معاريج ومنحدرات ودهاليز «صلاة الفاتح لما أغلق»؟؟؟
د. محمد وراضي
هوية بريس – الثلاثاء 19 غشت 2014
وعدت في مقالي الأسبق: “إفحام صاحب القول النافح في دفع الغرابة عن صلاة الفاتح” بتسليط مزيد من الأضواء الكاشفة على هذه الصلاة التي أفرغ السيد الحراق كامل جهده لإقناع القراء بأنه لا مانع لديه عقلا ونقلا من اعتمادها، إلى جانب اعتماد بقية صيغ الصلاة الواردة عن رسول الله، وغير الواردة عنه لغاية التعبد بها على حد زعمه!
فقد أخذ علي استخلاصي من كلام التجاني مقادير الثواب التي سوف يحصل عليه تاليها مرة واحدة بالأرقام، مكتفيا بما ورد في مقال لي منشور بجريدة “هسبريس”، منذ عدة شهور، دون أن يطلع على الكتاب الذي كان ذلك المقال مجرد تلخيص موجز له. ناسيا أو متناسيا، جاهلا أو متجاهلا بأنني لم أقم سوى بمجاراة التجاني فيما اندفع إليه من العد الخرافي! وهو عد يلزم معه استعمال الحاسوب الإلكتروني، بحيث يكون التجاني هو المتهم الأصلي بإحصاء حسنات المشتغلين بهذه الأذكار أو تلك كما سوف نرى، وفي مقدمتها “صلاة الفاتح لما أغلق”.
يقول الرجل في حقي: “انساق الأستاذ المحترم إلى اتجاه آخر تحول معه إلى ممارسة مهنة معلم للرياضيات، يتفنن في استعمال جدول الضرب! مقارنا بين الحسنات التي سيحصل عليها قارئ القرآن الكريم، مع تلك التي سيحصل عليها المصلي على النبي بصيغة “صلاة الفاتح”. وهي مقارنة جعلت القارئ أو المتلقي، وكأنه أصبح أمام مساعد للحفظة الكرام المكلفين بتسجيل ما يقوم به العبد من أعمال. وإحصاء ما يتلفظ به من أقوال. وهذا حسب اعتقادنا نوع من الفضول الذي لا يليق بالمؤمن الخوض فيه أصلا”. (يعني أن التجاني الذي خاض فيه لا يعد من المؤمنين!!!) إلى آخر ما وقع فيه الرجل من زلات يظنها حقائق مبرهن على صحتها وغير قابلة للجدل؟
وحتى يقتنع القراء بأن عملية الإحصاء للحسنات أو للسيئات، لم أكن وراء ابتداعها، وإنما استنتجت جواز القيام بها من أسوتنا الحسنة صلى الله عليه وسلم في حدود. دون أن يفهم من حقي الذي مارسته وأمارسه وسوف أمارسه، أنني أنافس الحفظة الكرام، أو أتولى وظيفتهم لعد نوع الأقوال ونوع الأفعال الصادرة عن أي إنسان في أي وقت، وفي أي مكان. فليفتح صاحبنا –على سبيل المثال–كتاب “عمل اليوم والليلة” للنسائي المتوفى سنة 303 هجرية. وليقف عند مبحث “ثواب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم” فسيجد برواية أنس بن مالك قول رسولنا الأكرم: “من ذكرت عنده فليصل علي، ومن صلى علي مرة، صلى الله عليه عشرا“، ومدلول هذا الحديث النبوي الشريف، نوجزه في الآتي:
1- لا مبالغة إن تمت مجازاة المصلي على نبينا مرة واحدة، بصلاة الله عليه عشر مرات؟؟؟ إنما المبالغة البائسة في الادعاء بأن من صلى عليه بصيغة غير مسنونة مرة واحدة، سوف يكون جزاؤه جزاء من عبدوا الله على مدى الدهر! أو جزاء من ختموا القرآن ستة آلاف مرة!!!
2- إن الحديث لا يغلق أمامنا باب الإحصاء، فإن فهمنا منه، كيف أن صلاة واحدة على رسول الله، تضمن صلاة الله علينا عشر مرات، فهمنا بالبداهة كيف أن تكرار الصلاة عليه قدر مستطاعنا (فاتقوا الله ما استطعتم) يوفر لنا مزيدا من صلاة ربنا علينا، أي بذكره سبحانه لنا في الملإ الأعلى كمؤمنين مرضيين. فصلاتنا على نبينا عشرون مرة –مع الصدق والإخلاص–تقابل كجزاء لنا بصلاته عز وجل علينا مائتي مرة. ولا مانع إطلاقا من الاستمرار في العد. تعلق الأمر بالصلاة عليه، أو تعلق بأدعية أو تسبيحات أو تضرعات أو ابتهالات، ربطها صلى الله عليه وسلم بقدر من الحسنات يحصل عليها المتعبد بها.
3- والتنافس على تحصيل الخيرات أو الحسنات، مطلوب دينيا ومرغوب فيه. وراحة البال والإحساس بالسعادة يزدادان عندنا كلما أكثرنا من ذكره سبحانه، كما طلب منا الإكثار منه كتابا وسنة. أو لم يقل جلت قدرته: “وفي ذلك فليتنافس المتنافسون“؟ يعني في كل ما يؤدي إلى نيل رضى الرحمان والخلود في الجنان آمنين مطمئنين؟ أو لم يقل كذلك: “لمثل هذا فليعمل العاملون“؟
4- إن كان صلى الله عليه وسلم قد حدد لنا كيفية الصلاة عليه، وحدد لنا في الوقت ذاته ثواب من صلى عليه مرة واحدة بالصيغة التي لقنها لصحبه الكرام، فهل يحق لأي كان أن يقدم لنا صيغا أخرى من وضعه للقيام بنفس الواجب، ثم يتجاوز وضعه أو وضع غيره لتلك الصيغ، إلى حد عنده يخبرنا بما سوف يحصل عليه المتعبد بها من جزاء أو من ثواب؟
5- نحن لا نقول بغلق الأبواب أمام من يدعو، ويستغفر، ويتضرع بكل ما يمكن تصوره من صيغ موضوعة، شريطة أن تكون سالمة من اللحن اللغوي والدلالي. ولكننا نرفض رفضا قاطعا –بنصوص نقلية ثابتة– أن يدعي بأن المتعبد بها جزاؤه كذا أو كذا من الحسنات؟؟؟ فإذا قرر هو الاشتغال بما هو غير مسنون، فليس من حقه أن يحمل غيره على الاشتغال به؟ وإلا فإنه يساهم من حيث يدري ومن حيث لا يدري في إبعاد مريديه، أو المتعاطفين معه، أو المخدوعين به عن سنن الرسول صلى الله عليه وسلم. وما رفضناه للتو، هو الذي أصر التجاني على العمل به! وهو نفسه الذي أصر السيد أحمد الحراق على الدفاع عنه بالباطل الواضح البين!!!
وإلى القراء الأفاضل ما يكفي من الأدلة الدامغة لإفحام ما ادعاه صاحبنا الذي لا نكف، ولن نكف عن مجادلته إلا بعد أن يستنفذ كل مخزونه من الأسلحة التي يدعي أنها متوفرة لديه:
جاء في “جواهر المعاني” (1/104. طبعة ثانية 1393 هجرية–1973م) ما يلي: “وأما “صلاة الفاتح لما أغلق” الخ، فإني سألته صلى الله عليه وسلم عنها (يقظة) فأخبرني أولا بأنها بستمائة ألف صلاة. فقلت له: هل في جميع تلك الصلوات أجر من صلى بصلاة مفردة؟ (يقصد بـ”صلاة الفاتح لما أغلق”). فقال صلى الله عليه وسلم ما معناه: نعم، يحصل في كل مرة منها أجر من صلى بستمائة ألف صلاة (600.000) مفردة! وسألته صلى الله عليه وسلم: هل يقوم منها طائر واحد على الحد المذكور في الحديث بكل صلاة؟ وهو الطائر الذي له سبعون ألف جناح إلى آخر الحديث (أي حديث وما هو مصدره؟) أم تقوم منها في كل مرة ستمائة ألف طائر على تلك الصفة (هذه ترهات؟؟؟). وثواب تسبيحهم للمصلي على النبي صلى الله عليه وسلم. فقال صلى الله عليه وسلم: بل يقوم منها في كل مرة ستمائة ألف طائر على تلك الصفة في كل مرة؟؟؟ ثم قال رضي الله عنه: فسألته صلى الله عليه وسلم عن حديث: إن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم مرة واحدة (بصلاة الفاتح) تعدل ثواب أربعمائة غزوة! كل غزوة تعدل أربعمائة حجة! هل صحيح أم لا؟ فقال صلى الله عليه وسلم (وكل هذا يجري في اليقظة): بل صحيح! فسألته صلى الله عليه وسلم عن عدد هذه الغزوات، هل يقوم من “صلاة الفاتح لما أغلق” الخ مرة أربعمائة غزوة؟ أم يقوم أربعمائة غزوة لكل صلاة من الستمائة ألف صلاة، وكل صلاة على انفرادها أربعمائة غزوة؟ فقال صلى الله عليه وسلم ما معناه: “إن صلاة الفاتح لما أغلق” بستمائة ألف صلاة!!! وكل صلاة من الستمائة ألف صلاة بأربعمائة غزوة!!! ثم قال بعده صلى الله عليه وسلم: من صلى بها، أي بـ”الفاتح لما أغلق” الخ مرة واحدة، حصل له ثواب ما إذا صلى بكل صلاة وقعت في العالم من كل جن وإنس وملك، ستمائة ألف صلاة، من أول العالم إلى وقت تلفظ الذاكر بها! أي كأنه صلى بكل صلاة ستمائة ألف صلاة من جميع صلاة المصلين عموما، ملكا وجنا وإنسا! وكل صلاة من ذلك بأربعمائة غزوة! وكل صلاة من ذلك بزوجة من الحور، وعشر حسنات، ومحو عشر سيئات، ورفع عشر درجات” الخ!!!
وحتى لا أصبح مرة أخري في نظر السيد أحمد الحراق، معلما للرياضيات، فإنني أطلب منه أولا فك الطلاسم التي سقناها قبله، (ونبينا قد قال: يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا)!!! والتي كان أحد طرفيها هو النبي عليه الصلاة والسلام ذاته؟؟؟ ثم أطلب منه ثانيا السماح لي بتحويل بعض الأرقام المهولة للتجاني هنا إلى لغة الناس على عهدنا حتى يفهموا أقوال الشيخ النابغة الذي يجر خلفه ملايين من المخدوعين؟ (خاطبوا الناس على قدر عقولهم).
إن من صلى على النبي مرة واحدة ب”صلاة الفاتح لما أغلق” كأنه صلى عليه بغيرها 600.000 ألف مرة! مما يعني أن الصيغ المروية عن نبينا للصلاة عليه، مكانها اليوم بمنطق التجاني والمروجين لظلامياته سلة المهملات!!! ومما يعني أن عبادة الملائكة والجن والإنس من أول العالم (= منذ أن تم الشروع في عبادة الله) إلى الآن ترجح بها “صلاة الفاتح” إن وضعت هذه وتلك في كفتي ميزان! ثم إنه من ضمن ظلاميات التجاني، أن كل صلاة من 600.000 ألف صلاة بأربعمائة غزوة. فأن نقرأ “صلاة الفاتح لما أغلق” مرة واحدة معناه (600.000 مضروبة في 400= 240.000 ألف غزوة). فنصبح إن نحن تجانيون معفيين تماما من المشاركة في الدفاع عن ديننا ما دامت قراءة “صلاة الفاتح لما أغلق” مرة واحدة توفر لنا أجر من غزا في سبيل الله 240.000 ألف غزوة!!! والشرح ننتظره من السيد الخطيب أحمد الحراق، وممن يعضدونه من خلال تعليقاتهم التي لا تستطيع، ولن تستطيع إنقاذه من ورطته! أو من المهواة التي وقع فيها مغمض العينين!!!
ثم استمر التجاني في ابتداع الظلام الذي استولى به على العقول الآسنة فقال: “وخاصية “صلاة الفاتح لما أغلق” الخ، أمر إلهي! لا مدخل فيه للعقول! (كل الطرقيين خصوم العقل بامتياز!). فلو قدرت مائة ألف أمة، في كل أمة ألف قبيلة، وفي كل قبيلة مائة ألف رجل (لم يذكر النساء والأطفال!)، وعاش كل واحد منهم مائة ألف عام (= وهم وخيال!)، يذكر كل واحد منهم في كل يوم ألف صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بغير “صلاة الفاتح لما اغلق” الخ (وغير هذه الصلاة ما روي عن رسول الله كمجرد مثال!)، وجميع ثواب هذه الأمم كلها في مدة هذه السنين كلها، في هذه الأذكار كلها، ما لحقوا كلهم ثواب مرة واحدة من “صلاة الفاتح لما أغلق”! فلا تلتفت لتكذيب مكذب ( وأنا الآن هذا المكذب)! ولا لقدح قادح فيها! فإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء. فإن لله تعالى فضلا خارجا عن دائرة القياس (= القياس الفلسفي والقياس الفقهي والقياس الرياضي!). ويكفيك قوله سبحانه وتعالى: “ويخلق ما لا تعلمون” (= كلمة حق يراد بها باطل!). فما توجه متوجه إلى الله بعمل يبلغها (أي درجة صلاة الفاتح) وإن كان ما كان! ولا توجه متوجه إلى الله بعمل أحب إليه منها (ما مصدر هذا البهتان؟ وفي أي سورة من القرآن، أو في أي حديث نبوي ورد؟)، ولا أعظم عند الله حظوة منها إلا مرتبة واحدة، وهي من توجه إلى الله تعالى باسمه العظيم الأعظم”! (وليشرح لنا أحمد الحراق هذا الضلال المبين)!
وحتى يدرك التجاني ذروة الفسوق والإثم والمروق يقول: “عدد ألسنة الطائر الذي يخلقه الله من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والذي له سبعون ألف جناح، إلى آخر الحديث (أي حديث؟ وما مصدره؟) ألف ألف ألف ألف ألف ألف ألف ألف! إلى أن تعد ثمانية مراتب! وستمائة وثمانين ألف ألف ألف ألف ألف ألف ألف! إلى أن تعد سبع مراتب! وسبعمائة ألف ألف ألف ألف ألف! إلى أن تعد خمس مراتب! فهذا مجموع عدد الألسنة (وليتحقق منها صاحبنا الباحث في الفكر الإسلامي!)! وكل لسان يسبح الله تعالى بسبعين ألف لغة في كل لحظة (ومن صاحبنا كذلك ننتظر التعريف بهذه اللغات!). وكل ثوابها للمصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في كل مرة! هذا في غير صلاة “الياقوتة الفريدة”! وهي “الفاتح لما أغلق”! فإنه يخلق في كل مرة (من التعبد بها) ستمائة ألف طائر على الصفة المذكورة كما تقدم! (ثم يدعي الحراق بأنني نصبت نفسي معلما للرياضيات!!!). فسبحان المتفضل على من يشاء من عباده من غير منة ولا علة”! (الجواهر. 1/110).
ولما استهجن خصمنا امتهاننا لما سماه وظيفة معلم الرياضيات، وفي الوقت ذاته لم يستهجن ما مارسه التجاني من عمليات رياضية تستعصي على العقول السليمة! فقط لأن التحليل والتركيب والتعليق والتعقيب عمليات تؤرق لا شك مضجع صاحبنا! ولو أنها من لوازم الباحثين في الفكر الإسلامي– وهو من هؤلاء كما تم تقديمه للقراء، نترك له -وهو كناقد مقتدر وكعلامة فهامة- مسؤولية تحديد الملايين الخارجة عن الحصر من أجنحة الطائر الوهمي، وما لحق بها وبمناقيريه من بلايين الألسنة التي تسبح لله عز وجل!!! وإن لم يكن بمقدوره، لا العد، ولا شرح ضلالات من اتخذه قدوة! فليستعن بمن هم في مرتبة إنشتاين الرياضية، حتى يتمكن من اقناع القراء بما انغمس فيه متبوعه من آثام قائمة على أساس من البهتان! مع ادعاء منا واضح بأن جميع ما يرتبط بـ”صلاة الفاتح لما أغلق” من فضل، إنما حدده التجاني لا الرسول المكذوب عليه!!! بحيث إنه لا فضل يفوقه منظورا إلى كل ما تم ويتم التعبد به، منذ أن خلق الله الكون إلى النفخ في الصور! حسب تعبير التجاني الوارد في مؤلفه الضلالي كما سوف يقف عليه قارئه!!!
ونسأل الآن صاحبنا أحمد الحراق –إن فتح صدره لنا- عن فحوى “صلاة الفاتح لما أغلق”، والتي قال بصددها: إن مبناها ومعناها واضحان مفهومان لكل ذي عقل، ولكل ذي نصيب ولو محدود من الكلام العربي الفصيح؟ مع العلم بأن ما ادعاه المنسوبة إليه بخصوصها في الجواهر (1/110) يفند ما زعمه الحراق أخذ الله بيده!!!
فقد سأل علي حرازم شيخه التجاني عن معنى “صلاة الفاتح لما أغلق” الخ، فأجابه بقوله: “معناه الفاتح لما أغلق من صور الأكوان (= صور جميع الموجودات)! فإنها كانت مغلقة في حجاب البطون وصور العدم (وهو تخريف لا يرقى إلى درجة التفلسف، وكيف يرقى إلى درجة الفلسفة؟). وفتحت مغاليقها (يعني صور الأكوان) بسبب وجوده صلى الله عليه وسلم (إذ وجوده سابق لكل موجود!). وخرجت من صورة العدم إلى صورة الوجود. ومن حجابية البطون إلى نفسها في عالم الظهور، إذ لولا هو (أي الرسول) ما خلق الله موجودا!!! ولا أخرجه من العدم إلى الوجود (نفس ما قاله البوصيري الشاذلي الطريقة في بردته). فهذا أحد معانيه (يقصد الفاتح لما ألغق). والثاني أنه فتح مغاليق أبواب الرحمة الإلهية! وبسببه انفتحت على الخلق!!! ولولا أن الله تعالى خلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ما رحم مخلوقا (اشرح أيها الحراق هذا الضلال!). فالرحمة من الله لخلقه بسبب نبيه صلى الله عليه وسلم! (أين موقع هذا البهتان من كتاب الله؟). والثالث من معانيه (يقصد الفاتح لما أغلق) هو القلوب التي أغلقت على الشرك ملموءة به، ولم يجد الإيمان مدخلا لها ففتحت بدعوته صلى الله عليه وسلم، حتى دخلها الإيمان وطهرها من الشرك وامتلأت بالإيمان والحكمة”!!!
وقوله: “الخاتم لما سبق”، يعني من النبوة والرسالة، لأنه ختمها وأغلق بابها صلى الله عليه وسلم، فلا مطمع فيها لغيره (نعم)، وكذلك الخاتم لما سبق من صور التجليات الإلهية (ضلال مرفوض) التي تجلى الحق سبحانه وتعالى بصورها في عالم الظهور (= كلام عن وحدة الوجود!)، ولأنه صلى الله عليه وسلم أول موجود أوجده الله في العالم (ما الدليل؟) من حجاب البطون وصورة العمى الرباني (= ضلال)، ثم ما زال يبسط صور العالم بعدها في ظهور، وأجناسها بالترتيب القائم على المشيئة الربانية جنسا بعد جنس! إلى أن كان آخر ما تجلى به في عالم الظهور الصورة الآدمية على صورته صلى الله عليه وسلم. وهو المراد في الصورة الآدمية (من أين جئت بهذا؟) . فكما افتتح به ظهور الوجود، كذلك أغلق به ظهور الموجودات صلى الله عليه وسلم وعلى آله! وبعبارة (أخرى) قال رضي الله عنه: أول موجود أوجده الله تعالى من حضرة الغيب، هو روح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (ما دليلك وما دليل المدافعين عن ظلامياتك؟). ثم نسل الله أرواح العالم من روحه صلى الله عليه وسلم! (لا من روح آدم وحواء!). والروح هنا هي الكيفية التي بها مادة الحياة في الأجسام. وخلق من روحه صلى الله عليه وسلم الأجسام النورانية (؟؟؟) كالملائكة ومن ضاهاهم! وأما الأجسام الكثيفة الظلمانية، فإنما خلقت من النسبة الثانية من روحه صلى الله عليه وسلم. فإن لروحه صلى الله عليه وسلم نسبتين، أفاضهما على الوجود كله! فالنسبة الأولى نسبة النور المحض! ومنه خلقت الأرواح كلها والأجسام النورانية التي لا ظلمة فيها. والنسبة الثانية من نسبة روحه صلى الله عليه وسلم نسبة الظلام (؟؟؟). ومن هذه النسبة خلقت الأجسام الظلمانية كالشياطين وسائر الأجسام الكثيفة (ومنها جسده صلى الله عليه وسلم)!!! والجحيم ودركاتها –وهو مآل من كذب على الله وعلى الرسول– كما أن الجنة وجميع درجاتها خلقت من نسبة النورانية. فهذه نسبة العالم كله إلى روحه صلى الله عليه وسلم”!!!
فليحضر صاحبنا الفقيه الخطيب أحمد الحراق المتخصص في الفكر الإسلامي حاويات فارغة، ليشحنها بمعلومات ضافية عن نظرية صوفية ظلامية، تقدم ما لم تقدمه أية فلسفة موضوعها الوجود المطلق! ولا قال بما قدمته كتاب الله ولا سنة مجتباه! فإن اشتهر لدى فلاسفة الإغريق القول بأن الماء هو أصل العالم عند البعض! أو النار عند البعض الآخر. أو الهواء لدى فريق ثالث. أو التراب لدى فريق رابع! فإن الفريق الخامس يتحدث عن الهيولى كأصل للوجود! بينما يتحدث الفريق السادس عن العقول العشرة التي يتقدمها العقل الأول الناجم عن تفكير الله في نفسه! في حين أن الفريق السابع يتحدث عن فيض تلك العقول عن الله فيضا اضطراريا لأنها لا تملك إلا أن تفيض عنه -كما هو بين عند الفارابي-! كما لا تملك الشمس إمساك أشعتها عن الانتشار! والحال أن القرآن يحدثنا بكل بساطة عن كونه تعالى أوجد الكون من العدم، دون الدخول في التفاصيل. ولم يخبرنا قط أن خلقه مرتبط بالرسول الذي هو أول مخلوق له نسبتان: نورانية وظلمانية، إلى آخر الأسطورة التي قرأناها ووقفنا عليها منذ حين!
ثم أضاف التجاني –بعد سلسلة من الظلام القاتم الذي قدمه بلا حياء وبلا خجل– “ولا مطمع لأحد في إدراك “الحقيقة المحمدية” في ماهيتها التي خلقت فيها. وفي هذا يقول أبو يزيد (البسطامي): غصت لجة المعارف طالبا للوقوف على عين حقيقة النبي صلى الله عليه وسلم! فإذا بيني وبينها ألف حجاب من نور! لو دنوت من الحجاب الأول لاحترقت به! كما تحترق الشعرة إذا ألقيت في النار! وكذا قال الشيخ مولانا عبد السلام (بن مشيش) في صلاته (يتعبد بها الشاذليون حتى الآن!): وله (أي للنبي صلى الله عليه وسلم) تضاءلت الفهوم، فلم يدركه منا سابق ولا لاحق”!!! وفي هذا يقول أويس القرني رضي الله عنه لسيدنا عمر، وسيدنا علي رضي الله عنهما: “لم تريا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ظله” (يا لها من قلة حياء!). قالا له: “ولا ابن أبي قحافة”؟ أجاب: ولا ابن أبي قحافة (يقصد أبا بكر رضي الله عنه)؟ فلعله -يقول التجاني– غاص لجة المعارف طالبا للوقوف على عين الحقيقة المحمدية فقيل له: هذا أمر عجز عنه أكابر الرسل والنبيئين! فلا مطمع فيه لغيرهم. والسلام”!!!
قال ابن حرازم: “انتهى ما أملاه علينا سيدنا رضي الله عنه”!!!
فيكون علينا نحن حمل الخطيب أحمد الحراق حملا على تقديم شروح وافية واضحة للأساس الذي قامت عليه “صلاة الفاتح لما أغلق”! وهو هنا مسمى الحقيقة المحمدية كمخلوق خلقه الله قبل خلق جميع الأكوان! لأن هذا الزعم ونظائره من الكشوفات الصوفية، أو من العلم اللدني الذي يتلقاه أكابر الشيوخ مباشرة عن الله بدون ما واسطة، بحيث إنه لا يمكن لغير الطرقيين الخوض فيه بمنطق العقل والدين الحق والتجربة الميدانية! ثم لأنه ينتمي إلى الأذواق والمواجيد، فكان أن استعصى حتى على العقول الآدمية الموصوف أصحابها بالعباقرة!!! وبما أن صاحب قضيتنا تجاني طرقي حتى النخاع كما يفهم من كلامه، فعليه أن يبعد تماما من تفكيره كون الباحث في الفكر الإسلامي يمكنه التذرع بالمنطق العقلاني لتعليل كل ما يتصل بمسمى الحقيقة المحمدية: هذه التي لها نسبتان: نسبة معنوية ونسبة مادية بلغة العصر! بحيث خلقت الأجسام النورانية من النسبة الأولى، والأجسام الظلمانية الكثيفة من النسبة الثانية! وكأننا هنا أمام الثنائية المزدكية التي تتحدث عن إلهين للعالم: إله الخير(يزدان) وإله الشر(أهرمن)، دون الدخول في التفاصيل!!!
ولا غرابة متى ادعى التجاني أن الحقيقة المحمدية لم يدركها، لا الصديق، ولا الفاروق، ولا أبو الحسن (= علي بن أبي طالب)! وإنما يدركها مشايخ التصوف، كابن مشيش، وتلميذه الشاذلي، وتلميذ الشاذلي أبو العباس المرسي! وتلميذ المرسي ابن عطاء الله السكندري! وتلميذ هذا الأخير: البوصيري صاحب “بردة المديح” التي تتلى عندنا كذلك في مناسبات دينية وغيرها، على المستوى الرسمي والشعبي! وهي التي تنضح بسموم بدعية من شأنها أن تضع صاحبها ضمن صفوف المنغمسين في الفسوق والعصيان! فهو مرة يقسم بالقمر (والقسم بغير الله شرك)! وهو مرة يزعم أنه صلى الله عليه وسلم على علم بما كتب في اللوح المحفوظ! ويدعي أخرى أن من جوده وكرمه وعطائه للبشرية جمعاء الدنيا وضرتها (يقصد الآخرة)! ثم إنه لا يتورع من القول “لولاه لم تخرج الدنيا من العدم”!!! وهو نفس ما كرره التجاني في مقولاته الظلمانية التي سقناها باختصار شديد! مما يعني أن قناعات مشايخ الطرق، قناعات واحدة!
ونكرر هنا أن ظلاميات التجاني، وظلاميات المتعلقين به والمنتصرين له، تحتاج إلى أكثر من مجلد، لا إلى مجرد كتاب! لكن بما أن “صلاة الفاتح لما أغلق” هي محور محاججتنا لخطيب يضع البدعي والسني في كفتي ميزان متقابلتين، وكأن البدعي هو نفسه السني، والسني هو نفسه البدعي، فإننا ندعوه بكل إصرار، إلى التأني قبل أي اندفاع من الصعب عليه تقدير عواقبه! مع تذكيره بأن المسؤولين عن حماية السنة والدين في الجملة من خطر الابتداع، هم العلماء. نقصد العلماء العاملين الأتقياء، لا العلماء الواقعين تحت وطأة الخوف أو الطمع! بحيث إنهم حينها لا يستجيبون لله ولرسوله! وإنما يستجيبون للحكام، فيتحاملون ويتآمرون على من يتعاونون لإعلاء راية الدين خفاقة على راية الخارجين عن سبيل الله، بما أحدثوه من ضلالات أومن بدع! ثم إنني أحثه على الاستحضار المستمر لقوله صلى الله عليه وسلم: “من أحيا سنتي فقد أحبني، ومن أحبني كان معي في الجنة“. كما أحثه على وضع السؤالين الآتيين باستمرار كحلقة في أذنيه: “ما الأفضل في الدين: قول الرسول وفعله وتقريره؟ أم قول وفعل وتقرير غيره فيه”؟
ثم إنني أوجهه إلى الارتواء من كتاب تلميذ سحنون: محمد بن وضاح الأندلسي “البدع والنهي عنها”، بحيث يكون من جملة ما يطفئ ظمأه إن هو تطلع إلى احترام السنة بدل احترام البدعة، ما ورد على لسان عبد الرحمان الأوزاعي إمام أهل الشام حين يقول: “لا يقبل الله من ذي بدعة صلاة ولا صياما ولا صدقة ولا جهادا ولا حجة ولا عمرة ولا صرفا ولا عدلا! وكانت أسلافكم تشتد عليهم ألسنتهم! وتشمئز منهم قلوبهم! ويحذرون الناس بدعتهم! قالوا: ولو كانوا مستترين دون الناس ما كان لأحد أن يهتك عنهم سترا! ولا يظهر منهم عورة! الله أولى بالأخذ بها وبالتوبة عليها! فإذا ما جهروا بها وكثرت دعوتهم ودعاتهم إليها، فنشر العلم حياة! والبلاغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة يعتصم بها على مصر مذنب”!!!
والحكم أخيرا للقراء الذين سوف يقررون ما إذا كان واردا في ديننا الحنيف، ما يبيح الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال ما تمت للتجاني وغيره نسبته إليه! وإذا لم يكن فيه واردا، فقد ورد في السنة كما نعلم قوله صلى الله عليه وسلم: “الحلال بين، والحرام بين، دع ما يريبك إلى ما لا يريبك”! وعند مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: “إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار”. وعند البخاري قوله صلى الله عليه وسلم: “لا تكذبوا علي، فإنه من كذب علي فليلج النار”!!! فصح أنني –عبر تحذيري من ختم الدروس الرمضانية الرسمية ب”صلاة الفاتح لما أغلق”– لم أكن غير ناصح بالتزام المفروض دينيا علينا، وهو اتباع سنة الذي هو جد جميع آل البيت أو الأشراف، لا اتباع ابتداعات المضلين الضالين الذين هم خصومه صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة!!!
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام عاى اشرف المرسلين سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم .
اما بعد اولا مادخلك انت في هذا وهل عندك علم مثل علم العارفين بالله ان كان لا فانت هو المضل الضال واما ماجاء عن لسان الشيخ سيدي احمد التجاني لاغبار عليه وهذا فضل الله يوتيه من يشاء والامر عنك بعيد ، ولكن الهابة هذا هو شغلهم .