والقسم الذي يؤديه الحكام.. هل يوفون به؟
د. محمد وراضي
هوية بريس – الأربعاء 09 يوليوز 2014
نقصد بالحكام أولا كل الذين يتولون إدارة شؤون الدول كقادة على رأس هرم السلطة. ونقصد بهم ثانيا كل من يتحملون مقابل رواتب شهرية مسؤولية تسيير شأن من شؤونها في مجال بعينه.
لكن موضوع مقالنا لن يخرج عن إطار القسم الذي يؤدى أمام ملك بلادنا كلما تسلم معين أو مختار أو مرشح مسؤوليته كوزير، أو كسفير، أو كوال، أو كعامل. إنه يلزمه التصريح علنا أمام الملإ بمنطوق القسم الذي يشهد الشهود على أنه نطق به. ودائرة الشهود باعتماد القنوات الفضائية، علاوة على الإذاعات المنتشرة عبر التراب الوطني، أصبحت متسعة بما فيه الكفاية. يعني أن الشهود المستمعين والمشاهدين، يقدرون اليوم بالملايين! حتى ربات الخدور في الحواضر وفي البوادي، أصبحن من الشهود الذين لا يمكن الطعن في شهادتهم بأي وجه كان.
غير أن هؤلاء الشهود الذين يشكلون أغلبية ساحقة من ضمن كافة المغاربة، لا يحملون نفس هم مراقبة ومحاسبة من رددوا على مهل، ما أملاه عليهم المملي المتمرس، أو المحلف كاسم الفاعل بكسر اللام مع التشديد عليها، تمييزا للكلمة عن المحلف بفتحها كاسم المفعول. دون أن تتأكد لنا هوية المحلف الحقيقية. هل هو رئيس الدولة الذي ينوب عنه من ينوب في إملاء صيغة القسم على الحالف أو المقسم؟ أم هو نفسه المحلف الذي لا ينوي في قرارة نفسه غير تنفيذ طقوس تحمل من الغموض، ما يقتضي الوقوف طويلا عنده لإزالة أي التباس أو أي لبس بخصوصه؟
إن هم مراقبة من أدوا قسم الولاء والطاعة من منظور الدين المحض، يتحمله في الجملة كل مواطن وكل مواطنة، بدليل قوله سبحانه: “ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون“. وبدليل قوله عز وجل: “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله“.
فإن حلف من تم إسناد منصب حكومي إليه وقال: “أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصا لديني ولوطني ولملكي، وأن أؤدي مهمتي بصدق وأمانة“؛ فعليه قبل كل شيء وبعده أن يعي عظمة من أقسم به! وأن يعي مفهوم ما أقسم عليه. إنه لم يقسم بالقمر ولا بالرغيف، ولا بأرنب بري مطبوخ في قدر! إنه تعهد منه أمام ربه وأمام التاريخ، وأمام الحضور والمشاهدين بإنجاز عمل محدد! أو هو تقيد بوعد لا بد له من الوفاء به! حتى إذا لم تكن لديه نية الوفاء به منذ البداية، فإنه مع الشروع في عمله الرسمي الذي يتقاضى مقابله أجرا من المال العام، مغضوب عليه ملعون من ربه كلعنه سبحانه لأي كذاب بنصوص قرآنية وبأخرى حديثية!
يقول تعالى: “فلا تطع المكذبين ودوا لو تدهن فيدهنون. ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم. مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم“!
فالمكذبون لا يطاعون بأمر من ربنا سبحانه فيما يدعون إليه وفيما يدعونه! يكفي أن من أقسموا بالإخلاص للدين لا يسجل المواطنون -للأسف الشديد- حضورهم إلى المساجد، وإنما على العكس، يتم ضبطهم في دور السوء والخلاعة! والأدلة الواقعية على ما ندعيه تحملها وسائل الإعلام إلى القراء منذ أمد بعيد! كما أن فضائح بعينها أدت بأصحابها إلى المحاكم وهم متهمون بتهم تختلف أنواعها وأحجامها! كان هؤلاء من اليمين السياسي أو كانوا من يساره! لأن نهب المال العام بالخصوص ولغ في الحرام، منظورا إليه من زاوية الدين، ومن زاوية الأخلاق، ومن زاوية السياسة التي تتراوح ممارستها بين الإخلاص والخيانة واللاأخلاق أو اللاضمير!
وحتى إن نحن استحضرنا مصطلحات دينية لوصف ما يجري في الواقع، فإن المصطلحات هذه تؤدي نفس الأدوار التي يؤديها النقد الصحفي بكل أنواعه. نقد ديني. ونقد اجتماعي. ونقد سياسي. ونقد أخلاقي. ونقد اقتصادي. مع أن المنكر بلغة الدين، جمع موفق لكل ما هو سيء! ومع أن المعروف بنفس لغته جمع موفق لكل ما هو مطلوب حسن مرغوب فيه.
فأن نهاجم داخل البرلمان وزير الصيد البحري، لوجود خصاص في أسواق السمك ببلادنا، لأن سفن الصيد الأجنبية تنتفع بما كان من حق المغاربة أن ينتفعوا به، وبأثمان معقولة مقبولة، لم يكن غير نهي عن منكر لا يجني المواطنون من ورائه غير التذمر من جراء حرمانهم من حقهم الطبيعي من خيرات، بلادهم تزخر بها. فينبغي إذن أن نكف عن التأفف حينما تطرق آذاننا مصطلحات دينية كالمنكر والمعروف والرشوة والزنا والمحرمات بمختلف أسمائها ومسمياتها، لأن مقاصد الشريعة تهتم بالوقائع أو بالواقعات، قبل أن تهتم بالمفاهيم والمصطلحات التي تشخصها كمدركات عقلية في الأذهان. هذه التي تجري المقارنة بينها وبين ما يحدث فعلا في الواقع المتغير، أو المتحول.
فإن أدى الحكام القسم بأنهم سوف يخلصون للدين، فنحن كأمة وكشعب، وكمواطنين، يلزمنا التأكد من القسم الذي سمعناه وشاهدنا بأم أعيننا من أدوه عن طيب خاطر، وأي تذمر شعبي من سياسة الحكومة القائمة ومن سياسات الحكومات المتعاقبة على السلطة، ما هو إلا انعكاس للوعي الجماهيري المتمحور حول الإدانة الموجهة ضد من نكتوا بالعهود أو بالوعود التي أخذوا بها أنفسهم غير مرغمين وغير مكرهين أمام الله عز وجل!
فأن نقسم بأننا سوف ننجز ما وعدنا بإنجازه، ثم اتضح للمراقبين الذين هم في الواقع كل الشعب المرتبط أيما ارتباط بالمقسوم عليه، أن المقسم أو الحالف غير صادق، وإنما هو كذاب في وضح النهار، فإنه لن ينتظر الامتداح ممن خاب أملهم فيما أقسم عليه! ولنستحضر إن شئنا مقسما أو حالفا هو رئيس الوزراء عندنا قبل غيره في الحاضر الماثل، لا لسواد عينيه، وإنما لكون أفقه السياسي الذي انطلق منه للوصول إلى الحكم، مشبع بادعاء اعتماد الدين حتى تتم له السيادة على أرض الواقع، من خلال إنجاز مقتضياته ومقاصده. غير أن هذا الواقع يكذب مزاعم وزيرنا ويطيح بأحلامه ووعوده بعيدا عن عالم الناس البؤساء المقهورين من فرط غلاء المعيشة وتعقيد مساطر المطالبة بالحقوق.
وبما أن للإسلام مبادئ وتعاليم ومقاصد وتوجهات، باعتماده سوف يتم تحقيقها في واقع المسلمين أينما وجدوا، وتحت أي نظام يتحركون، كان ملكيا، أو جمهوريا، أو أميريا، فإن في مقدمتها (أي في مقدمة المقاصد) ما يعرف في الفقه الإسلامي بالضروريات الخمس. نقصد الدين والعقل والنسل، والمال والنفس. وهذه هي الركائز الأساسية لاستقرار مجتمع يعيش فيه من يجمعهم قول: “لا إله إلا الله محمد رسول الله“. إذ متى تم حفظها، لتحقق العدل والمساواة والحرية والكرامة والأخوة، التي تحول دون التنافر الذي هو سمة مجتمع ليبرالي نظريا، حيث تتنازع فيه الأحزاب السياسية بضراوة لدوافع، قلما تكون سالمة من الطموحات والأغراض الشخصية! يتقدمها الوصول إلى السلطة لاستخدامها كأداة، وكآليات لتحقيق برنامجها -كما تزعم- على الأرض لفائدة الجماهير، حتى لا يبقى هذا البرنامج مجرد خطابات تسمعها الآذان، وتفهمها العقول، أو لا تفهمها حسب مستوى أصحابها في الإدراك والتذكر والتخمين والتأويل.
فما الذي قدمه بنكيران وفريقه الحزبي من خدمات لحفظ الدين قبل غيره؟ ثم ما الذي قدمه لحفظ كل من العقل والنسل (=العرض) والمال والنفس؟ ما الذي قدمه للدين من خدمات حتى يصان من التحريف والتشويه والتزييف ومن توظيفه سياسيا بالكذب على الجماهير؟ ما الذي قدمه له وهو الذي أقسم بأن يكون مخلصا له قبل غيره؟ وإلا فما الذي يعنيه قوله: “أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصا لديني“؟
ثم ما الذي قدمه خدمة لصيانة عقول المواطنين من آية آفة مادية أو معنوية يمكن أن تصاب بها؟
والمال، ما الذي قدمه هو وفريقه لحفظه من النهب ومن حرمان الأمة من حقوقها فيه، يتقدمها الموظفون والعمال من ذوي الدخل المحدود؟
والأعراض التي أصبحت بلادنا هدفا لهاتكيها أو لمدنسيها القادمين من وراء الحدود، أو الذين يعتمدون مختلف الوسائل للدفع بالعاهرات أو بالزانيات إلى أسواق النخاسة الجنسية المنتشرة في بلدان حكامها يزعمون أنهم مسلمون؟
والمواخير التي تتضاعف أعدادها شهرا بعد شهر، وعاما بعد عام، بدون ما قرارات مدوية مسموعة لتطهير المغرب منها، حتى لا يظل سبة تلوكها ألسن المتنادرين عبر الصحف العالمية التي تفضح كل ما هنالك من فضائح (دارت عليها حكومتنا عين ميكا)!!!
ثم ماذا عن النفوس الآدمية التي تزهق ظلما وعدوانا في كل وقت وحين، وفي أماكن متفرقة من المغرب المعاصر؟ قتل الأطفال! والنساء! والرجال في حوادث تتكلف وسائل الإعلام المستقلة والرسمية أحيانا بنقل تفاصيلها أو بنقل جوانب من تفاصيلها إلى القراء والمستمعين والمشاهدين؟
وحتى لا تظل قضية إفساد العقول غامضة مبهمة. نفسر لرئيس الوزراء ولفريقه ولكافة القراء، ولكافة المغاربة أن مقولة “العقل السليم في الجسم السليم” تتوقف على الاهتمام المشترك بكل منهما حتى يسلما من إصابات قاتلة تصيب هذا بقدر ما تصيب ذاك في بعض الأحيان؟ إنما كيف تصبح أبدان المدمنين على الخمور وأنواع من المخدرات سليمة كي تظل عقولهم مثلها سليمة؟ أو ليس لدينا أطباء متخصصون في علاج الأبدان والعقول والنفوس؟ أو ليست دور الدعارة محلات لاستهلاك ملايين من القارورات النبيذية ليل نهار؟ ومتى كان الأمر هكذا كما وصفناه، فأين هي إذن حماية عقول المواطنين وأموالهم وأعراضهم التي تداس بوحشية ما بعدها وحشية؟
وملايين من الأموال التي تدفع خدمة للفكر الظلامي الديني وتشجيعا له ولممارسيه، أو ليست هي في الحقيقة ملايين لتضليل الأمة ولمسخ عقول أبنائها من خلال إفراغ أثقال من الخرافات والأوهام فيها، حتى تقدم على التماس الحلول لمشاكل معضلة عند المشرفين على ممالك اللامنطق؟ ثم إنها ملايين تصرف إلى آلاف الوعاظ والمهرجين عبر أكثر من قناة، كي ينقلوا للمواطنين خرافات وأساطير الأولين حتى داخل الأضرحة التي يتم تمجيد أصحابها، والحال أن من ضمنهم ضالين مضلين، هويتهم معروفة لنا من خلال ما كانوا يقومون به وهم أحياء يرزقون!
لقد اعتقدت الجماهير أن الملتحين المتظاهرين بالغيرة على الدين، سوف لن يقبلوا بتاتا بإفساد العقول ونهب الأموال، وحرمان العمال وصغار الموظفين من حقهم الطبيعي جزاء ما يقدمونه من خدمات لوطنهم الذي يتطلع إلى مزيد من السؤدد والرقي أو التقدم!!
لن أخفي سرا إن أنا صرحت بأنني على معرفة مباشرة قوية وأكيدة برئيس الوزراء الحالي، وبمرافقه كظله مع مطلع الثمانينيات من القرن الماضي. ولن أخفي سرا إن أنا صرحت بأن لقاءاتنا التي لا تكاد تنقطع، إنما كانت تعقد في منزله أو في منزلي، والصراع حينها بين فريقه الدعوي وبين بقية الجماعات الدينية صراع محتدم! ولن أخفي سرا إن أنا صرحت بأنني طالما نبهته إلى ضرورة الوقوف طويلا عند المرحلة المكية، قبل الإقدام بسرعة البرق على الانتقال إلى المرحلة المدنية! وأن الطريق إلى إسعاد الجماهير المغربية محفوف بالمخاطر! كما أنني لا أخفي سرا إن أنا صرحت بعلاقتي الوطيدة القوية المباشرة مع الراحل عبد الكريم الخطيب. وأن حضوري في التحاق بنكيران وأصحابه بالحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية حضور وازن، لأنني من فاوض الخطيب في الموضوع لأزيد من أسبوع بطلب من بنكيران نفسه! والرسالة التي بعثت بها إليه بعد نجاحي في مهمتي لا تزال بين يدي! ثم إن معرفتي بتحول فريق بنكيران إلى حزب العدالة والتنمية، بعد اندماجه مع الحركة الشعبية، معرفة منطلقها بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وأنني لمفاوضاتي مع الخطيب لفائدة بنكيران، لامني لوما شديدا أحد الذين كان يجدني مرارا في عيادة الخطيب للهدف المذكور! لقد لامني بحضور ما يقرب من ثلاثين رجلا كلهم مثقفون مرموقون!
ولئن اكتفيت هنا بالجزئيات، فلا بد لي في يوم ما، خدمة للتاريخ وللحقيقة، ولتنوير الرأي العام، أن أجيب على تساؤلات من طلبوا مني مرارا حقائق حول موضوع تهم معرفته ملايين المغاربة بدون ما استثناء. خاصة وأنا مع الخطيب رفقة بعض الأصدقاء الموجودين اليوم على الساحة السياسية، لم تكن صلتي بعبد السلام ياسين وببعض أعضاء إرشاد جماعته منقطعة، أو يسودها توتر من نوع ما، ولكنني مع ذلك لن أخفي سرا مرة أخرى إن أنا ادعيت بأنني مطلع على ما يروج داخل مجموعة ياسين بعد أن بعث إلي بأكبر أولاده طالبا مني الحضور إليه ففعلت. ثم إنني مطلع على ما كان يجري داخل مجموعة بنكيران وداخل مجموعة الدكتور الخطيب في الآن ذاته! حتى عقلية كل الأطراف الذين هم على رأس جماعتهم جرى لي الاطلاع عليها عن قرب، مع الإقرار بأنني لم أكن لأساير أيا منهم مسايرة عمياء، أو مسايرة واعية يطبعها القبول والتسليم بما يستهدفه كل طرف!!!
الموقع الإلكتروني: www.islamtinking.blog.com
العنوان الإلكتروني: [email protected]