الإسلام عُقدة العُقد عند الغرب
د. أحمد الريسوني
هوية بريس – الثلاثاء 29 شتنبر 2014
معلوم أن مشكلة الغرب مع المسلمين في العصر الحديث، ليست مع دولهم وحكوماتهم، فهو معها -أو هي معه- في وئام وعلاقات راضية مرضية، وبعض تلك الحكومات يمكن اعتبارها حكومات للغرب أكثر مما هي حكومات لشعوبها.
مشكلة الغرب وتخوفاته إذاً إنما هي مع الحركات الإسلامية، الدعوية والسياسية، ومشكلته تكون أحيانا مع الإسلام نفسه. فهو لا يريد ولا يقبل أن يرى الإسلام ينتشر ويتوسع عبر القارات، ولا يقبل أن يراه يتغلغل حتى في مجتمعاته وفي عقر داره، ولو كان في حدود الصلاة واللحية، والحجاب والنقاب، وبعض المساجد والمآذن.
إلا أن عُقدة العُقد عند الغرب هي أنه لا يقبل ولا يتحمل أن يرى الإسلام يحكم ويعطي التشريعات، ويلهم المواقف والسياسات، داخليا وخارجيا. فهذه في نظر الغرب “جريمة” تحاول بعض الحركات الإسلامية تنفيذها مع سبق الإصرار والترصد! فلذلك عمل الغرب طويلا على إبعادها والحيلولة دون وقوعها. ولهذا الغرض تستميت الدول الغربية منذ قرن من الزمن في نشر الفكرة العلمانية والثقافة اللبرالية في العالم الإسلامي، واستنباتها وفرضها وحمايتها بجميع الوسائل، بما فيها تحريك الانقلابات، ودعم الحكام الطغاة، ودعم الأحزاب والحركات والشخصيات العلمانية المناهضة لإسلامية الدولة، وغير ذلك من الوسائل والأساليب المعروفة.
ومما أجج المخاوف الغربية تجاه المد الإسلامي السياسي في العقود الأخيرة خاصة: التقدمُ اللافت لما يسمى في الاصطلاح الغربي بـ”حركات الإسلام السياسي”، وذلك منذ مطلع الثمانينيات من القرن العشرين (مطلع القرن 14 الهجري). فمنها التي وصلت إلى الحكم، كما وقع في إيران ثم السودان وأفغانستان، ومنها التي كادت أن تصل أو وصلت جزئيا، كحال الجزائر وتركيا أيام نجم الدين أربكان، أو التي شكلت قوة سياسية زاحفة، يخشى أن تصل إلى الحكم، كحال باكستان ومصر وتونس…
وضمن سياق هذا التصعيد ضد الإسلام والمسلمين والحركات الإسلامية، جاءت قضية “الإرهاب” أو جيء بها. وكلنا نعرف القصة وعِشنا فصولها وتفاصيلها، وخاصة في نهاية القرن العشرين الميلادي، وخلال العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين. وقد تمت استفادة الغرب وخصوم المد الإسلامي إلى أقصى الحدود من نظرية الحرب على الإرهاب، فوظفت لخنق كل الحركات الإسلامية وتقليص نشاطها ونفوذها، سواء في الغرب أو في العالم الإسلامي نفسه. ولم تنج أي حركة إسلامية، ولا أي نشاط إسلامي أو مؤسسة إسلامية، من التأثر والتضرر مما سمي الحرب على الإرهاب.
فهذا من الجانب الغربي، وهو الطرف الفاعل والأقوى في هذا العصر.
أما مشكلة المسلمين والإسلاميين تجاه الغرب اليوم، فهي مشلكة سياسية أولا وأساسا. فرغم أن الإرث التاريخي يتأرجح أثره بين الظهور والكمون، إلا أن الأسباب الحقيقية والقوية للموقف الإسلامي من الغرب تظل سياسية وحديثة العهد. فالرفض الإسلامي للغرب ليس ناجما عن دينه أو صليبيته أو علمانيته في نفسه، وإنما هو ناجم عن جرائمه وسياساته الاستعمارية العدوانية الحديثة، واستمراره في نهج سياسة التسلط والتحكم. والسجل الغربي في هذا المجال حافل ومعروف، فلا حاجة بي لذكره أو التذكير به، أو سرد أمثلة منه…
ولو كان التحفظ والتوتر الإسلامي تجاه الغرب راجعا اليوم لأسباب ودوافع دينية، لوجدنا مثل ذلك وأشد منه موجها إلى الصين واليابان والهند وكوريا… باعتبار أن الخلاف الديني معها أشد وأعمق مما هو مع الغرب المسيحي والغرب العلماني.