«المساء» تكشف: حقائق مثيرة حول مغاربة اعتنقوا المذهب «الشيعي الرافضي»
هوية بريس – متابعة
الإثنين 22 شتنبر 2014
إن الحديث عن الأقليات الدينية في المغرب ليس وليد اليوم، ولكنه قديم أسال الكثير من المداد وشكل بؤرة اختلاف وخلاف طالما قسمت المجتمع المغربي إلى داعم لهذه الأقليات، ومدافع عن حقها في الوجود وآخرين اعتبروها خطرا على العقيدة السائدة وتهديدا لمستقبل الدين الرسمي.
لكن هذا الحديث مهما أخذ من حيز، فإنه يظل متحكما فيه ومسيطرا عليه اللهم تيارا دينيا شكل الاستثناء واستطاع أن يستأثر بحجم ليس بالهين داخل أروقة الحكم وشغل الرأي العام فضلا عن الجهات الحكومية المعنية، والسبب وراء ذلك حساسية الموضوع وأبعاده السياسية التي تجعله يتجاوز حالات الأقليات الأخرى.
الحديث هنا عن التيار الشيعي، فرغم عدد الطائفة الشيعية اليسير بالمغرب، بات الشيعة المغاربة أكثر جرأة في تصريف مواقفهم والتعبير عن آرائهم من ذي قبل، ولعل تيار الخط الرسالي بالمغرب خير دليل على ذاك التطور، فهذا الإطار الذي تتزعمه غالبية شيعية لا يجد حرجا في إصدار بيانات أو إعلان مواقف تهم شتى المجالات حتى القضايا الكبرى الحساسة، ولا أدل على ذلك من رفضه، مؤخرا، أي تدخل عسكري للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في سوريا، معتبرا أن أي عدوان ستشنه قوى خارجية عليها هو عمل مدان ومستنكر.
بل تجاوز الأمر ذلك إلى إعلان «هيئة الإمام الشيرازي» الشيعية التي كانت تسمى من قبل بـ«هيئة شيعة طنجة» ولاءها لـ«ياسر الحبيب» المعروف بسبه للصحابة رضي الله عنهم والطعن في عرض أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
المد المتربص
جميع الشيعة المغاربة يتذكرون أحداث سنة 2009، عندما قطع المغرب علاقاته مع إيران وأغلق سفارتها متهما إياها بمحاولة نشر المذهب الشيعي داخل المملكة وزعزعة وحدته الدينية. وشنت حكومة الرباط آنذاك حملة لـ«تجفيف منابع التشيع» في المملكة من خلال مصادرة الكتب ومراقبة وتفتيش كل ما يتعلق بإيران، لكن ذلك كله لم يمنع تنامي عدد الشيعة في البلاد.
وقد سبق لتقرير صادر عن «مركز التأصيل للدراسات والبحوث» أن أشار إلى أرقام مخيفة عن أعداد المتشيعين بالقارة السمراء، يُعتبر المغرب واحدا منها، حددها بالتدقيق تقرير رسمي آخر أعدته وزارة الخارجية الأمريكية حول الحريات الدينية بالعالم جاء فيه أن عدد الشيعة الذين يعيشون في المغرب يقدر بثمانية آلاف شيعي.
كما أشار تقرير «مركز الدراسات والبحوث» إلى أن عدد المتشيعين في غرب أفريقيا بلغ سبعة ملايين متشيع وخمسة ملايين في نيجيريا، وأن مسلمي جمهورية جزر القمر يسيرون في نفس الاتجاه، وأضاف التقرير أن مسلمي ساحل العاج بدورهم باتوا هدفا لمد شيعي شامل بحلول سنة 2022، أما في السودان فقد ناهز متشيعوها 700 ألف وقريبا منهم السينغاليون، كما أضحت كل من غينيا وغينيا بيساو وزامبيا وليسوتو وسيشال وسوازيلاند والرأس الأخضر ومالي وإريتريا وأثيوبيا وتنازنيا أراضٍ مفتوحةً لنشاط شيعي رسمي مدعوم من إيران وأغنياء شيعة الخليج، حسب التقرير.
في ظل وضع كهذا، يضع التقرير الجارة الجزائر ضمن البلدان الواعدة في بث هذا الفكر في دول المنطقة، خاصة بعد أن تمكن التشيع من الوصول إلى مثقفين وطلبة جامعيين بكل من مدن بسكرة وتبسة وسطيف وبجاية والبرج.
وقد اختصر التقرير أسباب الظاهرة في تفشي الجهل وسذاجة العقل الأفريقي وحاجته الاقتصادية أمام مغريات السفارات الإيرانية وضعف الحضور السني للمؤسسات الدينية الرسمية، مقدما جامع الأزهر مثالا، كما كان للإعلام سواء بعد حرب الخليج أو العدوان الصهيوني على غزة دور في تلميع صورة إيران وتقبيح صورة حكومات الخليج المصنفة سنية.
ويرى مراقبون أن استخدام إيران للدين قصد تحقيق أغراض سياسية ليس جديدا، وهو ما يجعل الدول ذات الأغلبية السنية تتعامل مع مسألة التشيع بقدر كبير من الحساسية.
تغلغل التشيع داخل أوساط المجتمعات السنية ليس له إلا منفذ واحد استطاع من خلاله التأثير على كثير من عوام الناس واقتحام قلوبهم في عقر بيوتهم دون أن يلقي لمن يهتم بمحاربته بالا، فوسائل الإعلام على اختلافها وتنوعها تظل السلاح الوحيد القوي المتاح لنشر التشيع، ولعل الطفرة الكبيرة المتمثلة في بروز مجموعة من القنوات الدينية الشيعية دالة على ما ذكر، فضلا عن هذا فكل المتشيعين الذين التقتهم المساء أقروا بأنهم تشيعوا إما من خلال الإنترنت أو التلفاز.
في المغرب لم يخل المشهد الإعلامي المغربي من وجود منابر شيعية ولو تحت مسميات أخرى، «رؤى معاصرة» كانت أول جريدة شيعية بالمغرب انضافت إلى مجموعة من المجلات الشيعية التي كانت موجودة من قبل والتي تشرف عليها مراكز أبحاث شيعية ومن هذه المجلات «المنطلق الجديد»، «قضايا إسلامية معاصرة»، «المنهاج»، «البصائر»، «المحجة»، «الكلمة»، «الحياة الطيبة»، «الوعي المعاصر»، «فقه آل البيت»، وكانت تدمج فيها مقالات سنية لترويجها أكثر.
مغاربة تشيعوا
ينقسم المتشيعون المغاربة إلى قسمين، قسم أعجب بسياسة إيران وانبهر بخطابات بعض الزعماء الشيعة فتشيع اتباعا لهم، وقسم درس كتبهم الفقهية والعقدية أو تشرب أقوال مشايخهم عن طريق الإنترنت أو إحدى القنوات الدينية، وأغلب هؤلاء درسوا في حوزات حلب بسوريا أو قم بإيران، عبر أسماء معروفة يتقدمها محمد حسين فضل الله.
في مجتمعنا المغربي يصعب العثور على منتمين للمذهب الشيعي في ظل الرقابة الشديدة التي تمارسها الجهات الوصية لصيانة وحدة الأمة وضمانها اجتماع مواطنيها المسلمين حول المذهب المالكي، اللهم حالات نادرة تجاهر بمذهبها ولا تتحرج من الإفصاح عن معتقدها، «المساء» تحدثت إلى «علي» 28 سنة شاب من مدينة الدار البيضاء حكى كيف اعتنق المذهب الشيعي الاثني عشري فقال: «بدأ بحثي عن التشيع صدفة عندما وجد أحد أصدقائي على مواقع التواصل الاجتماعي شريطا مرئيا فاقترح علي مشاهدته لأصدم بما سمعت، بعدها بحثت أكثر فوجدت أن ما في مقطع «الفيديو» صحيح وأن أغلب ما روج عن الشيعة مغلوط كالادعاء أن جبريل أخطأ بالوحي وأن القرآن محرف.. هذه كلها شبهات يطرحها مشايخ السنة لإبعاد الناس عن التشيع، وهذا كله ما قادني إلى التشيع «علي نبه إلى عدم جدوى التضييق على فكر معين بالقوة أو محاولة السيطرة عليه قهرا، فموجة الاتصالات الحديثة والطفرة التكنولوجية التي يعرفها العالم جعلت السبيل الحكيم والمجدي لتكريس فكر معين هو إقناع الآخر بشكل علمي مستندا إلى حجج وأدلة وتحصينه معرفيا أمام كل دخيل.
يضيف علي قائلا: «ليست هناك أي تنظيمات سرية فأغلب المتشيعين المغاربة تشيعوا بفضل القنوات الفضائية والإنترنيت، لكن للأسف بعض الأقلام المأجورة روجت العديد من الأكاذيب عن شيعة المغرب».
علي لا يظهر تشيعه أمام الجميع لكنه في البيت وسط أسرته السنية لم يجد صعوبة في الاندماج بل تقبل أبواه الأمر بيسر وبساطة كما يصرح، «في البيت أعيش حياة جد طبيعية، أهلي كلهم سنة والدي تقبل الأمر لأنه هو من علمني أن كل إنسان حر في معتقده، أبي وأمي وإخوتي وبعض أصدقائي هم فقط من يعلم بتشيعي» .
تشيع لم يقتصر على الجانب العقدي عند علي، بل أفرز مواقف سياسية وميولات فكرية معينة ارتبطت باعتناقه المذهب الاثني عشري، ففي ما يحدث في سورية والعراق يقول «بشار الأسد ظالم لكنه أرحم من هؤلاء المجرمين، جبهة النصرة، ودولة الإسلام في العراق والشام، فقد شاهدت ماذا فعلوا بالشيعة والمسيحيين، أفضل بشار على هؤلاء الوحوش، خاصة أنهم يرتكبون جرائمهم باسم الدين»، علي لم يقف عند هذا الحد بل بلغ به الحد إلى سب الخليفة عمر بن الخطاب واصفا إياه بـ«فرعون زمانه».
أما بخصوص ممارسة الشعائر التعبدية والمرجع الديني المعتمد فأوضح علي «نقوم بالتجمعات في بيوت بعض الإخوة قصد إحياء مناسباتنا كالعاشر من محرم وعيد الغدير وغيرهما، لعدم توفرنا على مساجد أو حسينيات، وبالنسبة للمرجع الديني فلدينا العديد من المراجع نرجع إليها في الأمور الخلافية، هناك مغاربة يتبعون السيد السيستاني، ومنهم من يتبع السيد صادق روحاني وفئة تعتمد محمد حسين فضل الله مرجعا لها وهذه مراجع لا تعيش بالمغرب بعضها في العراق والآخر بإيران أو لبنان، في المغرب يعتبر السيد إدريس هانىء أشهر شيعي مغربي، أما أنا فأتبع آية الله سيد صادق حسيني شيرازي».
ويختم علي كلامه «لا يجوز في مذهبنا الاثني عشري لأحد أن يتسمى بأمير المؤمنين لأنها خاصة بالإمام علي فقط».
نفس السبيل الذي سلكه علي يسلكه معظم المتشيعون في المغرب، إذ يتشيعون عن طريق مقاطع الفيديو أو برامج القنوات الدينية الشيعية.
خالد شاب يبلغ 25 سنة، يحكي كيف تعرف على المذهب الشيعي واعتنقه، وسنه لا تتجاوز 19 سنة فيقول: «كنت من مؤيدي الفكر السلفي، وأقطن بمنطقة أكثرها من مؤيدي فكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب بدأت أقرأ الكتب وأحضر مجالس تتكلم حول الشيعة وتبين لنا من هم، كانوا يقولون لنا إن الشيعة يحرفون القرآن ويعبدون علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويسبون السيدة عائشة، ويسبون الصحابة وأن المفروض أن تنزل النبوة على علي بن أبي طالب لكن جبريل أخطأ بإنزالها على محمد، وللأسف لم يبين لنا أحد حقيقة الأمر، بعد فترة شاهدت في التلفاز أو في الإنترنت، لا أذكر، الشيخ التونسي التيجاني السماوي وعرفت أن لديه كتابا اسمه «ثم اهتديت»، فقلت مع نفسي لماذا لا أقرؤه وأتشيع عن علم، خاصة أني كنت من محبي القراءة، فبحثت عن الكتاب لأني لا أفضل أن أقرأ الكتب من خلال الانترنت واستطعت أن أجده، لأنهيه بسرعة وأعجب بما جاء فيه، بعدها دأبت على قراءة كتب شيعية مثل المراجعات وليالي بيشاور واطلعت على موسوعة الغدير كلها وقرأت كتابا لمحمد صادق الصدر يتكلم فيه عن المهدي المنتظر، ومن مشايخ الشيعة الذين أعجبت بطرحهم الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله والسيد كمال الحيدري والشيخ جعفر الإبراهيمي والتيجاني السماوي وغيرهم.
طريق التعبد عند الشيعة غير معبدة، بل محفوفة بالصعاب ومليئة بالعقبات والإكراهات، ابتداء من انعدام وجود حوزات أو حسينيات وانتهاء بعدم توفر حجر كربلاء المقدس، عن هذا الحجر يحكي للمساء علي «عند الصلاة نستخدم في الغالب حجارة صغيرة نضع عليها جباهنا عند السجود، وهذه الحجارة مأخوذة من تربة (كربلاء)، حيث استشهد الإمام الحسين رضي الله عنه، وكربلاء أرضا مقدسة عندنا بسبب مقتل الإمام الحسين فيها، ولذا فإن الصلاة على تربتها أفضل من الصلاة في أي مكان آخر بالنسبة لنا، أنا شخصيا وجدت صعوبة كبيرة في الحصول على هذا الحجر، وبحثت عنه كثيرا دون جدوى، حتى تعرفت على شاب مغربي شيعي ولد في بلجيكا من أبوين شيعيين أتى لي بالحجر المصنوع من تراب كربلاء».
كل ما سلف يستسهله علي في ظل الرسائل التي باتت تهدد حياته «تلقيت تهديدات من مجهولين يهددونني بقتلي، من بينهم شيخ مغربي هددني بتصفيتي الجسدية».
الاختلاف المذهبي قد يعصف بالعلاقات الزوجية كذلك، فقد حكى علي عن ألمانية متزوجة بشخص سلفي أسلمت ثم تشيعت، تعيش حياة بئيسة بسبب اختلاف المعتقد، والحال نفسه بالنسبة لمغربيات تشيعن متزوجات من رجال سنة».
بين المغرب وإيران
من المغرب إلى إيران دأب الكثير من الشيعة المغاربة على التنقل خلال المناسبات الدينية الشيعية أو حتى السياسية، آخرها كانت الذكرى الخامسة والعشرين لرحيل آية الله الخميني، فيها حج العشرات من الشيعة المغاربة يتقدمهم مثقفون وقياديون في التيار الشيعي المغربي إلى إيران قصد إحياء هذه المناسبة التي توافق كل سنة 3 يونيو 1989م، موافق 24 شوال 1409.
وكانت وكالة الأنباء الإيرانية أكدت أن قياديين وكتابا مغاربة شيعة شاركوا في إحياء ذكرى مؤسس الجمهورية الإسلامية الخميني، قادمين من المغرب. إلى جانب عشرات الشيعة حجوا إلى إيران من دول عربية وإسلامية كثيرة للمشاركة في إحياء هذه الذكرى، التي عرفت إلقاء خطاب لمرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.
مصادر شيعية أكدت للمساء أن مجموعة من الطلبة التحقوا بالحوزات في إيران لإتمام دراستهم والتعرف أكثر على مذهبهم الجديد، لكن الأمر صعب في الآونة الأخيرة، نظرا لما تشهده العراق وسوريا من صراعات، فقد حاول مجموعة من الشباب حسب المصدر الالتحاق بإيران غير أن شرط الإتيان بضمانات صعب الأمر وحال دون تحقيق الغاية.
ناهيك عن الخطوة السابقة التي تبقى محدودة الخطر، سبق أن أقدم ناشطون شيعة مغاربة على وضع علم مغربي جديد تضمن رموزا دينية، الأمر الذي يدق ناقوس خطر التمرد على الثوابت وتغيير الرموز الوطنية.
ليلة شاذة
داخل بيت متواضع بحي المحمدي بالدار البيضاء اجتمع نحو 15 شخصا من أتباع المذهب الإثنا عشري الشيعي لإحياء ليلة عاشوراء، التي توافق يوم مقتل الإمام الحسين بن علي، وجوه شاحبة وملامح حزينة وأعين تكاد تذرف دموعا وشيكة، يتوسط الجمع كهل يعد مقدم الجلسة إما لأسبقية تشيعه، أو لاطلاعه الواسع، استهل الجلسة بكلمة ضمنها تذكيرا بمقتل الحسين والأحداث الكبرى التي مهدت لذلك، ومن حوله كلهم آذان صاغية، بعضهم يبكي والآخر يدندن بكلمات غير واضحة، بعدها انطلق لسان شاب في ربيع سنه يتغنى بقصيدة في رثاء الإمام الحسين ويعد مناقبه والجمع يتمايل تماشيا مع اللحن، ولولا كأس الشاي الذي قطع الصوت ما سكت الجمع ولا أمسكوا، حلويات محلية الصنع وشاي مغربي المذاق أصيل، تلتفت يمنة ويسرة فلا ترى إلا الأصالة المغربية المجسدة في الأثاث واللباس والزخرفة، ولولا إعلان الملإ عقيدتهم ما ارتبت طرفة عين ولا ظننت بهم شيئا.
جلسة الشاي انتهت معلنة بداية طقس جديد مخيف وغريب في الآن ذاته، قوم يلطمون صدورهم وخدودهم ويضربون بأيديهم على أفخاذهم وينوحون حزنا على مقتل الحسين، سألت المساء أحد الشباب الحاضر عن معنى ما يفعلون فأجاب «هذه تسمى اللطميات الحسينية وهي تعبير عن حزننا على استشهاد الإمام الحسين عليه السلام».
لم يكن في الحاضرين من العوام إلا شخص واحد يعمل حلاقا، أما البقية فمنهم المهندس ومنهم الطبيب وكثير منهم شباب مثقف أو حاصل على شواهد جامعية، ولعدم اعتبار الدولة المغربية عاشوراء يوم عطلة رسمية يضطر الحاضرون إلى الانتهاء حوالي الثانية عشرة ليلا علما أن الجلسة تنطلق عادة ابتداء من السابعة مساء.
المساء التقت شابا مخلصا لمثل هذه المناسبات، دأب على إحيائها منذ اعتناقه المذهب الإثنا عشري، لا يكتفي باللطميات وإنما يتجاوز ذلك إلى ما يعرف في عقيدته بـ«التطبير أو الإدماء»، هاتان الشعيرتان فسرهما أكثر فقال: «ما يسمى بالتطبير طقس شيعي خاص نعبر من خلاله عن مدى حزننا لموت الإمام الحسين رضي الله عنه، وهو عبارة عن استخدام سيوف وخناجر أو أي أدوات حادة أخرى، نضرب بها رؤوسنا حتى يسيل الدم، ونردد أثناء ذلك كلمة (حيدر) والتي تشير إلى الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» الذي قتله عدو الله المجرم عبد الرحمن بن ملجم أثناء الصلاة، للأسف لضيق الوقت وعدم وجود حرية كافية أضطر للتطبير لوحدي في بيتي، ومرجعي في ذلك بعض الآثار الواردة عن السيدة زينب «عليها السلام» جاء فيها أنها ضربت رأسها مع الهودج حتى سال دمها، كما روي عن أئمة آل البيت أنهم ظلوا يبكون على الحسين عليه السلام حتى بكوا دما».
زعيم شيعة المغرب الروحي
تفرق الشيعة في الأمصار السنية دفعهم لتأسيس تكتلات معظمها سري، واتخذوا لهم رموزا ساروا خلفها وجعلوا منها زعماء يستشيرون معهم في كل صغيرة وكبيرة، ويعتبر إدريس هانىء الزعيم الروحي للشيعة في المغرب، نقلت عنه مواقف كثيرة في وسائل الإعلام اعتبرها البعض شاذة ومنحرفة، لكن حديثه إلى المساء جاء فيه خلاف ما يروج عنه من أنه يدعو إلى التشيع ويعمل لصالح إيران وغيرها من المواقف، وفي الوقت الذي يزعم فيه هانىء أن الأمر مقصود ومتعمد من طرف الأعداء لتقديم صورة نمطية سلبية عنه وعن الشيعة في المغرب، يرى آخرون أنه يمارس مبدأ التقية في تصريف مواقفه.
في إحدى مقاهي الرباط أمام محطة القطار التقت المساء إدريس هاني، بلحيته البيضاء ولباسه العصري ونظارته السوداء لا يظهر عليه أثر التشيع، واضح أنه دأب على الجلوس في نفس المقهى من خلال حديثه مع النادل وبعض الزبناء، لم تكن القناعات السابقة حول الرجل المستقاة من بعض حواراته الصحفية عائقا أمام تقبل مواقفه المختلفة، استهل حديثه مع المساء بتفنيد مزاعم وجود تيارات سياسية شيعية منظمة وما يروج من تلقيها دعما خارجيا خاصة من السفارة الإيرانية « لا يوجد مشروع سياسي خاص بالشيعة، ويجب أن نميز بين مجموعة من الناس لديهم قناعات فكرية وعقدية معينة وبين مواطن مغربي أيا كان ميوله ولديه غريزة سياسية يحب أن ينخرط في الحياة السياسية باعتباره مواطنا مغربيا كامل المواطنة، فنحن مغاربة قبل كل شيء، والأمر نفسه ينطبق على المغربي السني، فقد يكون له ميول سياسي وقد لا يكون، أما قضية ولاء الشيعة لإيران فمفتعلة من طرف بعض الخصوم لإدانتنا سياسيا، قد تجد سنيا ماركسيا يدافع عن أفكار ماركس ويغلبها على الأفكار المحلية، لذا فنحن مواطنون بيننا وبين الوطن نوع من التعاقد الاجتماعي، لدينا حقوق وعلينا واجبات. وليس لأحد أن يتهم خصمه العقائدي بالولاء لجهة ما حتى يأتي بدليل، ويستمع رأي الطرف المعني أيضا، فأغلب الذين يشككون في ولاءات الشيعة لأوطانهم هم الوهابيون، أما إذا كان الولاء هو مجرد تقارب في الأفكار فسنعتبر حزب العدالة والتنمية مواليا لأردوغان».
من يطلع على تصريحات إدريس هانيء سيستغرب كثيرا، كونها مخالفة لما عهدوا أن يقرؤوه في المنابر الإعلامية، فقد عهدوا عنه قول كلام غير الذي مضى، والقادم منها أكثر إثارة للاستغراب وينشر لأول مرة، فقد كشف للمساء عن قناعات مثيرة وأفكار لم يعرف قط عن الزعيم الروحي للشيعة في المغرب أنه يتبناها، فاستطرد «أنا أشعري على اعتقاد العرفاء والحكماء وزرت قبر الإمام السالك الجنيد في بغداد، والإمام مالك أحد أئمة الإسلام المجتهدين الذين وافقوا شيخه الإمام جعفر الصادق في كثير من المسائل، فأنا ضد من يستفز مشاعر الآخر بسب رموزه الدينية أو النيل منها، والحق أن تجرم السلطات كل سب للرموز الدينية على اختلافها وتنوعها، أما ما يسمى بالحسينيات فأنا ضد هذه التسمية من الأصل، ولا أجد حرجا في صلاة الشيعة في المسجد مع السنة، لأنه ليست لدي عقدة الاختلاف مع الآخر، وفي المقابل لست أنكر رغبتي في ضمان مزيد من الحرية للشيعة المغاربة وتمكينهم من الولوج إلى الحياة السياسية باعتبارهم مواطنين مغاربة كاملي المواطنة».