الأخونة والإخوانية..
ذ. حماد القباج
هوية بريس – الثلاثاء 26 غشت 2014
أحار كثيرا في التقييم الشرعي لبعض المواقف التي يتبناها إخوة فضلاء أتقرب إلى الله بحبهم؛ لما يحرصون عليه من تسنن واستقامة وعلم ودعوة إلى الله سبحانه وتبليغ عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم..
المحيّر في تلك المواقف أنها تتأسس على منهجية لا تمت للعلم ولا لأصول الدعوة وآدابها بصلة:
ومن ذلك -مثلا- المسارعة إلى وصف شخص أو توجه دعوي بالإخواني والإخوانية..
ثم الانتقال مباشرة إلى الحكم عليه بالانحراف والخروج عن المنهاج بسبب ذلك الوصف..
ليخلصوا بعد ذلك إلى مواقف العداوة والعدوان الذي لا يرقب فيه علما ولا سابقة، ولا يبقي له فضلا ولا محمدة..!!!
فما هو مفهوم الإخوانية؟
وهل هو وصف علق به الكتاب والسنة ذما مطلقا؛ بحيث يذم صاحبه بمجرد اتصافه به؟
أم ذكره العلماء في كتب الملل والنحل الباطلة؟؟
وإذا كان الأمر كذلك؛ فما هي معايير انطباق هذا الوصف؟؟
وهل انطباقه على شخص يلزم منه شرعا؛ إسقاطه وإسقاط حقوق أخوته الإيمانية وهدر منزلته العلمية أو جهوده الإصلاحية؟؟
لو تأملنا فيما يعرض في القناة المسماة: قناة البصيرة؛ لرأينا مشهدا حيا لما يمكن وصفه بالمغالطة التاريخية الكبرى والجريمة الأخلاقية العظمى والتلبيس الذي يحرف الدين ويسقط أحكامه وتشريعاته وآدابه باسم السنة والسلفية..!
وواضح في القناة أن الإخوانية وصف قدحي لا يراعَى لصاحبه حق ولا يُرقب فيه إلاّ ولا ذمة!
فجماعة الإخوان المسلمين جماعة صهيونية جاءت لهدم الأمة وتنفيذ مخطط بني صهيون..
وهي جماعة إرهابية كل أتباعها خوارج يجب قتلهم: دمهم حلال وعرضهم مستباح..
والمشيخة الموقرة تضمن لكل شرطي أو عسكري أنه في حل، ولا مؤاخذة عليه إن وجه مسدسه إلى صدر الإخواني؛ فـ(ليطخ في المليان) ولا يبالي..؛ فإن هؤلاء خوارج العصر وكلاب النار..
أما السيسي فرضي الله عنه وأرضاه: إمام مرتضى ومصلح طهر الله به البلاد من رجس الإخوانية وأنقذها من مخطط الأخونة الخطير الذي منع تنفيذه -طيلة سنين- ولي الله الإمام العادل: سيدي حسني مبارك..
فالسيسي هبة الله لأهل مصر، إن لم يكن رسولا من رسله عليهم السلام..(1)
أما ثناء (نتنياهو) عليه، وقوله بأنه صديق (إسرائيل) وشريكها الاستراتيجي؛ فالرجل وان كان يهوديا؛ فان القرآن أثنى على أهل الكتاب..
أما مرسي؛ فمنافق لا يطبق الشريعة ومنحرف يقرب الشيعة..
وقد هدد الأمن القومي المصري والاستقرار العربي بجريمة دعمه للمقاومة في غزة..
لقد سعى لخراب دولة قوية؛ تنشر العدل بين رعاياها وتبسط الرخاء والازدهار في مجتمعها؛ من أجل حفنة من المتطرفين الإرهابيين الذين يحملون السلاح في وجه دولة ديمقراطية اسمها (إسرائيل)..، حفنة إرهابية تقاتل دون المال والعرض والأرض..
فمرسي إخواني حماسي حزبي مقيت يجب إعدامه..
ومما يكتمل به مشهد قناة (البصيرة)!؛ تلك الاتصالات البريئة! العفوية! التي تشيد بشيوخ القناة وجهودهم المشكورة في الذب عن السنة والمحافظة على المنهاج..
طبعا ليس من المنهاج الاشتغال بالسياسة القائمة على الحماسات والعواطف..؛ ولذلك لا تتكلموا في ولاة الأمور حفظهم الله وإن سفكوا الدماء وانتهكوا الأعراض..
ومن الانحراف المنهجي؛ الاشتغال ببيان:
حرمة الخروج على ولي الأمر الشرعي (طبعا: حين يكون ولي الأمر هو مرسي)
حرمة الدم (الإخواني)
حرمة العرض (الإخواني)
فالكلام في هذه الأمور بيانا للعدل واستنكارا للمنكر وأمرا بالمعروف ونصرة للمظلوم الملهوف: هذا خوض في السياسة وإشغال للشباب عن العلم وجادة الكتاب والسنة..
أما ذكر محاسن جماعة الإخوان؛ فانحراف يصل إلى درجة: الخيانة للمنهاج والخروج عنه، وهو عند (المعتدلين) تلميع وتغرير بالشباب السلفي الذي يسير على الجادة..
فإن وصلت بك الجرأة والوقاحة إلى حد الثناء على مُنَظّر من المنظرين؛ مثل: الأستاذ حسن البنا رحمه الله والدكتور يوسف القرضاوي وفقه الله؛ فهنا تجاوزت كل الحدود ولم تُبقِ للسلفيين رضي الله عنهم وأرضاهم، وخلد في الصالحات ذكرهم، ولا حرمنا رضاهم ومباركتهم..؛ لم تبق لهم أي مجال لعذرك وحفظ فضلك والاعتراف بسابقتك..
فأنت بلا شك حزبي متستر وإخواني تابع للتنظيم العالمي للإخوان؛ تعمل في الخفاء لأخونة الدعوة..
فالواجب والحال هذه؛ أن تهدر حقوقك الشرعية؛ مادية كانت أو معنوية..
ولا تستحق أدنى تلك الحقوق؛ من إفشاء السلام وعيادة المريض واتباع الميت..
أما مجالستك؛ فلا تجوز لأنك من أهل الأهواء الذين خرجوا عن المحجة البيضاء..
أما جهادك؛ فقد أبطلته بسبب (إخوانيتك)..، هذا إن شهدوا بجهاد أو نضال؛ وإلا فماذا قدمت للدعوة؟!
لست مرتابا في أن هذا التوجه تقف وراءه جهات سياسية تعمل جاهدة لتصفية حساباتها مع خصمها اللدود: (الإسلام السياسي) وخصوصا جماعة الإخوان المسلمين ومشروعها التدافعي لإسقاط الهيمنة الصهيونية..
لكنني أقول لمن أحببتهم وأرجو أن يحافظوا على الأسباب التي من أجلها أحببتهم:
اتقوا الله وقولوا قولا سديدا..
اعدلوا هو أقرب للتقوى..
حرروا معاني المصطلحات..
والتزموا في حكمكم على الناس بما أنزل الله سبحانه..
والزموا غرز علماءكم وهدي أئمتكم:
هل تجرءون على وصف الدكتور الهلالي بالإخوانية وتلميع المنحرفين حين قال في كتابه “الدعوة إلى الله” (ص:82) وما بعدها:
“..وذلك أن الإمام حسن البنا رحمه الله ورضي الله عنه كتب إلي يقول: إن صحيفتنا “الإخوان المسلمون”، بلغت من الرواج ولله الحمد إلى أن صارت في مقدمة الصحف اليومية التي تصدر في القاهرة ولنا مكاتبون في جميع أنحاء العالم إلا في المغرب فليس لنا مكاتب يبعث لنا بأخبار إخواننا المسلمين في هذا القطر المهم، فأرجو من فضلك أن ترشدنا إلى مكاتب تختاره بما يطلب من المكافأة، وإن سمحت لك صحتك بأن تكون أنت بنفسك ذلك المكاتب فهو أحب إلينا.
فأجبته:
لبيك يا لبيك يا لبيك—ها أنذا منطلق إليك
أنا الذي أتشرف بأن أكون مكاتبا لصحيفة الإخوان المسلمين” اهـ.
أم أنه لُبّس عليه ولم يعرف ما عرفتم من ضلال الجماعة؟!
وهل كان العلامة ابن باز ملمعا للمنظرين للمناهج الحركية والإخوانية! حين أثنى مرات عديدة على القرضاوي ووصفه بالعلامة وفضيلة الشيخ؟!
وهل كان الشيخ الألباني كذلك حين تراجع عن اعتبار جماعة الإخوان خارجة عن الفرقة الناجية؛ وقال في سلسلة الهدى والنور (رقم الشريط:849):
“إن الإخوان المسلمين ليسوا من الفرق الضالة، ولا أعتقد أني قلت ذلك ولو قلته فإني أتراجع عنه، ولا أعتقد أن يصل بي الأمر إلى أن أحكم على شخص ما بأنه من الفرق الضالة لمجرد مخالفة واحدة.
وكثيرا ما سُئلت عن الأحزاب القائمة اليوم خصوصا حزب الإخوان المسلمين هل أعتبرهم من الفرق الضالة؟
فأقول: لا.
وأقل ما يقال فيهم أنهم يعلنون تبعا لرئيسهم الأول حسن البنا رحمه الله أنه: على الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح -وإن كانت هذه دعوى تحتاج لتفصيلها قولا وتطبيقها وعملا-، ولكن نحن نكتفى منهم أنهم يعلنون الانتماء إلى الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح، لكنهم يخالفون ذلك في قليل أو كثير.
وفيهم أفراد هم معنا في العقيدة لكنهم ليسوا معنا في المنهج، لذلك أنا لا أجد رخصة لأحد أن يحشرهم في زمرة الفرق الضالة، ولكنهم يخالفوننا في مواضع طالما نناقشهم ونجادلهم فيها، لكنهم لا يستحقون بها أن نلحقهم في الفرق الضالة؛ لأنهم لم يتخذوا منهجا يعلنونه ويتبنونه على خلاف الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح كما هو شأن الفرق الأخرى المعروفة من قديم” اهـ(2).
أيها الإخوة:
الإخوانية وصف لا يرتبط به شرعا مدح ولا قدح..
وهو مصطلح غير مقبول علميا؛ لأنه لم يحترم المعايير العلمية لقاعدة: “لا مشاحة في الاصطلاح”..
ولو تجاوزنا اللفظ إلى المعنى؛ فإننا نقول:
هل تعنون بالأخونة والإخوانية: القول بالمشاركة السياسية في أنظمة سياسية لا تلتزم الأحكام الشرعية؟
فهذا ما عليه جماهير العلماء المعاصرين؛ وقد نقلت لكم فتاويهم في كتاب الاستبصار موثقة صريحة..
فهل تجرءون على وصف أولئك العلماء بالأخونة وتمييع الدين وإشغال الشباب بالسياسة والحماسة؟!
وإن كنتم تعنون بالإخواني العامل على أخونة الدعوة؛ الذي يحث على التعاون على الخير مع الجماعات الإسلامية؛ بما فيها جماعة الإخوان؛ فهذا توجيه كبار العلماء:
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (ج2/ص237)، الفتوى رقم (6250):
س: في العالم الإسلامي اليوم عدة فرق وطرق؛ مثلا: هناك جماعة التبليغ، الإخوان المسلمين، فما هي الجماعة التي تطبق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟
ج: أقرب الجماعات الإسلامية إلى الحق وأحرصها على تطبيقه: أهل السنة: وهم أهل الحديث، وجماعة أنصار السنة، ثم الإخوان المسلمون.
وبالجملة فكل فرقة من هؤلاء وغيرهم فيها خطأ وصواب، فعليك بالتعاون معها فيما عندها من الصواب، واجتناب ما وقعت فيه من أخطاء، مع التناصح والتعاون على البر والتقوى.
الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز
نائب الرئيس: عبد الرزاق عفيفي
أعضاء: عبد الله بن قعود/عبد الله بن غديان
وإن كنتم تعنون بالإخواني؛ الذي يؤدي الواجب الشرعي ببيان حرمة ظلم الإخوان ويقوم بما يستطيع لتطبيق هذا الحكم: بيانا بالقلم شعرا ونثرا، ونصحا لولاة الأمر من العلماء والأُمَرا، واستغلالا لكل فرصة تتاح لذلك..
فهذا واجب شرعي لا اختيار لنا فيه مهما اختلفنا مع الإخوان في مسائل شرعية وسياسية..
وثالثة الأثافي أن يعتبر أحد الإخوة الفضلاء ذلك تجاوزا للحد المقبول في نصرة المظلوم!!!
مقبول عند من؟؟
ومن أنت حتى تحدد المقبول والمرفوض؟؟؟
وبأي ميزان تزن القبول والرفض؟؟
بميزان الشرع؟
فهات دليلك: العلم قال الله قال رسوله..
أم بميزان العلماء الكبار؟؟
فلا أعرف منهم هذا الخذلان للمظلومين المقهورين..
أم بميزان الغلاة ومنهاجهم الهدام المنحرف في الرد على المخالفين؟؟؟
فبئس الميزان..، فضعه تحت قدمك وألقه في مزبلة الفكر الإنساني ولا كرامة..
وادع للشيخ ربيع أن يتداركه الله بتوبة ورجوع إلى الحق.. وقد بدت منه بوادر في هذا الطريق؛ بلغه الله منتهاه وسلمه من قطاعه الذين يحيطون به من زبانية الغلظة والجفاء ودهاة السياسة الفاجرة الخسيسة..
لقد تسلل على حين غرة إلى مجتمع أولئك الأفاضل المحبوبين؛ أناس يعملون جاهدين على غلق الأبواب أمام كل لقاء أخوي ودود، وسد المنافذ نحو أي حوار علمي متين..
حتى إذا استحكمت الوحشة، وتمكنت الجفوة، وأُحصيت السقطات ورُصدت الفلتات..؛ قاموا من مقابر النميمة الموحشة، وخرجوا من مستنقعات الغيبة الآسنة؛ يوزعون التهم ويستبيحون الذمم، وينكرون الفضائل ويَفجُرون بنشر الزلات واختلاق الرذائل..
اللهم احفظ الصالحين والمصلحين من مكرهم الكُبّار، وأبطل سحرهم الذي يمررون به مخططات المفسدين الفجار، واكفنا شر كيدهم يا عزيز يا جبار..
فائدة:
قال شيخنا المغراوي في الرد على من رموه بتهمة “القطبية والسرورية”:
“والمعروف عند علماء الإسلام والعقائد والطوائف أن البدع التي حذروا منها طيلة العصور الإسلامية وألفت فيها الكتب، ذكروا مبادئها وأصولها حتى يكون التحذير ببصيرة، ويكون المُحذَّر على علم بالمحاذير التي تلحقه من وراء الانتماء إلى ما حذر منه، كالشيعة والروافض والجهمية والمرجئة والخوارج والقدرية والمشركين والزنادقة والباطنية والصوفية وطرقها المشهورة كالشاذلية والنقشبندية والقادرية وغيرها من الفرق الضالة والطوائف المنحرفة..
وقال في معرض إنكار غلو القائلين بحرمة النقل من كتب المخطئين:
“..ومقدمة “مختصر العلو” للألباني إمام أهل السنة في وقته أكبر شاهد على الاستفادة من سيد قطب، فإن شاء من يحذر من النقل من كتب سيد أن يسمي الألباني قطبيا فله ذلك ولكن يخاف من عصا الشيخ الألباني الكبيرة، ويستسهل ما هو أخف منها لعلمه أن ضربة تلك قاضية قاسية وأن ما سواها فتتحمل إلى وقت وحين ويرجع الجمل على من ضربه ولو بعد سنين”.
ووصف الذين يطلقون هذه الأوصاف ب: ” المتعجلين الذين فقدوا التأصيل وجهلوا طرائق أهل العلم”(3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- وناقل الكفر ليس بكافر.
2- هذا تراجع للشيخ الألباني عن قوله أن الإخوان ليسوا من أهل السنة، الذي قاله في الشريط (رقم:752).
3- أهل الإفك والبهتان.. ص:19، وبهذه المناسبة: أهمس في أذن الشيخ:
احذر بطانة السوء، وأرباب النميمة ومهندسي إفساد ذات البين، ومنظري الجفاء والجفاف (أعني جفاف الأخلاق وجفاة حسن العهد)..
خذ بما سمحت به الضرورة من رخصة ومداراة، ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم، و”لا تنسوا الفضل بينكم”..