اعترافات الصحفي رئيس العصابة (1)
مصطفى الحسناوي
هوية بريس – الأحد 25 غشت 2013م
بملء رغبتي أنا ودونما إرهاب، أعترف لكم بأنني كذاب! فقد وقفت طوال الأسابيع المنصرمة أخدعكم بالجمل المنمنمة، ونفيت أي علاقة لي بالإجرام وتخريب الأمن العام والإرهاب وتهديد النظام، وأنكرت انتمائي لأي جماعة إرهابية أو تكوين عصابة إجرامية، وصرحت لوسائل الإعلام مستنكرا كيف أتهم بهذه التهمة وأنا أتابع منفردا في الملف؛ أين هذه العصابة؟ أين عناصرها؟ ما هو مخططها وأهدافها؟ ثم أين هي الحجج والأدلة التي تدينها؟
كنت مصرا على الإنكار والكذب والبهتان وتفننت في لعب دور الضحية المظلوم والإنسان المكلوم رغم أني متورط في تكوين عصابة خطيرة، بل وقيادتها ووضع خططها ومخططاتها وتنظيم لقاءاتها ومواعيدها.
لقد سلكت هذا الطريق منذ مدة واخترته بكامل إرادتي ورغبتي عن سبق إصرار وترصد، وكنت خلال كل عملية أنفذها أتقصد استهداف أكبر عدد من الأهداف ثم سرعان ما أعود للتخطيط من جديد للعملية المقبلة.
وقد كانت العمليات تستهدف كامل التراب الوطني، كل البلاد جغرافية وتاريخا وسياسة بل حتى خارج حدود البلاد حيث اكتست عملياتنا بعد الخبرة التي اكتسبناها بُعدا دوليا أرجح معه أن المخزن قرر أن يخوض ضد منظمتنا العتيدة حربا بالوكالة لصالح دول أجنبية.
الآن بعد أن قالت المحكمة كلمتها وباسم ملك البلاد حكم القاضي حكمه النزيه والعادل والشفاف والمستقل؛ أربع سنوات سجنا نافدا بالتمام والكمال؛ في نفس اليوم الذي كتب فيه عبد الباري عطوان مقاله الأخير منسحبا من مهنة المتاعب تحت ضغط لوبيات وجهات نافذة، وهو قياس مع وجود الفارق طبعا ولو من جانب المصير والمآل وحجم التضامن، بل إن حجم التضامن مع صحفيين كانوا قريبين من محيط ما يسمى بالإرهاب: مثل تيسير علوني، وسامي الحاج، وحيدر شائع، وغيرهم؛ الذين وجدوا منظمات حقوقية حقيقية ومنابر مستقلة تدافع عنهم رغم تواجدهم على خطوط التماس بل وفي بؤر التوتر، مما لم أحلم بعشره حيث تهاوت من حولي كل تلك المنابر المستقلة والمنظمات الكرتونية والشخصيات المناضلة من وراء مكاتبها الوثيرة في سبيل المنصب والشهرة؛ نضال على المقاس تمليه وتتحكم فيه إيديولوجيا ضيقة أو مكاسب حزبية أو شخصية أو توجيهات مخابراتية، بحيث أصبح المرء يشك في نزاهة واستقلالية الأغلب الأعم من هذه المنابر والمنظمات والشخصيات.
بعد هذا الواقع الذي أصبح يخاصمني من قضاء نزيه وإعلام مستقل ومنظمات حقوقية مناضلة وحرة وشخصيات شهمة وواقع سياسي مشجع وترسانة من الحقوق والحريات والضمانات بحيث يصعب على مجرم يسعى في الأرض فسادا مثلي أن يعيش في هذا الوسط الصافي النقي؛ ليس هناك مناص من الاعتراف والإقرار بما كنت أخطط له وليس هناك مفر من إماطة اللثام عن أفراد العصابة التي اتهمتني الشرطة القضائية والنيابة العامة بتشكيلها، ولا يفوتني في مقام البوح والاعتراف هذا أن أنوه بالدور المتيقظ لبعض المنابر الإعلامية المرتبطة بالجهات الأمنية الناطقة باسمها أو الراضعة من ثديها والتي سارعت لإدانتي قبل قول القضاء كلمته؛ ومن منطلق الواجب الوطني والضمير المهني وأخلاقيات المهنة فضحتني على رؤوس الأشهاد وكشفت عن مخططي الرهيب الساعي لتهديد الأمن العام واستقرار البلاد وترويع الآمنين.
لم يعد أمامي بعد هذه اليقظة وهذه المواقف وهذا الحصار وأيضا هذه الخيبة وهذا الخذلان من طرف وسطاء وسماسرة النضال إلا أن أقول:
أنا المقر بذنبي المعترف بطيشي وجرمي، أن العصابة الإجرامية كانت تتكون من:
– المتهم الأول: عبيد ربه الضعيف مصطفى محمد الحسناوي، الميسوري مولدا، السلاوي دارا.
– المتهم الثاني: السيد قلم أو يراع، وهو اسمه الحركي.
– المتهمة الثالثة: الآنسة ورقة، أو قرطاس وهو اسمها الحركي.
ولقد كان هذان المتهمان يتستران بأسماء حركية عديدة ويستعينان بخدمات عناصر أخرى تقدم لهما الدعم والإيواء كلوحة المفاتيح وشاشة الحاسوب وآلة التصوير والكاميرا الرقمية.
كنت أجتمع مع عناصر العصابة كل ليلة على مكتبي، وأحيانا أجتمع مع ورقة ويراع على سرير نومي لتنطلق عمليات التخطيط الخطيرة، ثم أضع اللمسات الأخيرة للخطة على مكتب عملي أو على متن قطاري متنقلا يوميا بين الرباط والدار البيضاء.
لقد كانت العصابة التي كنت أقودها والمكونة من ورقة ويراع عصابة خطيرة تهدد أصحاب الكراسي المهزوزة والقصور الرملية والبيوت الزجاجية، تهدد مصالحهم وقيمهم وأفكارهم وكذبهم وافتراءهم وتزويرهم وتدليسهم، فكنت بورقتي وقلمي كمن يقود جيشا عرمرما مسلحا بشتى أنواع الأسلحة متمثلا قول المتنبي:
الخيل والليل والبيداء تعرفني — والسيف والرمح والقرطاس والقلم
صحيح أنني لم أمتط خيلا قط ولم أمسك سيفا أو رمحا، وحين منعتني السلطات التركية من دخول أراضيها لم أكن أحمل سوى آلة تصوير وحاسوبي، وفي محاولتي سنة 2009 الذهاب إلى أفغانستان كنت أحمل كاميرا رقمية وأقلاما ومذكرة.
إن كل ما أملكه هو القليل من الجرأة والشجاعة والكثير من المعارف والعلاقات وهو الشيء الذي سعت جهات معينة لتوظيفه واستغلاله لصالحها فرفضت.
صحيح أنني لست سلفيا جهاديا كما افترت علي بعض جرائد المخابرات، لكنني صحفي بنفس نضالي وطعم جهادي؛ نضالي لاهتمامي بقضايا وطني وهموم شعبي ومطالبه؛ وجهادي لاهتمامي بقضايا أمتي المصيرية ومعاناة المسلمين في المناطق المشتعلة وبقاع الحروب والنكبات والمجاعات.
أحلم بالتواجد في أماكن الخطر وبؤر التوتر وأسعى للوصول إلى المعلومة وحصولي على السبق والظفر بلقاء أو تغطية أو حوار أو صورة تمكنني من شق طريقي نحو النجاح والتميز، وكذا إلى إيصال المعلومة الحقيقية والطازجة للقارئ.
وفي سبيل هذه الغايات فإنني أسترخص الغالي والنفيس والمهج والأرواح وأرمي بنفسي في المصائب والمهالك من أجل الظفر بغايتي وهو الأمر الذي لم يكن يثنيني عنه أي ضغط أو صعوبة وبدونه لا يكون لعملي أي معنى.
مشكلتي أني كنت أشتغل ضمن عصابة وفي إطار عمل جماعي منظم يستهدف المس بالأمن العام ولو اشتغلت بشكل منفرد بعيدا عن الورقة والقلم لما أوردت نفسي المهالك.
فاللهم اعف عني من هذه العصابة الشريرة، قولوا معي جميعا: اغفر وتب يا رب يا تواب..