في رمضان: يريد الله أن يتوب عليكم ويريد العلمانيون أن تتبعوا الشهوات
ذ. أحمد اللويزة
هوية بريس – السبت 12 يوليوز 2014
أشار خطيب الجمعة إلى هذه المسألة باختصار، فتبدت منها أفكار لعلها تنير الطريق للصائمين، لاسيما السواد الأعظم منهم الذي تراه ميالا للذين يريدون اتباع الشهوات من بني علمان دعاة الفساد والانحلال.
فرمضان فرصة العمر من ضيعها ضاع عمره، ومحطة الوقود الروحي والإيماني من لم يتزود منها وقف ولم يصل إلى حيث ينبغي أن يصل؛ حيث جنة عرضها السموات والأرض.
لا يخفى على كثير من المسلمين ما ورد في الحديث عن كفارة الذنوب ما بين رمضان ورمضان، فهو موسم لكفارة الذنوب لكل التائبين؛ سواء كان ممن ظلم نفسه، أو ممن كان مقتصدا أو كان سابقا بالخيرات. فالكل في حاجة إلى بركات هذا الشهر الفضيل ليكفر الله عنهم سيئاتهم ويرفع درجاتهم.
ولأجل كل هذا قد هيأ الله كل الظروف المناسبة لمن أرادها توبة صادقة خالصة، لأنه سبحانه يحب التائبين ويحب المتطهرين، ففي هذا الشهر يصفد الله الشياطين ومردة الجن، ويفتح أبواب الجنة فلا يغلق منها باب، ويغلق أبواب النيران فلا يفتح منها باب، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل وباغي الشر أقصر، وفي كل ليلة لله عتقاء من النار، وخصه الله بليلة هي خير من عبادة ألف شهر، وهيأ الله فيه النفوس لتستقيم على أمره وتلتزم بشرعه، وتسابق إلى فضله، إلا من كانت نفسه قد تشربت الشر فلم تعد في حاجة إلى غواية الشيطان، بل صار هو أضر على الإنسان من الشيطان.
فقد تهيأت كل هذه الحوافز للمسلمين لأنه يريد أن يتوب عليهم، ويريد لهم الخير والصلاح، ويكون لهم شهر رمضان شهر خير وبركة ونور وهداية، لذلك لا يحرم من هذا الخير إلا محروم. كما صح في الحديث عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ.
أما الذين يريدون المسلمين أن يتبعوا الشهوات وأن يملوا عن الحق والهدى ميلا عظيما، فماذا أعدوا لهذا الشهر حتى تتحقق بغيتهم ويدركوا غايتهم ويصدوا الناس عن الخير والصلاح؟
فبطبيعة الحال فحرصهم على أن يتبعوا الشهوات لن يكون دون أن يهيئوا لذلك كل جديد ومثير، مضحين بالوقت والجهد والمال. فالمنافسة شرسة وهم بذلك يتحدون إرادة الإله سبحانه، فما أشد قبحهم وما أشقى نفوسهم أولئك شياطين الإنس الذين يتحملون مسؤولية الغواية في رمضان، ويأخذون المشعل من شياطين الجن حتى يحرموا الصائمين فضل شهر المغفرة والتوبة، فرغم أن المناسبة دينية روحية محضة فتأبى نفوسهم الخبيثة إلا أن تتسلل سرا وجهر ليفسدوا علينا الأجواء الإيمانية خشية صحوة مباركة وعودة ميمونة للشعوب الإسلامية لدينها.
لذلك لا يألون جهدا في الإعداد لهذا الشهر بكل ما خبث من الأفلام والمسلسلات والسكيتشات والمسرحيات والسهرات… على الشاشات التلفزية والإذاعات الصوتية والفضاءات العامة حتى يحيطوا بالصائمين من كل جانب تماما كما قال إبليس {ولآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين}، ومن عظيم خبثهم وشديد مكرهم وحرصهم على حرمان الصائمين من بركات هذا الشهر أنهم يتركون كل جديد من إنتاجاتهم الفنية حتى يأتي رمضان؛ لتكون النفوس متلهفة لمعرفة الجديد فتكون أسيرة لترهاتهم، فينقلبون بين إنتاج وآخر فيكونوا من المحرومين، إلا من سلمه الله من شرورهم وأمنه من مكرهم فلم يلتفت لمغرياتهم ولم تستهوه غواياتهم.
عمل بني علمان على تحويل المناسبات الدينية إلى فلكلور فراغ من روحانيته لا يتعلق برمضان فحسب، ولم يكن حديث عهد، بل هو مجهود سنوات وثمرة عقود من العمل حتى أصبح رمضان بالفعل عند الكثير شهرا بعيدا كل البعد عما أراده الله له، فهو شهر نوم بالنهار وأكل وتسكع وانحلال بالليل، رمضان الذي أراده الله للروح والقلب فجعلوه للبطن والمعدة تتضاعف فيه مصاريف الأكل مرات عديدة عن مثيلها في غير رمضان، ويصبح كثير من الناس سريع الغضب شديد الطيش لكونه صائما، مع أنه في شهر يقتضي منه الحلم والصبر والعفو والتجاوز إلى أبعد الحدود.
فهذا الشهر تتنازع الناس فيه طريقان: طريق توبة وهداية واستقامة تلك الموصلة إلى رضوان الله، وطريق ضلال وغواية وحرمان تلك الموصلة لسخط الله وغضبه، يتولى كبرها زمرة من الفاسدين، فحري بنا أن نذكر الناس حتى لا يأتوا يوم القيامة فلا يجدون شيئا من الصيام مكتوبا في صحفهم لأنهم أضاعوه بسبب أنهم أسلسوا القياد لبني علمان فأفسدوا عليهم الدنيا والآخرة.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.