لماذا نرفض الحرب على «داعش»؟
ذ. إبراهيم الطالب (مدير جريدة السبيل)
هوية بريس – الجمعة 19 شتنبر 2014
لا أريد الحديث عن داعش من حيث كونها جماعة مجاهدة أم عميلة للأمريكان، ولا أريد أن أعرض لمخالفتها للشريعة الإسلامية أم لا، كما لا أريد الخوض في علاقتها بباقي الفصائل التي تقاتل ضد العملاء، وترفع راية تقول إنها تحارب تحتها من أجل إعلاء كلمة التوحيد، فهذه موضوعات قتلت بحثا، وأسهبت الأقلام في تسويد الصفحات جمعا للمعلومات وتحليلا للمواقف وتنقيبا عن الحق فيها.
ما أريد بحثه في هذه العجالة هو: لماذا نرفض الحرب على داعش؟
فحشد أمريكا للدول تحت لوائها من أجل قتال داعش، يعتبر محطة أخرى من المحطات التي تستلزم من المسلمين، وقفات للتأمل بعمق والتفكر بوعي في شريط ممتد على طول قرابة القرنين من زمن تغلب الحضارة الغربية على حضارة الإسلام، وهيمنة نموذجها العلماني في السياسة والاقتصاد على مراكز النفوذ والحكم في كل الدول المتناثرة بعد انقطاع سلك الخلافة الذي نظمها منذ التحق مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى إلى أن أعلن الإنجليز على لسان أتاتورك سقوطها في مؤتمر الخزي بمدينة لوزان سنة 1924.
قال وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيجل: “إن التحالف هو الطريق المثلى بالوقت الحالي، وإن المشاركة العربية والإسلامية مهمة لنجاح المواجهة ضد تنظيم الدولة والتطرف الذي يريد السيطرة على بلدانهم”، مضيفا “لابد أن تقوم شعوب المنطقة بتنقية أرضها من هذا اللون من الإسلام“.
وزير دفاع بلد الحريات والتنوع والاختلاف يطالب شعوبنا بتنقية أرضها من أبنائها بقتلهم قتل رابعة العدوية والنهضة، بإبادتهم إبادة أهل غزة، بتمزيقهم على الطريقة البشارية بالبراميل المتفجرة والكيماوي والجرثومي.
وحيث لم ينفع الوكلاء، وحيث استعصى الأمر على الحل الطائفي، وجب حشد تحالف دولي لإعطاء أمريكا تفويضا بإبادة أبناء المسلمين “المتمردين” على النموذج الغربي، والمتطرفين في فهم الحداثة الغربية. كتب المفكر الاستراتيجي الأمريكي “فوكو ياما” في العدد السنوي “للنيوز ويك” (ديسمبر 2001م – فبراير 2002م)، يقول:
“إن الصراع الحالي ليس ببساطة ضد الإرهاب، ولكنه ضد العقيدة الإسلامية الأصولية، التي تقف ضد الحداثة الغربية وضد الدولة العلمانية، وهذه الأيديولوجية الأصولية تمثل خطرا أكثر أساسية من الخطر الشيوعي، والمطلوب هو حرب داخل الإسلام، حتى يقبل الحداثة الغربية والعلمانية الغربية والمبدأ المسيحي “دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله(*)“!.
ولنتأمل جيدا هذه العبارة: “المطلوب هو حرب داخل الإسلام”، حرب بين السنة والشيعة، حرب بين الأمازيغ والعرب، حرب بين العلمانيين من أصول إسلامية مع دين الأغلبية، حرب بين السيسي والعلمانيين من جهة وبين مرسي وباقي التيارات الإسلامية من جهة أخرى، حرب بين داعش والنصرة، حرب بين حكام المسلمين وشعوبهم المسلمة، المهم ألا تهدأ الحروب وألا تعرف الدول الإسلامية الاستقرار، حتى يقول الكل: إن الحل في العلمانية، و(حتى يقبل الحداثة الغربية والعلمانية الغربية والمبدأ المسيحي “دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله”) كما قال المفكر الاستراتيجي الذي تمشي السياسة الخارجية الأمريكية وفق تصوراته.
وحتى لا يقول من يوهمنا ليستغفلنا، إننا نركز على نظرية المؤامرة ونأتي بنقول مروجي أطروحة صدام الحضارات، نورد كلام الرئيس الأمريكي الأسبق “نيكسون” في كتابه “الفرصة السانحة” والذي يفسر معنى “الأصولية الإسلامية” عند صناع القرار الأمريكي، قال نيكسون:
“إنهم هم الذين يريدون بعث الحضارة الإسلامية، وتطبيق الشريعة الإسلامية، وجعل الإسلام دينا ودولة، وهم وإن نظروا للماضي فإنهم يتخذون منه هداية للمستقبل، فهم ليسوا محافظين، ولكنهم ثوار(*)”!.
بهذا المعنى يصنف عدوّا لأمريكا كل من يحمل هَمَّ استئناف العمل بالشريعة الإسلامية، سواء كان إخوانيا أو سلفيا، سواء كان يؤمن بالتفجيرات حلا، أم بالممارسة السياسية، ما دمت تؤمن بالشريعة فلن ينفعك الحوار ولا الديمقراطية ولا حقوق الإنسان.
ومن هذا المنطلق نفهم العداء لحماس وعدم الاعتراف بنجاحها في الانتخابات، والدفاع عن محمود عباس رغم انتهاء صلاحيته، ونفهم لماذا أيدت أمريكا والغرب الانقلاب في مصر ولم تحركها مجازر رابعة ولا النهضة، ونفهم كذلك لماذا تحارب النهضة في تونس، ولماذا أسقطت أمريكا حكومة طالبان رغم أنها وفرت الأمن والاستقرار للأفغان، ولماذا ارتكبت مجازر البوسنة والهرسك ضد المسلمين الحالمين باستئناف العمل بالشريعة بعد عقود من الإرهاب الشيوعي، كما نفهم سبب رفض رئيس فرنسا ميتران لقيام دولة إسلامية في أوربا -يقصد البوسنة-، كما نفهم لماذا اضطرت أمريكا إلى خوض حرب برية في الصومال ضد فرح عيديد رحمه الله، ولماذا حورب السودان بعد إعلان تطبيق الشريعة، كما نفهم لماذا سكت الغرب عن جرائم روسيا في الشيشان للحيلولة دون إقامة دولة إسلامية، والقائمة طويلة.
لذا نرفض الحرب على داعش.
نرفضها لأنها ليست حربا على الإرهاب، بل هي قطع للطريق على المصلحين حتى لا يسقطوا وكلاء الأمريكان والروس، إنها حرب لإصلاح ما أفسدته رياح التغيير على الخطط الأمريكية، إنها محاولة للقضاء على الأمل لدى الشعوب الإسلامية في الحرية.
ماذا ننتظر من أمريكا في حربها على العراق وسوريا غير استكمال فصول الفوضى الخلاقة التي نشرها بوش الصغير في العراق؟؟ فوضى تقتل كل ممانع للمخطط الأمريكي، فوضى تخلق الظروف المواتية لتهريب النفط العراقي إلى مصانع أمريكا التي تلتهم ثلثي الطاقة في العالم.
إن صناع القرار الأمريكي يرون ألا بديل لأمريكا عن الحرب في بلاد الإسلام، ما دام الإسلام يتململ ويحرك الأنفس للانعتاق من الهيمنة الغربية التي طالت لمدة قرنين تقريبا.
ونظرا لمتانة الإسلام وقوة عقيدته يرى الغرب والأمريكان أنه، لا حل سوى فرض العلمانية على المسلمين حيث كتب السيناتور الأمريكي “جوزيف ليبرمان” -المرشح نائبا للرئيس في انتخابات عام 2000م- يقول:
“إنه لا حل مع الدول العربية والإسلامية إلا أن تفرض عليهم أمريكا القيم والنظم والسياسات التي تراها ضرورية، فالشعارات التي أعلنتها أمريكا عند استقلالها لا تنتهي عند الحدود الأمريكية، بل تتعداها إلى الدول الأخرى“!(*).
لذا نرى أن الحرب ليست على الإرهاب أو داعش ولا على الغبراء ولا داحس (بشار)، بل هي حرب على الإسلام بغض النظر، هل يحمله أناس سلميون، أم مدججون بالسلاح.
“إن الصراع الحالي ليس ببساطة ضد الإرهاب، ولكنه ضد العقيدة الإسلامية الأصولية” كما قال فوكو ياما، وقد صدق، فحيثما يمّمنا وجوهنا نرى مظاهر الحرب على كل الواجهات: في إغلاق دور القرآن في العالم، وفي إقفال الجمعيات الإسلامية العملاقة، وفي تغيير مناهج التعليم، وفي دعم العلمانيين بسخاء ضد الإسلاميين، وفي إنفاق الملايين من الدولارات على مؤسسات مثل مؤمنون بلا حدود وفي دعم الانقلابات.
لكن لماذا العقيدة الإسلامية بالضبط؟
لأنهم يعرفون على مر التاريخ أن عقيدة الولاء والبراء، تجعل المسلمين في معزل عن الاختراق، وتوحد الصف الداخلي، وتمنع من تغلغل العنصر الأجنبي في مفاصل الدولة، وتأخذ على يد المنافق الموالي لأعداء الأمة، وبهذا ييأس الغرب من استغلال الثروات والشعوب الإسلامية. لهذا عندما أتم الله الدين بالتنزيل ومكن للمسلمين قال سبحانه: “الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا“.
قال الرازي: فلا تخافوا المشركين في خلافكم إياهم في الشرائع والأديان، فإني أنعمت عليكم بالدولة القاهرة والقوة العظيمة وصاروا مقهورين لكم ذليلين عندكم، وحصل لهم اليأس من أن يصيروا قاهرين لكم مستولين عليكم، فإذا صار الأمر كذلك فيجب عليكم أن لا تلتفتوا إليهم وأن تقبلوا على طاعة الله تعالى والعمل بشرائعه.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) نقلا عن محمد عمارة/الحرب الأمريكية على الإرهاب…