يشغلنا فئامٌ من بيننا.. قومٌ تحملهم أرضنا.. يستظلون في كل خطاهم ببركةِ تراتيلِ مساجدنا.. يتنعّمون باستجابة الله لدعواتنا.. إذ نسأله في كل وقت أن يحرص علينا هذا البلد ويصون لنا أمننا.. حتى أنّهم كلما أجذَبَتْ سماؤنا.. هرولوا إلينا سائلينا الإكثار من نوافِلِنا.. ثم إن أدركتنا رحمة مولانا، صاحوا فينا: ألم نعِدكم أن حساباتنا قالت إنّا سنُمطَر.. ها قد مُطِرنا!!
لكن بم عساهم قد يُشغلونا؟! بحديثٍ يُشبهُ مقالاً صاغَهُ تائهٌ في الصَّحاري لقراصنةِ البِحار.. وهم في غيّهم هذا مدَّعون علينا أنّهم إنّما يُفتون من جمع الوحي إلى الأسفار.. ورُبَّ حاملِ ضنكٍ حظُّه من حِملِه اختزالٌ وأصفار.. لا بأس.. دعنا نرسم مغربهم الذي يعدوننا فيه بجنّةٍ تشبه واد الويل والوعيد..
أجل، ماذا لو أصبح بلدنا يستبيح الحرام.. ويتلاشى فيه إنكار المنكر من فكر العامّة وعلى الدّوام؟ يا لجمال نسائنا -يومها- وهنّ ينسقن في الهيام.. ويحملن على إثر الانتشاء جنين الغرام.. ثم ينتهي حب ليلة حمراء في عيادة طبيب مشكور.. يُطهّر الرحم ويستأصل منه جنينا قَدَرُهُ -في دستورنا الجديد- أن يكون ورماً مبتورا…. والشُّكر لطبيبنا الذي أصبح تحت اسم “قانون الإجهاض” جزّاراً مشهوراً.. الوضع -طبعا- أفضل من الإجهاض المستور.. وما يسبّبه من فقر للأطباء؛ حين تثق الحُبلى في الأعشاب والسحر المسحور..
أترانا نقبل لطبيب شريفٍ أن يطلب أجرته من عمل خارج السور؟! ويمارس ابتزازا على الضحايا فيضع أجرة لا تخضع للمراقبة.. ما هذه الكارثة؟!
لا، فذاك زمن تخلُّفٍ آن له أن يزول.. يجب أن يصبح قتل الأجنّة مشروعاً فذاك -بالنهاية- تحصيل محصول..
طبيبٌ مشفِقٌ حدَّ الضحك الذي يختلط بالدمع.. يُحذر ويُولول ويُرعد ويُزبد أن هذا انتهاك لحقوق الطبع.. يقول -لا أدام الله له ظلا-:
أليس لكل حبٍّ ثمرة وزهور؟!
نجيب: بلى..
يرد: فما ظنُّكم بالثمر والزّهر إن لم يكن له حظٌّ من سُقيا أو دلع؟!
قلنا: ذَبُلَ وَمَاتَ يا فَقِيهَ البدع؟!
فقال: هذا عين ما نحن نقول.
اجتثاث الثمرة والزهور، حتى لا يكون عندنا ذُبال ورطوبةٌ تنهش المحصول.. ويضيف -أضافه الله إلى حيث يستورد تلكم النُّقول-:
ونعدكم أننا لن نترك الأمر على عواهنه.. أتحسَبوننا سُذَّجاً لنؤصل لهذا الفنّ ونذره من غير أواصره.. بالعكس.. سنزود المدارس بالواقي وموانع الحمل.. ونحذر الجميع أن القانون لا يحمي المغفل.. فمن حام حول العسل ذاق قرص النحل.. فكما قد علمتم يا سادة، إطارات العقوبات الدولية تمنع علينا تجاوز وخز النحل.. لا تقلقوا ما فَضُلَ من كل هذا الجرم.. تكون “أمّاً عازبة” تزيح عنها الجمعيات كل همّ..
ثم، وبحلول ذاك الوقت العصيب.. واستفحال تلكم المحن -لا قدَّر الله- المنذرة بالوباء الشديد.. لربما صدحت منابر المساجد بإحياء سنة الوأد.. وصاح المؤذن حي على استئصال غير مرغوب من كل فرد.. وطارت منابر الإعلام تنفخ العبارات وتكثر من اللغط.. وتغنّى المفتونون الفتّانون براحة المجتمع بعد قطع كل جنين.. وتفتيته في الأرحام كفعل لا تطيقه حتى الوحش والبهيم.. وانتشى المجتمع في اعتنائه بجريمة القتل.. وغارت الخطيئة عن أنظار كل الأهل.. ولم يعد فينا ولا منّا مجرم ولا قاض.. إذ إنكار المنكر هذا كله ذكرى زمن ماض.
بحلول ذلك الزمن.. سنكون كما تعلمون.. إما قد عوقبنا وانتهى أمرنا بين كن فيكون.. أو غصنا -دون عُرانا- تتقيح ذواتنا قروح المجون.. ونمر بالمقبور نتمنى مكانه من بطش الحسرة بما أسلفنا من ركون.. ونحدث عن زمن الشرف والعفة كأنه مستحيل أن يكون.. ونكون في إطار إيديولوجي غاية في السفاهة.. قد درنا دورة كاملة حول جهلنا وانتصرنا لسطوة الذكورة في بلاهة.. وأصبح مجتمعنا يُمجِّد الرجل الذي لا يعنيه كل هذا الهبل.. إذ الأرحام المُنتهكة حقوقها تحملها نساء خبّل الغباء عقولهن أيّما خبل.. واستبيحت لكل مارٍّ مستعجل من غير تقييد بأجل.. فما هي منه إلا نزوة، وهذا رحم ساذج اقتات منها، فأي لوم عليه أو عتب.. والأمر عموما عابر لا يستحق حياة أو أمل.. والشكر موصول لكل من ساهم في التأصيل لهذا العمل.. وأرغى بحنجرة وعقل فارغ لا يستوعب تجليات الخطايا والهزل.. وأوحل المجتمع وأغرق العقول بكل هذا الخطل.. ألا قدّس الله روحك، يا أيها الوطن..
وصلنا الى زمن فيه التعرى تحرر وحضارة وستر الذات غريب اطوار.. نسئل الله الهداية لي ولكى ولجميع المسلمين .. اخوك في الله والمنزل 🙂