مَا لاَ يَسَعُ الصَّائِـمَ جَهلُـهُ
إبراهيم الصغير
هوية بريس – الأربعاء 02 يوليوز 2014
من الواجب على كل مكلف أن يتعلم أربع مسائل، أولاها: العلم: وهو معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة…
ومن دين الإسلام الصوم، الذي يعتبر الركن الرابع من أركانه، فرضَهُ الله على كل مسلم بالغ عاقل مقيم قادر عليه خال من الموانع.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة183).
فالصوم فريضة ربانية، تستوجب منا السؤال عنها، وتعلم أحكامها ومعرفة مسائلها، حتى نؤديها على الوجه الصحيح الذي يرضي ربنا سبحانه وتعالى.
ومن هنا أحببت أن أجمع بعضا مما لا يسع الصائم جهله، من أحكام الصيام وبعض مسائله الفقهية، ليصح صومنا وعبادتنا في هذا الشهر المبارك.
1- العلة من تشريع الصيام والغاية المبتغاة من ورائه:
يوضح الحق سبحانه هذه العلة وتلك الغاية في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة:183).
فتحقيق التقوى من عبادة الصيام هو المقصد الأسمى من تشريعها، فالصائم يُعدُّ نفسه ويدرِّبها على تقوى الله -تعالى- بترك المباحات المتيسرة له امتثالا للأمر واحتسابا للأجر، ولا يمنعه من إتيانها في خلواته إلا خوف الله ورقابته في الأمور كلها.
ومن هنا يجب على المسلم أن يصوم إيمانا واحتسابا، لا سمعة ورياء، ولا تقليدا للناس ومتابعة لأهل بلده أو عشيرته، فلا بد من الارتقاء بصومه من مجرد العادة إلى مقام العبادة.
2- وجوب تبييت النية:
إذا ثبت دخول شهر رمضان وتحقق، وجب على كل مسلم مكلف أن ينوي صيامه من الليل، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له).
والنية عقد قلبي ينبغي أن يبيته الصائم صيام الفريضة، ولا يتلفظ بها.
3- تأخير السحور وتعجيل الفطور:
ينبغي تأخير السحور إلى ما قبيل الفجر بقليل، حتى يظهر بياض الليل من سواده، قال تعالى: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (البقرة:187).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم، ثم قال: وكان رجلا أعمى، لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت“.
المهم أن أكلة السحور ينبغي تأخيرها إلى ما قبيل أذان الصبح، خلافا لما يفعله بعض الناس ممن يسهر إلى وقت متأخر من الليل ويأكل وينام عن هذه البركة.
4- أما الفطور فعكس ذلك يستحب التعجيل به:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر“.
وعن أنس بن مالك قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رُطَبَاتٍ، فإن لم تكن رُطَبَاتٌ فَتُمَيْرَاتٌ، فإن لم تكن تُمَيْرَاتٌ حسا حَسَوَاتٍ من ماء“.
إذا كانت السنة في السحور التأخير، فهي في الفطور التعجيل.
5-اجتناب قول الزور واللغو والرفث:
المطلوب أن نرتقي بصيامنا من مجرد الإمساك عن الطعام والشراب والشهوة إلى صوم الجوارح عن الآثام والابتعاد عن كل ما من شأنه أن ينقض صيامنا أو ينقص أجره ومن ذلك قول الزور واللغو والرفث…
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله عز وجل حاجة أن يدع طعامه وشرابه“(1).
وعنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ليس الصيام من الأكل والشراب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل: إني صائم إني صائم”(2).
فالصائم ينبغي أن يصوم عن هذه الأمور كلِّها حتى لا يكون حظه من صيامه الجوع والعطش، ويناله الوعيد النبوي الشديد في ذلك.
6- استغلال نهار رمضان في الطاعة:
رمضان فرصة ذهبية للقرب من الله، ومضاعفة الحسنات، ومحو السيئات، لمن جد فيه واجتهد، وشمَّر عن ساعد الجد.
فمجرد أن تدرك رمضان نعمة كبيرة ومنَّة عظيمة، فلا ينبغي إهمال سويعاته بإضاعة ليله في السهر الفارغ، ونهاره في النوم والقيل والقال.
بل الواجب استغلال على دقيقة منه في الطاعات، فتجد الصائم الحق يتقلب بين الفرائض والواجبات، والسنن والمستحبات، صائما بكل جوارحه حتى يُرى لصومه أثر في جميع تصرفاته.
يظل صائما عابدا ويمسي قائما ساجدا، مستثمرا كل وقته في الصلاة والذكر وقراءة القرآن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، والعمل الصالح، والكسب الطيب.
7-المحافظة على صلاة التراويح:
صلاة التراويح سنة نبوية يحسن بالصائم المحافظة عليها، لكونها تعود على قيام الليل، وهي إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة على القول الراجح، ويفضل للمأموم ألا ينصرف فيها قبل الإمام.
يقول الشيخ ابن باز -رحمة الله عليه-: (ومن تأمل سنته صلى الله عليه وسلم علم أن الأفضل في هذا كله هو صلاة إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة في رمضان وغيره لكون ذلك هو الموافق لفعل النبي صلى الله عليه وسلم في غالب أحواله، ولأنه أرفق بالمصلين وأقرب إلى الخشوع والطمأنينة ومن زاد فلا حرج ولا كراهية كما سبق.
والأفضل لمن صلى مع الإمام في قيام رمضان أن لا ينصرف إلا مع الإمام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة)(3).
8- مباحات في نهار رمضان:
هناك بعض المباحات التي يتحرج منها الصائم جهلا بإباحتها ومنها:
أ- الصائم عندما يصبح جنبا، فإن ذلك لا يؤثر في صحة صيامه، فعن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم)(4).
ب- السواك: مما يباح للصائم في نهاره، عند كل وضوء وكل صلاة، لعموم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء). فهنا لم يخصص، ليبقى السواك مستحبا للصائم وغيره.
ت- المضمضة والاستنشاق: النهي الوارد هنا عن المبالغة فيهما فقط، وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يتمضمض ويستنشق وهو صائم، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: (…وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما).
ث- تحليل الدم وضرب الإبر غير المغذية من الأمور التي لا تفسد الصوم، وإن كان الأولى والأحوط تأخيرها إلى الليل إن تيسر وأمكن ذلك.
ج- ذوق الطعام: من المسائل المباحة شريطة ألا يصل شيء منه إلى الحلق، لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: (لا بأس أن يذوق الخل أو الشيء ما لم يدخل حلقه وهو صائم)(5).
ح- الحجامة: كانت من جملة المفطرات ثم نسخ حكمها، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وهو صائم، لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم)(6).
خ- الكحل والقطرة ونحوهما مما يدخل العين: هذه الأمور لا تفطر، سواء وجد طعمه في حلقه أم لم يجده، وهذا ما رجحه شيخ الإسلام في رسالته “حقيقة الصيام”، وذكر البخاري في صحيحه: (ولم ير أنس والحسن وإبراهيم بالكحل للصائم بأسا).
يضاف إلى ذلك ما ترسخ في ذهن بعض الناس من اصطناع مفطرات وهمية كالتطيب وتقليم الأظافر مثلا…
د- صب الماء البارد على الرأس والاغتسال: لا يدخلان ضمن المفطرات، فيباح للصائم الاغتسال، وبلّ ثوب ووضعه على الرأس للتبرد من الحر، وكذا المضمضة دون المبالغة.
هذا ما أمكن جمعه وتيسر إيراده، مما لا يسع الصائم جهله.
والله اسأل أن يفقهنا في ديننا، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل المتقبل الصالح، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- رواه البخاري (4/99).
2- رواه ابن خزيمة (1996)، والحاكم (1/430)، بسند صحيح.
3- رسالتان موجزتان في الزكاة والصيام، (ص32).
4- أخرجه البخاري (3/123)، ومسلم (1109).
5- علقه البخاري (4/154).
6- أخرجه البخاري (4/155).