«الصباح».. و«داعش».. و«فيلا حماد القباج بسلا»
هوية بريس – نبيل غزال
الأحد 14 شتنبر 2014
كعادتها كانت يومية «الصباح» عند الموعد ولم تخلفه؛ فمباشرة عقب تطرق بعض العلماء والمفكرين والدعاة لموضوع الغلو والتطرف؛ وتأكيدهم على خطورة هذا المنزلق العقدي والفكري، وانعكاساته السلبية على الفرد والمجتمع؛ وأنه أمر جلل لا يقبل المزايدات السياسية والخلافات الإيديولوجية الضيقة، خرجت الجريدة المذكورة لتدعي أن مصادر مطلعة أفادت بأن «الدولة جندت التيارات السلفية التقليدية في مواجهة مدّ «داعش» في بعض المدن، خاصة تلك التي هاجر منها مئات الشباب للقتال إلى جانب التنظيم الإرهابي».
وأن «شيوخ السلفية التقليدية في مجموعة من المدن يتسابقون على تنظيم محاضرات»، إحداها احتضنتها القاعة الكبرى بالمسرح الملكي بجليز بمراكش، عصر الجمعة، وحاضر فيها كبير شيوخ السلفية التقليدية، الدكتور محمد عبد الرحمان المغراوي، والأخرى عقدت بيوم قبل ذلك بالحي الجامعي بمكناس، وحاضر فيها «الداعية السلفي حماد القباج، في موضوع (الشباب بين الأمن الروحي ومنزلقات التطرف)، الذي استضاف في فيلته بسلا الشيخ المصري محمد حسين يعقوب»!!
فالتاريخ والواقع يشهدان أن ما يسمى بالسلفية العلمية -وفق التقسيم الأمريكي للجماعات الإسلامية-، كانت دوما في نقاش وسجال علمي مع من يرى التغيير من خلال العمل المسلح ومع دعاة الغلو والتطرف، وقد ألفت في هذا الإطار العديد من الكتب والمراجع العلمية، وسجلت آلاف المحاضرات الصوتية والمرئية التي تثبت هذا الأمر، ما يعني أن موقف السلفية العلمية عموما واضح وطبيعي اتجاه ما يسمى بـ «داعش» أو غيرها ممن يتبنى نفس الفكر.
لكن ما ليس طبيعيا ولا واضحا ويبعث على الريبة والشك؛ وطرح أكثر من علامة استفهام؛ هو تشكيك «الصباح» في هذا الموقف الطبيعي، وفي نية العلماء والدعاة المنتقدين لداعش؛ وادعائها أن المدن التي نظمت فيها المحاضرات هاجر منها مئات الشباب للقتال إلى جانب التنظيم الإرهابي؛ وهذا غير صحيح؛ وأكثر من هذا كله زعمها بأن تحركهم جاء نتيجة تجنيد سلطوي!!! مع العلم أن السلطات قد منعت محاضرة كان سيلقيها الدكتور حميد العقرة أمس السبت بمدينة آسفي حول الموضوع نفسه.
ومما يظهر تحيز الصباح المكشوف وانعدام المهنية والمصداقية عند بعض أعضاء تحريرها، إغفالها عمدا أن ما يسمى بـ«شيوخ السلفية الجهادية» وتنظيم القاعدة قد تبرأوا من تنظيم داعش ووجهوا له العديد من الانتقادات الحادة.
وبعيدا عن كل ادعاء أو مزايدة أو تحامل، فالواقع يشهد بأن «الصباح» ليست بريئة ولا منزهة عن التوظيف السلطوي، وحال الإعلام معروف عند كل متتبع ولا يحتاج إلى تفصيل، وقد كشف ملف الصحفي والحقوقي مصطفى الحسناوي -فك لله أسره- بعضا من هذا التوظيف؛ بل لنقل بعضا من هذا التواطؤ، حيث أن «الصباح» نشرت بعد اعتقال الحسناوي بثلاثة أيام مقالات أو بعبارة أدق تقارير أمنية عن المعتقل لم يستطع محامي الظنين الحصول عليها، ولم يسمع بها أقاربه الذين ظلوا يترددون على مصالح الفرقة الوطنية للشرطة القضائية أياما، وأصدرت «الصباح» الحكم ابتداء على الصحفي مصطفى الحسناوي حتى قبل أن ينطق به القاضي، وهو الأمر الذي دفع عددا من المتتبعين لهذا الملف إلى التساؤل عمن يمد هذا المنبر بهذه المعلومات السرية؟
وفعلا تأكد من بعد أن المقالات/التقارير التي كانت تنشرها «الصباح» تتطابق تماما مع محاضر الفرقة الوطنية.
الوقائع تؤكد أيضا أن الصباح في المشهد الإعلامي الوطني ظلت متميزة ومتفردة بنشر أخبار ومقالات وتقارير حول جل الجماعات الإسلامية بشتى ألوانها وأطيافها، وقد تركز عملها على تشويه العاملين في المجال الدعوي بشتى الوسائل والطرق الممكنة، سواء باللجوء مباشرة إلى الافتراء واختلاق الكذب على الأبرياء، أو بالاستناد على معطيات أمنية يتمكن هذا المنبر -بقدرة قادر- من الحصول عليها دون سواه؛ تتضمن زلات وتصرفات خاطئة تصدر من بعض المتدينين.
ومن جملة أخبار «الصباح» الكاذبة ادعاؤها أن «حماد القباج السلفي.. استضاف في فيلته بسلا الشيخ المصري محمد حسين يعقوب»!!! وإخفاؤها أن محاضرته بمكناس حول التطرف جاءت بعد طلب من قيادات في الشبيبة الاستقلالية.
وحتى أتبين من صحة الخبر المذكور أجريت اتصالا هاتفيا مع المعني بالأمر الشيخ القباج فأبدى تعجبه من هذه الجرأة على اختلاق المعلومات دون الاستناد إلى أي مصدر ولو مقرب من المعني بالمعلومة، وقال: (أنا لم أستضف الشيخ محمد يعقوب وإنما دعيت إلى أحد المجالس التي دُعِي إليها، كما أنني لا أملك بيتا وإنما أسكن في شقة كراء في مراكش وليس في مدينة سلا، كما أحب أن أوضح أن مشاركتي في الندوة تأتي في سياق أداء واجب شرعي ووطني وهو الإسهام في مواجهة ظاهرة الغلو، وهو ما أتاحته لي الشبيبة الاستقلالية مشكورة في إطار المهرجان الطلابي الذي نظمته بالحي الجامعي).
هذه نقطة في بحر اختلاقات «الصباح» ولا أريد الإطالة في هذا الموضوع لأنه محسوم لدى الكثير من الحقوقيين والإعلاميين، وأختم بالتذكير فقط بأن يومية «الصباح» لها سجل حافل في الكذب والافتراء على الإسلاميين عموما والسلفيين خصوصا؛ وقد سبق لها أن افترت على السلفيين أنهم جردوا فتاة من ثيابها بالسويقة بالعاصمة الرباط، وقد كشف الأستاذ مصطفى الحسناوي -فك الله أسره- من خلال تحقيق مصور أن هذه الرواية لا أساس لها من الصحة؛ وأن هذا الخبر لا يعدو أن يكون تحاملا على الإسلاميين كما دأبت على ذلك الجريدة في خطها التحريري.
كما سبق لـ «الصباح» أيضا أن ادعت بأن سلفيين مغاربة دمروا نقوشا صخرية عمرها 8000 سنة يعود تاريخها إلى عهد الفينيقيين؛ في الموقع التاريخي المعروف باسم «ياغور» فوق قمم جبال الأطلس الكبير، وهو الخبر الذي حرك لحساسيته وزارات الداخلية والعدل والثقافة؛ واستلزم تفريغ وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة وتنقله إلى عين المكان ليعلن للرأي العام الوطني أن الخبر لا أساس له من الصحة.
ومنه؛ فنحن نؤكد على ضرورة الوعي بالدور الذي تقوم به هذه المنابر المشبعة بفكر إقصائي استئصالي؛ والتوظيف السلطوي المكشوف لها؛ وندعوا كل مغربي إلى التثبت أكثر من مرة مما تنشره هذه المنابر التي هي في منأى تماما عن (ميثاق الشرف الإعلامي) وأخلاقيات المهنة.
وما أبلغ وصف الصحفي والحقوقي مصطفى الحسناوي لبعض الجرائد؛ التي تدعي الاستقلالية؛ في علاقتها بأجهزة الدولة حين قال في مقاله المعنون بـ: “عسل لبن كرموص هندي”: “(هل لهذه الجرائد المخابراتية) مكاتب داخل مقر الشرطة، أو للشرطة مكاتب داخل مقرت الجرائد”.