات العمومية طبعا).
خامسا: من ذهب يوما للمستشفى سيكون قد شهد حقيقة في أي بلد يوجد.. حين يرى بالمستعجلات مثلا مصابين بإصابات متفاوتة الخطورة لا يجدون غير الأرض أسرة لهم..
سادسا: اعلم أن الطبيب بالمغرب في القطاع العام طبعا ، يفني عمره في الدراسة لسنوات وفي الأخير ينال أجرا يحتقره ويولد بداخله الإحساس “بالحكرة” مقارنة بالسنوات المضنية والمليئة التي اعتكف خلالها.. وهو ما يُجبره للاشتغال بالقطاع الخاص.. بل حتى ظروف العمل تولد لديك الحقد والغضب لا سيما وأنت تسمع ملايير يعجز اللسان على نطقها تصرف على المهرجانات الموسيقية…
سابعا: اعلم أخي أنه كل ما يتعلق بأداء الواجبات المالية بالمستشفى لا علاقة للطبيب بها وإن أردت التذمر وإفراغ سخطك حولها اذهب عزيزي لوزارة الصحة والمالية ولما لا البرلمان… وأن الطبيب يظل مسؤولا عن عمله وعن طريقته الإنسانية في معاملتك لا غير..
ثامنا: اعلم أن كل ما قلته لك هو بشكل عام وشامل، وهذا يعني أنه من جهة أخرى يظل الطبيب إنسانا منه الصالح كما الطالح..
بعد تصحيح هذه المفاهيم سنتطرق في موضوع قادم لشرح خطر الخوصصة على صحة المواطن الذي ليس له من غير المستشفى العمومي ملجأ للتداوي، وكيف ستدمر خوصصة التكوين الطبي الكفاءة بالمستشفى العمومي، وأيضا وجوب خروج المواطن الدفاع عن حقه في نيل تطبيب بجودة حسنة إن أراد أن يحافظ على سلامته وسلامة نسله.
خطر خوصصة التكوين الصحي
خطر خوصصة التكوين الصحي سيكون بمثابة وأد ما تبقى من جودة بالقطاع الصحي العمومي، مما سيعرض صحة المواطن دائما للخطر وإن كان في حضن المستشفيات والمراكز الصحية..
الحكومة حسب بعض الأخبار منحت مستشفى “الشيخ زايد” رخصة التكوين الطبي، بمعنى آخر أن هذا المستشفى الضخم وغير العمومي مُنِح الحق في إقامة كلية أو مؤسسة تابعة له تتخصص في تكوين الأطباء، وبالتالي سيكون لدينا عن قريب كلية طب خاصة.
وكغيرها من المؤسسات الخصوصية يظل معيارها الأبرز هو الكفاءة والقدرة المادية قبل الكفاءة الدراسية. والمشكل الكبير لا يندرج ضمن هذه النقطة، فالخطر المحدق بصحة المواطن بسبب هذا المشروع يتجلى في نقاط متعددة أبرزها:
أولا: كما في التعليم فإن هذه الكلية الخاصة ستستورد أطرها المكونة وأساتذتها من الكلية العمومية. وإذا كان أساتذة ومدرسو المؤسسات التعليمية والتكوينية في المجالات الأخرى يزالون عملهم في القطاع الخاص مع استمرارهم في القطاع العام، فإن هذه الحالة تختلف في مشروع كلية الطب الخاصة لأن هذه الأخيرة ستجلب أطرنا من الكلية العمومية بشكل قطعي أي سينتقلون للعمل بشكل حصري لديهم، مما سيؤدي لإفراغ الكلية العمومية من “البروفيسورات” الكبار ذوي الخبرة والتجربة المكونين لأطباء الغد نظرا للأجر الضخم الذي سيتقاضونه بالكلية الخاصة إضافة لظروف العمل والإمكانيات التي ستتاح لهم بها بالمقارنة مع ما تقاضوه وتوفروا عليهم بالقطاع العمومي المزري.
ثانيا: لما سيغادر أبرز الأساتذة المجربين الكلية والمستشفى العمومين، سيضعف تكوين أطباء الغد داخلهما حين يتم توكيل مهام التكوين لأساتذة شباب دون خبرة أو حنكة مما سيسبب الكثير من العبث والأخطاء والفوضى في تكوين الأطباء المستقبليين..
ثالثا: وارتباطا بالنقطة الأخيرة، فإنه حسب بعض ما تناقل لمسامعنا أن طلاب الطب “الخاص” سينضمون ويتزاحمون لطلاب الكلية “الشعب” خلال التكوين التطبيقي بالمركز الاستشفائي الجامعي. وإن تحقق هذا فإنه سيمنحهم أفضلية أكبر على طلبة طب الشعب، فإضافة لتوفرهم على تكوين نظري رفيع من طرف الأساتذة المحنكين المستوردين، سيحظون بتكوين تطبيقي ممتاز من خلال مرضى الشعب الكثر الذين يتوافدون للمستشفى العمومي لا الخاص.
في المقابل وإلى جانب التكوين النظري الضعيف الذي سيناله طلبة الشعب سيعانون أيضا من الاكتظاظ خلال الدروس التطبيقية بالمستشفى نظرا لتوافد “طلبة طب الخاص”.
قبل الختام أود الإشارة باختصار إلى نقطة مهمة، تلك المتعلقة برحيل الأساتذة والأطباء نحو المؤسسات الصحية الخاصة بشكل قطعي في حالة تلقيهم لعروض مغرية والذي يعتبر حقا مشروعا لهم.
وتصحيحا للموقف والمعتقد المغلوط لدى العامة الذين يرون في أن الطبيب يجب أن يساعد الناس ويعيش لأجلهم فقط، ولا يتقبلون سعيه نحو تحسين دخله ومعيشته!!
أقول لكم: كفى من لغة الصدأ هذه، وكفى نفاقا، فالطبيب يظل إنسان ومواطنا مثلك مثله، ولقد درس في حياته وكدّ حبا للميدان الطبي وسعيا نحو عمل براتب محترم، لكن في المغرب وكما قلت سابقا، لما يدرس كل تلك المدة وذلك الكم الهائل في الطب ويتخرج، فإنه يتلقى صدمة الراتب غير المتكافئ مع ما درسته والظروف المزرية التي يشتغل داخلها. بل حتى دكتوراه الطب بكل حجمها وصعوباتها لا تقاس في هذا البلد “الحكار” بالدكتوراه العادية، أي لا تعتبر دكتوراه. دون أن أذكر لك مهزلة الأطباء العاطلين على العمل وغيرها.
أما إن كان لديك رأي آخر في سعي الطبيب هو الآخر نحو عمل بمقومات مادية ولوجستيكية أفضل، فحاسب نفسك أولا عزيزي لما تسعى أنت أيضا لتحسين راتبك ومعيشتك؟ ولماذا لا تضحي بالمال وتعمل لأجل الناس فقط؟
بخلاصة: طبيب الغد سيفتقد لمكونيه وأساتذته المجربين الذي يتقنون تلقينه أساسيات المهنة “الحساسة” بدون هفوات سواء نظريا أو تطبيقيا، وسينتج كطبيب عمومي بكفاءة أقل من نظيره طبيب “البريفي” الذي سيستفيد من تكوين نظري وتطبيقي عالي من خلال أساتذته المستوردين وأيضا من خلال الإمكانيات والظروف اللوجستيكية المتاحة له.
وهكذا سندق المسمار الأخير في نعش الصحة العمومية بشكل قاطع، وسنعيش ما يعيشه التعليم المغربي اليوم وبشكل أفظع. سيصبح المستشفى الخاص أحسن وأجود من نظيره العمومي..
والمتضرر الوحيد من كل هذا هو المواطن البسيط الفقير الذي لا يقوى حتى على تغطية تكاليف العلاج بالمستشفى العمومي. لذلك فهو المعني بمشروع كليات الطب الخاصة شأنه شأن طلبة الطب بكلية الشعب!!