رسالة من رجل تعليم إلى رئيس الحكومة المغربية
هوية برس – محمد صلاح بوشتلة
الإثنين 15 شتنبر 2014
سيادة رئيس الحكومة، تحياتي لك، وكل دخول مدرسي وأنت بخير.
لا يسعني أولا، إلا أن أتمنى لك ولمن معك في فريقك الحكومي السداد والتوفيق في مهامكم التي بالتأكيد يهمنا نجاحكم فيها، لما أصبح لدينا من خوف على حاضر هذا الوطن وعلى مستقبله.
رغم أن هداياكم وقرارتكم في سنوات ولايتكم كانت كلها عبارة عن عقابات جماعية لرجل التعليم وقرارات مناهضة في أغلبها للهيئة التعليمية غير عابئة بمطالبها ولا بمشاغلها، قرارات لم تكن ولن تكون ضمن أي مشروع جدي لإصلاح مسار المنظومة التعليمية لا من قريب ولا من بعيد، ولن تحسب لكم وإنما عليكم سيكون حسابها، لما غلب عليها من لغة تتكلم ديكتاتورية المنع وتتحدث بمنطق الامتناع، فمن منع رجال التعليم من اجتياز مباريات المراكز التربوية، إلى الامتناع عن تغيير الاطار، إلى امتناعكم عن تمتيعهم بتقاعدهم جزاء حسنا عن عقود من التعب والعمل، إلى قراركم الأخير بمنعهم من حقهم في استكمال مسارهم التعليمي ضدا على ما تقرره الفطرة الانسانية وما تضمنه المواثيق الدولية ووصايا الشرائع والدين.
سيدي رئيس الحكومة، في كبرياء زائف، وفي غيرة حزينة لم نسمع بها حتى عند أكبر قادة العالم، ممن يحبون شعوبهم وتحبهم شعوبهم لما قدموه لها من انتصارات على الجهل والفقر، وفي تمثيلية سخيفة تختزل موهبة الاحساس بالآخرين والتظاهر بالانهمام الانساني بقضاياهم اليومية، برز وزيرك المسكين في التعليم في حنان وطني استعراضي ليشنف أسماعنا بقراره الوطني الغيور جدا، بمنع أساتذة قطاعه من حقهم الذي تضمنه الطبيعة والثقافة في مواصلة ومتابعة دراساتهم الجامعية، وذلك في لغة تتقمص وتدعي المعقولية التي بلا شك ورثها عنك وعن سلفه في الحكومة المعقول جدا المشمول بكرمكم والملعون من حزبه السيد محمد الوفا الذي بجرة لسان واحدة، وبسفسطة لغوية مضحكة، لا تمت للواقع بصلة، جعل من مدارسه -أيام كان وزيرا عليها- المكسورة النوافذ والقصيرة الجدران والمنعدمة المرافق أحسن من مدارس أوباما ووالده.
“ماشي معقول يخليو التلامذ ويمشيو يقراو للحصول على شهادة الماستر، وبعدها يطالبوو بالترقية”، هكذا، وبهذه اللغة الوطنية في انتمائها إلى “زناقي” هذا الوطن، تحدث وزيرك موجها الخطاب إلى شريحة مهمة من موظفيه الحالمين بغد أفضل، وذلك دونما “أيتيكيت” في الكلام، ولا فذلكات دبلوماسية تبتعد به عن أسلوبه الفج والممجوج واللاأخلاقي بالمرة، وغير الأنيق في اختيار الكلمات ولا حتى في الربط بينها، لا لشيء سوى لأن المدرس في هذا الوطن يا سيدي رئيس الحكومة، هو عندكم الأقصر ظهرا، لذا كان وسيكون بالنسبة إليكم الكائن الوحيد، دون غيره، الذي بمقدوركم أن تجعلوا من ظهره القصير ركحا مناسبا لتمثيل أدوار شجاعتكم المفتقدة وفروسيتكم المخصية أمام شعب أمسى متيقنا من إصابتكم بالرهاب المرضي خاصة من الكائنات المنقرضة منذ زمن طويل من إيكولوجيا المغرب كالتماسيح، ومن كائنات انقرضت وانمحت منذ عقود من وعينا اللاواعي، إلا من خيالات حكايا الجدات لأحفادهن كائنات كالعفاريت والأشباح.
أما أمام لصوص الوطن الذين ابتلعتم ألسنتكم وعريتم فروسيتكم أمامهم، حتى ظهر للغادي والبادي ما ظهر من سوآتكم، بتمتيعكم لهم بالعفو والصفح الجميل في هوان ورهبة قدسيين جزاء حِسَانا عما سلف، وعما سيأتي من جرائمهم في حق ماضي وحاضر ومستقبل الوطن، وفي هوان أسطوري آخر رفعتم يد حكومتكم عن ملفات مهربي أموال هذا الوطن وأحطتموهم بعناية عفوكم القضائي الذي لن تجد له مع الأسف سندا ومثالا في أدبيات الدين والشريعة، التي مزقت بالحديث عنها وعن محاسنها طبلات آذاننا أنت وأتباعك أيام هتافك على منابر المعارضة، وقبلها أيام منابر الدعوة إلى الله، لكن كل ذلك لم يتجاوز عندك حدود المواعظ الشفهية والأخلاق المكتوبة لتكسب بها قلوبنا البريئة ولتضحك عليها فيما بعد بقراراتك الدنيئة.
لقد جاءت كلمات وزيرك هذه، في آخر لقاء للمجلس الأعلى كاشفا فيها عن تفاصيل رؤيته لإصلاح المدرسة المغربية في أفق سنة 2030، ويا لكآبة الموقف ويا لحبل الكذب القصير جدا من وزيرك الثمانيني الذي قد لا يتسامح الموت معه في أسوء الأحوال أو الزهايمر في أحسنها ليتركه حتى يرى بأم عينيه نتائج رؤاه البعيدة الأمل والتحقق، فعن أي رؤية يتحدث وهو الذي اعتلى رأس وزارة التعليم في حكومة التسعينيات من القرن الماضي، دون أن نرى لاعتلائه ذاك أثرا ولا ذكرا، ولكنها وعود وآمال يمني بها المغاربة كما هي وعودك وآمالك الحالمة النائمة التي ما عدنا نأمل بمجيئها، ولا بتحققها لما عرفناه من لسانك الطويل اللسان، ويدك القصيرة اليد والفعل.
أرجوك سيدي رئيس الحكومة أن تخبر وزيرك في التعليم في أول مجلس وزاري يجمعكما، أن يكف عن تمثيله السيء الذوق والتذوق لدور الوطني الغيور على ظهور رجال التعليم، ليكسب عطف منتخبين يعرفون أن السياسة هي سبب فساد مدارسهم، إذ ليس رجل التعليم من يتآمر على الوطن، وليس هو من يقود الهجمات ضد مصالحه ومصالح جماهيره الكادحة، ولسنا نحن رجال التعليم من وجب أن تقام لهم وتنصب مشانق خطاباته التحريضية وقراراته المجحفة المرجفة في حقنا والمجترئة علينا، وليكن في علمك كما في علمه أن رجل التعليم هو الوحيد، وقليلون غيره من أبناء هذا الوطن من لا يزال يلقي الدروس عن الأخلاق وعن العدالة وعن الحكمة وحب الأوطان وعن الطيبة وعن أحقية أن نحلم وأن نحقق أحلامنا ودروسا أخرى عن الحب ومعانيه، وعن الصدق وفضله، في الوقت الذي تعطون أنتم النموذج السيئ لمعاني أن نرفع برامج انتخابية وأن نستدرك عليها بالعثور على شماعات نلصق قصة فشلنا عليها بعد نجاحكم في اعتلاء سدة الحكم علينا.
إن رجل التعليم وحده من يدع كل صباح إثنين تلاميذه ليرفعوا رؤوسهم الخجلى من أفعالكم بالوطن ليلقوا التحية للوطن وعلمه، ويرفعوا شعاره الذي بالكاد يتهجاه بعض نوابكم وبالكاد يحفظون بداياته، ووحده رجل التعليم من يكابد المحن ويركب البغال والحمير ليصل لقرى لم تعبدوا لها الطرق لأنها غير موجودة في خرائط انهمامكم ولا حتى في خيالات أوهامكم، فيخترق المسكين وحيدا الفجاج والجبال كي ينير عقول الناس التي ضجت بتجاهلكم وجهلكم لمشاكلهم، ووحده من يقبل أن يمدد له دون بقية العالمين في سنوات تقاعده ليسد عجزكم عن سد العجز الذي تعانيه مدراس وزارتكم.
سيدي رئيس الحكومة كن على يقين كامل أن المغاربة كلهم يعرفون أنكم في حكومتكم تهرفون بما لا تعرفون من دعاوي حبكم لهذا الوطن، إنهم يعلمون جيدا بكذبكم المتواصل عليهم وعليه، يعرفون ويعلمون جيدا أنكم أكثر من يستغل اسم الوطن ومصالحه لتبرروا لأنفسكم ما لا يجوز من سيء فعلكم، ولتجعلوه مطية لتحريم ما يجوز لأهل هذا الوطن التمتع به والحصول عليه، من نيتكم رفعكم سن التقاعد إلى 65 سنة، إلى رفع يدكم عن تشغيل أصحاب الشواهد الذين أمسى صمتكم عنهم عذابا لا يحتمل ولا يتحمل، وتستغلون اسمه أيضا في خطبكم البكائية لافتراس كرامتنا ولاستدرار عطفنا كما فعلت حين مدَّدت لنا قسرا ودون رغبة ممن أنهكته سنوات المرض والاجتهاد في فصول التدريس حتى نهاية السنة الدراسية بدعوى خدمة الوطن لأنه يستحق منا ذلك، بدل أن تعلن حكومتكم الطيبة الذكر مناصب لتشغيل الشباب القادر على العطاء والبدل.
إنكم سيدي الوزير وحكومتك الموقرة آخر من يجب يتكلم عن الوطنية في التعليم خاصة في حضرة رجل التعليم، وآخر من يجب أن يلقي الدروس أمامه عنها وعن الوطن، فلا أحد غيركم من ترك ثانويات وإعداديات وابتدائيات هذا الوطن فارغة خالية من أطقمها التربوية والادارية غيركم، حين جندتم رجال التعليم في مهمة إحصاء ساكنة المغرب، مهمة اخترتم لها كعنوان: “قيمة بلادنا سكانها” دون أن تكون لكم أي نظرة لها قيمة لستة مليون تلميذ مغربي سيحلون لمدة شهر الا قليلا، على مدارس جعلتموها رغما عنها مثوى للأشباح والعفاريت. ليفتضح نفاقكم الأرعن في التعامل مع الوطن.
وليأتي وزيركم الثمانيني جدا ليعرض رؤاه عن المدرسة المغربية في 2030، وليمارس خطاباته المجتهدة في تلفيق التهم والمتكاسلة عن إيقاظ الهمم لحل مشاكل الدخول المدرسي لموسم 2014/2015، وعلى حساب أناس لا ذنب لهم إلا أنهم شباب في مقتبل العمر دفعت بهم أحلامهم الى المزيد من البحث والمزيد من العلم والتعلم، شباب وضعوا نصب أعينهم نماذج لأساتذة علموهم وحقنوا في عروقهم أن الانسان يجب أن يكون للعلم من المهد الى اللحد ومن المحبرة إلى المقبرة فتمنعهم تراخيص متابعة دراساتهم لتلهي ملايين المواطنين عن دخول مدرسي غاب عنه إداريو مؤسساتك التعليمية وموظفو نياباتك وأكاديمياتك من الموظفين البسطاء إلى رؤساء الأقسام وكتابها.
ما عدنا نشك سيدي رئيس الحكومة أن وزيرك في التعليم يسعى إلى جعل مدرسيه كما مدارسه ضيقة الأفق ليرث عنهم هذه الصفة تلامذتهم المساكين، في سعي في بطولي دونكيشوتي إلى تعطيل أحلامهم وآمالهم وإقبارها، وإلى جعلهم وتحويلهم لظواهر عجز وكسل بتعجيزهم عن الترقي في سلاليم المعرفة، إنه لقرار مجحف وغير أخلاقي بالمرة يسعى صاحبه فيه بالتأكيد إلى تعميم الأمية على المغاربة بالتساوي شعبا ومعلمين، من خلال جعل هؤلاء المعلمين نماذج للقوى المعطلة المحدودة الأفق بقهر مواهب النبوغ فيها، وتصييرهم إلى عاهات انسانية وعقلية ضاجة بالقبح والعجز والسخف، غاية أملهم في أوقاتهم الفارغة هي الجلوس في مقاهي النسيان لملء جداول الكلمات المتقاطعة ولاستنشاق غبار أدخنة السجائر الرخيصة بدل ملء استمارات البحث، وإغناء البحث العلمي بجامعات الوطن ببحوث ومقالات رصينة في الوقت الذي لم ينجح وزيركم على تلك الجامعات حتى في فك اكتظاظها ولكن نجح في افتضاض حرمتها وكرامتها.
إن شعار التنوير يا سيدي رئيس الحكومة في أوربا هو “دعه يمر، دعه يعمل”، وها أنتم بقراركم الجائر والمعجز والعاجز بعد قرون على هذا الشعار التنويري وفي زمن الحرية والحداثة تقفون بلا عقلانيتكم حجر عثرة أنتم وحكومتكم أمام حلم أن ينور مدرسوكم عقولهم وأن يراكموا كفاءات أخرى فيحملوا قبس ما تعلموه إلى الأجيال التي ستتعلم على أيديهم، أولم يكفيك فخرا أن آلاف الدكاترة في شعب علمية وأدبية من الذين استكملوا دراستهم متحدين بعد الجامعات وقاهرين ظروف الطبيعة هم الآن يدرسون في مناصب في التعليم الثانوي والإعدادي بل والابتدائي، نعم إنك بالتأكيد آخر من يفخر بذلك ولكنك بالرغم منك يجب أن تعترف أنها كفاءات كبيرة بدل أن توفر لها مناصب تليق بشواهدها فإنك تهاب وتخاف حتى أن تقوم بترقيتها إلى مكانة تليق بإحدى شواهدها، فبقمعكم الذي تشهد عليه شوارع الرباط وبمناصبكم القليلة والمنعدمة في جامعاتكم المتأخرة جدا عن ركب جامعات العالم جعلتم تلك الكفاءات تشتغل في مناصب غير مناصبها الحقيقية، لكن دونما تذمر ولا تأفف منها بل برضى وحب لن يعرفهما وزراء حكومتك ولا برلمانيوك الذين لا يتحركون من مكان إلى مكان إلا بأخذ تعويضات عن تحركاتهم في حين نصرف نحن من جيوبنا ومن صحتنا عن تنقلاتنا من شمال إلى جنوب ومن غرب إلى شرق هذا الوطن، ومن مدنه إلى قراه في عناء لا يعرفه ولا تعترف به إلا أقدامنا وأجسادنا الملتهبة بأشعة الشمس ووجوهنا الملفوحة ببرد الشتاء، وكذا ملفاتنا الصحية التي يرفض صندوقكم الوطني للتضامن الاجتماعي أن يعوضنا عنها.
سيدي رئيس الحكومة، لقد أعطيت الفرصة في الحقيقة لمن يتهمك بالظلامية والرجعية ليجد في قراراتك الأخيرة في حق الهيئة التعليمية السند الموضوعي والعملي الذي يزكي هذا الظلام الذي تستقي منه قراراتك، والذي تود إقحام أساتذة المدرسة المغربية في نفقه المظلم، داعيا إياهم إلى أن يقنعوا ويقتنعوا بما عندهم من معارف قديمة وبالية، لتشد أيديهم وأرجلهم وعقولهم وأفواههم وأحلامهم بعقالات يكرهها الوطن وسيكرهك معها مدرسو هذا الوطن لكنها عقالات يحبها أعداء الوطن الحالمين وحدهم بأن ينعم شطر صالح من أبناء هذا الوطن في درك الجهل والحمق والجنون، درك رسم معالمه وإحداثياته وزيرك رشيد بلمختار في غير رشد منه، حينما قرر عدم منح تراخيص متابعة الدراسة في كفر تام بحديث رسول الله “العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة“، وفي تجديف بالأثر المعروف “أطلبوا العلم ولو في الصين“.
سيدي رئيس الحكومة إنه لحقد كبير وعداوة تاريخية من حكومتكم للعلم والطهارة والجمال، هو هذا القرار المجنون الذي لا يساويه في حمقه إلا إغلاق وزارتكم الأرعن لمجموعة من المدارس والمؤسسات التعليمية في مختلف مدن المغرب وبخاصة الكبرى منها، كما حدث مؤخرا لمؤسسة وادي الذهب بنيابة مراكش بدعوى كاذبة هي خلق قسمين لسلك التبزير، وبدعوى تكشف زيف وطنيتكم هي تفويت مكانها لمؤسسة المكتب الشريف للفوسفاط، لذا سامحني يا رئيس الحكومة إن قلت لكم إنه لصواب القول في حالتكم هذه بأن المجتمعات التي يقودها ويحكمها وزراء يكرهون العلم والتعلم وينصبون الفخاخ لكل حالم بتجديد نفسه وتجديد كفاءاته، هي مجتمعات كتب عليها في قضاء وقدر السياسة الشقاء والحزن، وكتب عليها أن يتخرج من تحت أفقها المسدود المزيد من “الدواعش”، بكبت مواهب المواطنين الذاتية المتقدة وإبدالها بآفاق أخرى هي آفاق الكسل والحمق والسفه المؤذن بالخراب واللامعقول المنقلبين على آفاق الطموح وتجدد الطاقات التي ستمسي وزارتكم براء منها عقب تنفيذ هذا القرار الجائر الذي سيكتب لكم إثمه وستكون لكم سيئاته إلى يوم تنتفض في وجهه طموحات الهيئة التعليمية.