سبّ الربّ جل في علاه سلوك خطير يحتاج إلى تبصير
هوية بريس – نبيل غزال
أضحى سبّ الربّ سبحانه وتعالى وكذا الدين والملة من الانحرافات العقدية الخطيرة؛ والمظاهر الاجتماعية المستفزة التي انتشرت في مجتمعنا؛ وذلك راجع لعوامل متعددة ساهمت في ذلك.
فبات من الشائع بين الشباب -ذكورا وإناثا- في الجامعات والمؤسسات التعليمية والتجمعات الشبابية وبين الرياضيين ولاعبي الكرة سواء في الملاعب أو في الأزقة الشعبية، تبادل اللعن وقذف الأعراض وسبّ الربّ سبحانه وتعالى ولو على سبيل الدعابة والضحك؛ أما إن طرأ الغضب وغلت الدماء في العروق فلا تسل بعد ذلك عن قواميس الشتم واللعن التي تبتدئ بالوالدين وتنتهي بالخالق جل في علاه.
وهذا سلوك خطير للغاية؛ قد يودي بدين المرء ويضعه في موقف حرج للغاية؛ قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً} (الأحزاب57).
فالشاب -مثلا- حين يتفوه بمثل هاته العبارات والكلمات الخطيرة يحاول -كما يخيل إليه الشيطان- أن يبدي شجاعته وقوته وبطشه، وأنه مستعد أن يصل إلى أبعد نقطة في هذا الشجار؛ ولا يخشى أحدا ولا يعير اهتماما لأي طرف كان.
مما ينبئ عن فساد في الاعتقاد وانحراف في السلوك وضعف كبير للوازع الديني عند شريحة من المجتمع؛ الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل عن دور المؤسسات التربوية والتعليمية والدينية؛ وعن دور وزارة الأوقاف والمجالس العلمية التي من مهامها الأساسية ضمان التأطير الديني للجهة التي تغطيها وحماية المقدسات؛ فكيف يسبّ الله تعالى وهو أول مذكور في شعار المملكة (الله الوطن الملك).
فبالرجوع إلى مصادر التشريع الإسلامي نجد أن علماء المسلمين مجمعون على أن ساب الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو الإسلام أو الملة خارجٌ عن دين الإسلام؛ وعد علماء المذهب المالكي هذا العمل ردة؛ ولهم عبارات شديدة في ذلك.
قال القرافي في الذخيرة (3/460): “..وإن سبَّ الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء عليهم السلام قتل حدا ولا تسقطه التوبة، فإن إظهار ذلك منه يدل على سوء باطنه فيكون كالزنديق لا تعلم توبته”.
وقال ابن عبد البر رحمه الله في الاستذكار (2/150): “قال إسحاق وقد أجمع المسلمون أن من سبّ الله عز وجل أو سبّ رسوله صلى الله عليه وسلم أو دفع شيئا مما أنزل الله تعالى أو قتل نبيا من أنبياء الله تعالى أنه كافر بذلك وإن كان مقرا بكل ما أنزل الله”.
وفي شرح الخرشي لمختصر خليل في ذكر المكفرات: “..ذكر أن سبّ الله تعالى كسبّ النبي -صلى الله عليه وسلم-، أي: صريحه كصريحه، ومحتمله كمحتمله، فيقتل في الصريح، ويؤدب في المحتمل سواء كان السابّ ذميا، أو مسلما إلا أن في استتابة المسلم خلافا”.
وقد صدرت هاته النصوص عن هؤلاء الأئمة في زمن كانت الشريعة الإسلامية هي الحاكمة؛ وكان الدين معظما في النفوس؛ وكان العلماء يؤطرون الناس ويوجهونهم ويحكمون فيما شجر بينهم؛ ونحن اليوم في زمن اندرست فيه معالم النبوة؛ وصار الناس يوجههم إعلام مضلل يعظم المادة ويزين الرذيلة؛ ويزدري بالدين ورموزه؛ بل يحاربه في كثير من الأحيان ويرفع -ذرا للرماد في العيون- شعار إسلام مفرغ من محتواه.
وصارت مؤسساتنا التعليمية تؤطر الشباب وفق مناهج غربية مشبعة بالمفاهيم العلمانية؛ وعزلت مادة التربية الإسلامية ولم يعد يخصص لها إلا ساعة أو ساعتين طيلة الأسبوع؛ وقد يكون أستاذ مادتها قد أجرى تكوينه في اللغة العربية ولا علاقة له إطلاقا بالعلوم الشرعية؛ وفي بعض الحالات يتم إسناد تدريس المادة إلى بعض الأساتذة ذوي التوجه اليساري الذين يعلنون العداء للدين ويعتبروه رجعية وتخلفا؛ فلا تسل بعد ذلك عما يتم تمريره خلال هاته الساعة من شبهات.
فماذا ننتظر من شبابنا بعد ذلك؟
فمن زرع الشوك لا يجني العنب!
إننا اليوم بحاجة إلى شكر الله تعالى أن مازال هذا الشعب يعمر المساجد ويحب الله تعالى ورسوله ويدافع عن الإسلام وقيمه..
وبحاجة إلى الرأفة والرحمة بهؤلاء الشباب الذين انحرفوا عن سبيل الله أكثر منا حاجة إلى إصدار أحكام..
وبحاجة إلى إعادة نظر جذرية في مناهج التربية والتعليم؛ والوعظ والإرشاد؛ وعدم الاكتفاء بالمساجد والمنابر العالية؛ والنزول إلى أرض الميدان والتواصل مع الشباب خاصة وباقي المجتمع عامة؛ عبر مختلف الوسائل الحديثة المتوفرة (الإلكترونية والإعلامية)، وتبصيرهم بخطورة سبّ الله تعالى والدين والملة؛ وأهمية العقيدة وتعظيم الله تعالى وإجلال رسوله واتباع شريعته والتزام أمره ونهيه.
قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}.
قال قتادة: هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم، فمن علم شيئًا فلْيُعلِّمه، وإياكموكتمان العلم، فإن كتمان العلم هلكة..
إن سبّ الربّ جل في علاه سلوك خطير يحتاج إلى تبصير؛ ولن يتأتى ذلك إلا بتضافر جهود وقوى كل المؤسسات والفعاليات المؤثرة في المجتمع، ويأتي في مقدمتها مؤسسة العلماء التي بات فرض عين في حقها التصدي لهذا المد الخطير الذي يطعن في الثوابت ويخرب السلوك وينسف القيم؛ وبدل ما حباهم الله به من علم نافع ونشره بين الناس، وتربيتهم وتزكيتهم وفق منهج النبوة الأولى.