لماذا تقدم الغرب وتأخر المسلمون؟
بوجمعة حدوش
هوية بريس – الأربعاء 13 غشت 2014
لماذا تقدم الغرب وتأخر المسلمون؟ سؤال ليس بجديد، سؤال ظهر إلى الوجود أول مرة عندما بدأت الأمة الإسلامية الانحدار إلى عالم التخلف في كل مجالات الحياة، وبدأ الغرب في المقابل الرقي في كثير من المجالات، هناك ظهر هذا السؤال ورافقته إجابات كثيرة منها من ترى أن الأديان -بغض النظر عن اختلافها- هي سبب تخلفنا وتقدمهم، تقدمهم لتخليهم عن الدين وتخلفنا لتمسكنا به، و منها من ترى أن الأسباب متعددة كثيرة.
إلا أن هذا السؤال ليس بقديم، ولابد أن يُسأل مرة أخرى مادامت الأمة على حالها الأول الذي ظهر بسببه هذا السؤال، غير أن الجواب على هذا السؤال يجب إعادة النظر فيه، فقد تغيرت صياغته كثيرا مع تقدم الزمن ومواصلة الغرب تقدمهم وفي المقابل مواصلة المسلمين تخلفهم.
نعم أكيد أن الأديان سبب تقدمهم وتخلفنا، فقد بدأ الغرب في التقدم لما تخلوا عن دين الخرافة والدجل، لما علموا أن سبب تخلفهم هو سيطرة رجال الدين على مجالات الحياة التي يستغلونها من أجل مصالحهم الشخصية والتي بها يستطيعون التقدم، هناك ثاروا على هذا الدين الذي لم يعد حقا دينا سماويا بل أصبح دين رجال الكنيسة يستغلونه أبشع استغلال، هنا بدأ الغرب في تقدمهم. وفي المقابل كان المسلمون قبل بداية تقدم الغرب في ازدهار كبير ورقي باهر في كثير من الميادين، وكان الغرب يجلس على موائد علماء المسلمين يأخذ منهم الكثير من العلوم، فلم يكن في المسلمين علماء الشريعة والدين فقط بل كان منهم علماء في مختلف مجالات الحياة، إلا أن المسلين لما تخلوا عن دين الحق بدأوا في تخلفهم، فقد تقدم الغرب لتخليهم عن دين الباطل والخرافة و تأخر المسلمون لتخليهم عن دين الحق والعلم، لكن للأسف هذا التخلف لم يفارق الأمة إلى حد الآن، لأن الأمة إلى حد الآن مازالت متخلفة، لذلك نتساءل من جديد، ما سبب تخلفنا إلى حد الآن؟
بكل بساطة، نحن متخلفون إلى حد الآن لأننا تركنا ديننا وراء ظهورنا، فلا حدود تقام ولا شريعة تطبق ولا أخلاق تحترم ولا قيم تنير لنا دروب الحياة. كيف لنا أن نتقدم ومازال منا من يرى في المتمسك بدينه متخلف والمعفي للحيته المقتدي بنبيه إرهابي، والمدافع عن شريعة ربه متحجر، كيف لنا أن نتقدم وأسباب ارتكاب المعاصي ميسرة على كل من أراد، فدور الدعارة والبغاء تملأ مدن عدة، وأماكن الرقص والمجون تفتح أحضانها في وجه الغني وغيره، رقص ومجون، شرب خمر وزنى، فأنى لنا أن نتقدم؟ تبرج اختلاط، عري في الشواطئ، أنى لنا أن نتقدم؟ هذا في ما له علاقة بالدين والأخلاق، أما في حياة الناس العامة، فقد كثرة أسباب تخلف الأمة وتضاعفت عما كانت عليه في بداية تخلفها.
فكيف تتقدم أمة ومواطن فيها لا يستطيع أن يحصل على ورقة إدارية إلا بعد أن يدفع رشوة تسهل عليه أمره، كيف تتقدم أمة وجل الإدارات العمومية مغلقة في وجه العموم، فقد ملَّ المواطن المسلم من تماطل موظفي إدارات بلاده، فلا يحصل على الورقة التي هو بحاجة إليها إلا بعد فوات أجلها، إلا من رحم الله من موظفيها.
كيف تتقدم أمة والمواطن غريب في بلده، لا يفهم شيئا مما يحصل حوله، إذا قيد إلى مخفر الشرطة للتحقيق معه في مسألة هو بريء منها حتى يثبت إدانته فيها، شبعوا فيه ضربا ولطما وصفعا وركلا كأنه يأخذ عقوبةً على ذنب هو لم يقترفه. وإذا مرض وأراد أن يُعالج نفسه في إحدى مستشفيات بلاده خرج منها أمرض مما دخلها، فبالإضافة إلى مرضه العضوي لحقه جراء المعاملة الجميلة التي تلقاها في مستشفى بلاده أمراضا نفسية مزمنة.
كيف تتقدم أمة وهي منقسمة متشرذمة عدوها نفسها، فرق بين دولها المستعمر بوضعه للحدود، ففرق بذلك ما كان بينهم من حب ومودة وألفة، فلا ترى بين دولة وجارتها إلى العداوة وربما حروب طاحنة، ترفع سلاحها على جارتها المسلمة ولا تستطيع أن ترفعه على عدو يغتصب أراضيها وينهب خيراتها ويشرب من دماء مواطنيها.
كيف تتقدم أمة وفلسطين مازالت جريحة، ومازال العدو المحتل يحتل أراضيها المقدسة ويقتل شعبها الأبي ويأسر أطفالها ونسائها ويفعل فيهم الأفاعيل، ولا دولة تتدخل أو تدافع، حتى الشجب والاستنكار الذي كنا نسمعه قديما قد خفت صوته.
كيف تتقدم أمة وحروب طاحنة فيها لا من عدو خارج عنها ــ إلا ما كان من مؤامرات منه ــ بل حروب بين أبنائها لا يعرف القاتل فيهم فيما يقتل ولا المقتول فيهم فيما قُتل.
كيف تتقدم أمة ويُقتل من أبنائها في يوم واحد في رابعة والنهضة المئات، ويسجن الآلاف، وتشرد أسر بسبب انقلاب وحشي وجهته كرسي جاء على دماء المطالبين بحقوقهم.
وفي المقابل نرى الغرب في أوج تقدمه وازدهاره لأنه أعطى للمواطن حقه وركز على ما يجمع أطرافه وتناسى خلافاته، وعمل على ما يجمع بينه واستراح من الحروب والفتن، فكانت النتيجة أنه يحكم العالم ويسوده.
لذا كان واجبا على الأمة إذا أرادت التقدم أن تقلد الغرب، أن تقلد الغرب لا في التفاهات وثقافته العفنة وقيمه البالية وتخليه عن دينه الباطل، بل تقلده في توحده وانسجامه في احترامه للمواطن وإعطائه حقوقه، في العمل على ما يجمع الأمة لا على ما يفرقها، فإذا اجتمع ما عند الغرب مع ما عندنا من دين الحق والعمل به، هنا تستطيع الأمة أن تسود مرة أخرى، لأنها جمعت بين الدين والدنيا وبقي عند الغرب الدنيا فقط، حينئذٍ وحينئذٍ فقط اشهد على أمتك أنها هي التي ستحكم العالم، وليس على الله ببعيد.