حظر الصيام.. آخر جرائم الصين بحق المسلمين
هوية بريس – مركز التأصيل
السبت 05 يوليوز 2014
يتعامل غالب المسلمين مع دولة الصين بقدر كبير من الاحترام والتقدير، فما أن يذكر اسمها إلا ونرى عبارات الثناء على هذا البلد الواعد، الذي يكبر صناعياً وسياسياً، يوماً بعد يوم.
فالصينيون شعب منتج، والصين بل واعد، استطاع خلال فترة وجيزة أن ينافس إمبراطوريات العالم الكبرى في المجالات العلمية والصناعية، كما استطاع أن يحجز لنفسه مقعداً في عالم الساسة والسياسة.
لكن ما يجهله غالب المسلمين أن الصين أحد أكبر الدول الإمبريالية (الاستعمارية) في العالم، فهي تحتل بلد إسلامي كبير، منذ ما يزيد 250 عاماً، وهي دولة تركستان الشرقية، أو ما تعرف الآن بمقاطعة “شنجانغ” الصينية، ويسمى سكانها الأصليين بـ”الإيجور”.
وتقع تركستان الشرقية وسط أسيا، وتحدها من الشمال الشرقي منغوليا، والصين من الشرق، ومن الشمال والغرب كازخستان وقيرغيزستان وطاجكستان، ومن الجنوب التبت وكشمير والهند وباكستان.
والوجود الإسلامي في تركستان قديم جداً، فتركستان عرفت الإسلام منذ القرن الأول الهجري، فقد عرفت الإسلام منذ عهد معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنه- وتمكن القائد المسلم قتيبة بن مسلم الباهلي من إتمام فتحها سنة 96هـ.
ومنذ أن تمكن الاحتلال الصيني من أرض تركستان المسلمة عام 1760م وإلى الآن وأهلها يسامون الهوان، وينكل بهم، وتنهب ثرواتهم، ويضيق عليهم، ويحرمون من ممارسة شعائرهم الدينية، وكان من آخر هذه الممارسات التضييق عليهم بمنعهم من صيام شهر رمضان.
فبحسب “العربية نت” منعت السلطات المحلية الصينية، المسلمين في ولاية تركستان الشرقية، والتي يطلق عليها رسميا مسمى “سين كيانج”، من أداء فريضة الصيام في شهر رمضان، وأبلغت السلطات الصينية الموظفين والمعلمين وأعضاء الحزب الشيوعي والطلاب الذين ينتمون إلى الأقلية الأويغورية، أنه لا يحق لهم الصيام في شهر رمضان، وحذرت المدارس والدوائر الحكومية مما وصفته باستغلال المدارس للدعاية الدينية.
وذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أن المؤسسات الحكومية المحلية في ولاية تركستان الشرقية (سين كيانج)، أصدرت بياناً أكدت فيه حظر الصيام وأي نشاط ديني في شهر رمضان. وأكدت اللجنة المحلية للحزب الشيوعي في “جاؤوسو” بولاية تركستان الشرقية، أن أعضاء الحزب ملتزمون بقوة بالامتناع عن الصيام.
فماذا يضير الدولة الصينية من صيام المسلم، طالما أن العمل مستمر، ولماذا لا تراعي الصين ظروف المسلمين، وتوفر لهم الأجواء المناسبة لأداء شعائر دينهم كما تفعل معظم الدول، وكما تنص بنود المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، أم أن هذه البنود تستثنى المسلمين.
والحقيقة أن منع المسلمين من صيام شهر رمضان في الصين ليس بالأمر الجديد، لكنه يزداد تشدداً عاماً بعد عام، فقد حظرته الصين منذ عدة أعوام مضت لكنه ازداد هذا العام على خلفية ما تشهده تركستان الشرقية من توترات.
جدير بالذكر أن تركستان الشرقية تحظى بمساحة كبيرة جداً بحيث تشكل وحدها خمس مساحة الصين، وتبلغ مساحتها ثلاثة أضعاف فرنسا أكبر الدول الأوربية مساحة، وتزيد عن مساحة المجر بسبعة عشر ضعفًا، وهي في المرتبة التاسعة عشر من حيث المساحة بين دول العالم، ويبلغ عدد سكانها حوالي 25 مليون نسمة، غالبيتهم من المسلمين.
وتركستان بلد مستنزف، تذهب كل ثرواته وخيراته إلى الصين وشعب الصين. فهل بقي بعد كل هذا أي احترام أو تقدير لهذا البلد الاستعماري الظالم لأهل تركستان الشرقية من المسلمين؟
رمضان مسلمي الأيغور تحت الاحتلال الصيني.. معاناة وألم
لا تزال معاناة مسلمي الشينجيانج في تركستان الشرقية متصلة مستمرة، وربما تزداد تعقيدا وشدة في هذه الأيام الذي بات العالم فيها يمارس كل الضغوط على كل ما هو مسلم تحت مسمى محاربة الإرهاب، فليس للمسلم حقا يمكنه المطالبة به، ولا يجب في عرف العالم أن يكون للمسلم قضية يدافع عنها، والمسلم المنشود عندهم هو المسلم الميت حقيقة أو حكما فلا يحرك سالكنا ولا يبدي رأيا أو يطلب تغيير واقع مهما كان سوؤه أو قبحه.
فمسلمو الايجور الذين يقبعون تحت نير الاحتلال الصيني لأرضهم منذ 1760 كأصحاب قضية عادلة لكنها في مجتمع ظالم لا يريد أن يعترف لهم بأي حق، فهم قومية مختلفة عن قومية الهان الصينية ويتحدثون اللغة التركية وليست الصينية، ويعتنقون الدين الإسلامي وليس البوذية وبلادهم محتلة وهم يرفضون هذا الاحتلال، أليست كل هذه الأسباب تجعل من مطالبتهم بأبسط الحقوق الإنسانية -حق تقرير المصير- مطلبا عادلا تتبناه المنظمات الدولية التي تدعي المحافظة على حقوق الإنسان؟؟
وبعد حملات الإبادة التي تستخدم التفجيرات النووية فيهم، وبعد مذابح متعددة بلغ ضحايا واحدة منها فقط ما يقارب مليون مسلم ومسلمة أو يزيد، وهي مذبحة واحدة فقط من المذابح ماذا عسى الحكومة الصينية أن تفعل بعد ذلك لإثبات إجرامها للعالم ذي العين الواحدة الذي لا يريد أن يرى كل هذه المعاناة، في حين يتألم زعماؤه ويهجر النوم أعينهم لخطف بضعة فتيات -وهو عمل مرفوض منا كمسلمين- في نيجريا لا لشيء إلا لديانة كل ضحية، فالمسلم لا حق له بينما المسيحي له كل الحق.
وبالرغم من أن الأغلبية في الصين يعبدون صنم بوذا ويوجد عدد منهم ملحدون لا يؤمنون بفكرة وجود رب ولا اله ولا دين من الأساس إلا أن الحكومة الصينية مشغولة جدا بعقيدة هؤلاء المسلمين من الشينجيانج.
وعلى الرغم أيضا من أن العبادات من حيث صفاتها فيها ما هو ايجابي يتطلب القيام بأداء عمل مادي ملموس كحركات الصلاة أو السفر إلى مكة للحج وهذا ما يمكن ملاحظته جيدا، وفيها ما هو سلبي تركي لا يتطلب فقط سوى الامتناع مثل الصيام وهذا لا يمكن ملاحظته إلا بالتدقيق الشديد والمتابعة المستمرة.
فعلى الرغم من هذا كله تحارب الحكومة الصينية فريضة الصيام وتفرض قيودا صارمة عليه في إجراءات شديدة وتعسفية بينما تشجع وتكرم كل من يفطر علانية في رمضان من المسلمين.
ويتكرر في كل عام في رمضان هذا التضييق على الموظفين الحكوميين بمحاربتهم في شعيرة الصيام وتشجيع الفطر الجماعي المتعمد، فعلى سبيل المثال نشر مكتب حكومي لإدارة حوض نهر تاريم صورة تظهر موظفين مسلمين يتناولون طعام الغداء في يوم من أيام رمضان وعلق عليها مشجعا إياهم على هذا الفعل مشيدا بما سماه “موقفا ايجابيا منهم”.
ولا يتعرض الموظفون وحدهم للقمع الديني بل يتعرض له الجميع، فيتم العبث في الأفكار الدينية ذاتها حيث تجبر الحكومة الصينية الأئمة والخطباء بقراءة خطب الجمعة الأسبوعية من كتاب “الوعظ والتبليغ الجديد” الذي أعدته الهيئة الصينية للإشراف على الشئون الدينية الإسلامية مع عدم السماح لأي إمام بالخروج عن نصوص الكتاب المذكور الذي تتدخل فيه الحكومة البوذية لوضع الخطاب الديني الإسلامي، وهذا عين مراد أنظمة كثيرة في الشرق والغرب تطمع في السيطرة على الخطاب الديني لضمان توجيهه وإبعاده عن مسار صحيح الدين والعقيدة، فباي حق تفعل ذلك سلطة محتلة لشعب له ديانة غير ديانتهم؟!!
وكما يضيق على المسلمين نوعا في خطبهم يضيق عليه كما في التضييق على مرتادي المساجد، فيضعون القيود عليها وخصوصا من ناحية السن حيث لا يرحبون بارتياد الشباب والشابات للمساجد، مفضلين أن تكون المساجد لمن هم فوق سن التقاعد فقط وهذا أيضا ما يفعله المحتلون في أماكن عدة في العالم.
وحذرت منظمة “المؤتمر العالمي للأيغور” من مقرها في ميونيخ بألمانيا وذلك في بيان لها جاء على لسان “ديلشات رشيد” المتحدث باسمها، فحذر من “أن هذه الإجراءات القسرية التي تقيد الحريات الدينية للأيجور ستؤدي إلى المزيد من الأزمات بين الأيغور وبين السلطان في بكين”.
هي مشكلة دائمة لم تتغير معطياتها، شعب مسلم مسالم محتل من دولة شيوعية بوذية لادينية تحارب دينهم وعقيدتهم ومظاهر التزامهم بالإسلام، وفي الطرف المقابل يتمسك مسلمو الأيغور بدينهم وبعقيدتهم، ودائما وأبدا بإذن الله ستنتصر الشعوب التي لا تريد سوى حريتها في دينها وحريتها في أوطانها مهما طال زمن الاحتلال ومهما بلغت ضراوته في قمعهم.