مشروعية استعمال لفظي «الضلال» و«الظلام» في نقد الفكر الديني؟
د. محمد وراضي
هوية بريس – الخميس 25 شتنبر 2014
تساؤلات نرغب في أن يتم تعميمها ونشرها والترويج لها، ما دامت لا تحمل غير بث ما يجب أن يتم بثه، حتى يتضح الحق من الباطل، والباطل من الحق! إذ التساؤلات في بعض الحالات تحمل حملا آلافا من الناس على التروي والتمعن في القضايا المطروحة للمعالجة النقلية والعقلية أمام الحائرين والمترددين. بل حتى أمام الموقنين بأن بعضا من قناعاتهم حقائق لا يتطرق إليها أدنى شك.
ولا بأس عندها إن تراجعت أو تراجع غيري عما كان لديه في مرحلة ما من مراحل حياته كالشمس في وضح النهار. وأتعهد للقراء بأنني سوف أحكي لهم قصة عودتي من الظلمات إلى النور في المجال الصوفي بعينه.
نقول: هل هناك مانع ديني ومنطقي وعقلي من وصف المسيئين إلى الدين بـ”الضلاليين” أو بـ”الظلاميين”؟ أو بما نشاء من ألفاظ تعبر عن مدى سخريتهم من الدين؟ وعن مدى كذبهم على الله وعلى الرسول وعلى المؤمنين؟ أو لم يرد في القرآن الكريم وفي الأحاديث النبوية ذكر للضلال وللظلام؟ أو لم يرد فيهما ذكر للابتداع وللمبتدعين بعبارات مختلفة؟ أو لم يرد فيهما ذكر للكذابين والمشوهين والمحرفين لدين الله وعلى مدى الدهر؟ أو لم يقل سبحانه: “ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا“؟
و”الضلال” بمختلف مضامينه ودلالاته، أو ليس هو “فقدان الوجهة أو الاتجاه المتبع”؟ أو ليس هو “العدول عن الطريق عمدا أو سهوا كثيرا أو قليلا”؟ وهذا العدول المتفاوت من حيث أصحابه وخطورته، هو الذي يجعل ناقد الفكر الديني يستعمل كلمة “الضلاليين” مرة! وكلمة “الظلاميين” مرة.
ثم إن الضلال “يجيء بمعنى الغي، والفساد، والخطأ والخسار، والزلل، والبطلان، والجهالة، والنسيان. والفرق بين الضلال والخطأ، أن الخطأ “هو ما ليس للإنسان فيه قصد”. ومرجعنا قوله صلى الله عليه وسلم: “رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ. وعن النائم حتى يستيقظ. وعن الصبي حتى يحتلم“.
بينما الضلال “هو سلوك طريق لا يوصل إلى المطلوب عمدا أو سهوا. وهو ضربان: ضلال في النظر، وضلال في العمل. فكل من أخطأ في الإدراك الحسي أو العقلي فهو ضال. وكذلك كل من أخطأ في الأعمال الشرعية والواجبات الخلقية”. وهذا ما توضحه الآيات التالية: “ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل“. ثم قوله سبحانه: “فإما ياتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى. قال ربّ لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا. قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى“.
وفي الآية عن ابن عباس قوله: “ضمن الله تعالى لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة”. وعنه كذلك أن “من قرأ القرآن واتبع ما فيه هداه الله من الضلالة، ووقاه يوم القيامة سوء الحساب”.
ويدخل في باب العمل بما في القرآن واتباع ما فيه، حرص المؤمنين المخلصين الصادقين على التمسك بسنة المختار التي هي جملة وتفصيلا بيان لخطاب الله عز وجل. أما غير المتمسكين بالسنة، فوصفهم بالمبتدعة الضلاليين ليس من عندياتنا، وإنما هو من صميم الدين كتابا وسنة، ففي الآية المتقدمة توضيح لا غبار عليه لما ندعيه، حيث يقول تعالى: “ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا، ونحشره يوم القيامة أعمى“! وذكره هنا هو كتابه المبين الذي يتضمن من ضمن ما يتضمنه قوله سبحانه: “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر“. يعني أن المتخلي عن الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في دينه مبتدع ضال ومضل! وهذا بين في أكثر من آية. يكفي التذكير بقوله عز وجل: “وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله“.
والصراط هنا في الآية يعني الطريق الذي هو دين الإسلام. ومستقيما معناه: “مستويا لا اعوجاج فيه. فقد أمر الله باتباع طريقه الذي طرقه على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وشرعه، ونهايته الجنة. وتشعبت منه طرق، فمن سلك الجادة نجا. ومن خرج عنها إلى تلك الطرق، أفضت به إلى النار. وهذا ما يعنيه قوله جلت قدرته: “ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله“. بحيث إنها تميل بكم وتخرجكم من الهدى إلى الضلالة! ومن النور إلى الظلام! مع التأكيد التام على أن السبل المنهي عن اتباعها تشمل “اليهودية والنصرانية، والمجوسية، وسائر أهل الملل وأهل البدع والضلالات، من أهل الأهواء والشذوذ في الفروع وغير ذلك من أهل التعمق في الجدل والخوض في الكلام. هذه كلها عرضة للزلل ومظنة لسوء المعتقد”.
وفي هذا السياق ذاته. قال العرباض بن سارية: “وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله، إن هذه لموعظة مودع، فما تعهد إلينا؟ فقال: “قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك! من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي. عضوا عليها بالنواجد. وإياكم والأمور المحدثات، فإن كل بدعة ضلالة“!
وتعميقا لوجوب وصف المبتدعة بالضلاليين -اقتداء منا برسول الله وبصحابته وبكبار علماء الأمة وفقهائها وأئمتها- نسوق ما رواه بلال بن الحارث حيث قال له صلى الله عليه وسلم: “اعلم يا بلال“. قال بلال: ما أعلم يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: “إن من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي، فإن له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا. ومن ابتدع بدعة ضلالة لا ترضي الله ورسوله، كان عليه مثل آثام من عمل بها، لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئا“!
ونلاحظ هنا أن “المحدثات” و”البدع” و”الضلالات” مفاهيم مترادفة. فالمعنى الذي يؤديه المفهوم الأول، هو نفسه الذي يؤديه كل من المفهومين: الثاني والثالث. وحتى نسهل على القراء تمييز البدعة عن السنة، نؤكد لهم كيف أن هذه تمثل طريقته أو كيفيته صلى الله عليه وسلم في التعبد. أما البدعة فطريقة أو كيفية في التعبد محدثة، لم تعرف عن الرسول ولا عن أصحابه، ولا عن التابعين، ولا عن أتباع التابعين.
وبما “أن كل بدعة ضلالة” فإن كل ما لم يقله نبينا في الدين، وكل ما لم يفعله، وكل ما لم يقر عليه أصحابه، لا يمكن وصفه إلا ببدعة، أو ضلالة، أو حدث في الدين لم يكن، خاصة في مجالي المعتقدات والعبادات.
فصح إطلاق صفة المبتدعة والضلاليين والمحدثين على كل من انتهج نهجا في التعبد غير وارد عنه صلى الله عليه وسلم. كما صح إطلاق الظلاميين على من أحدثوا قناعات ومعتقدات، لم تكن لرسول الله ولصحابته الأكرمين بها صلة. إذ الادعاء بأن رسول الله مسؤول عن تبليغ رسالتين: رسالة في حياته ورسالة في مماته، كما قال التجاني وكما سوف يؤكد الكتاني قوله! هو ادعاء نتجاوز وصفه بالضلال المبين إلى وصفه بالظلام القاتم! مما يعني أن “الفكر الظلامي الديني” ليس هو الدعوة إلى تفعيل الدين وشرح مبادئه وتعاليمه وأحكامه، وإنما هو ما يمارس علانية داخل الأضرحة وباحاتها، وداخل الزوايا وملحقاتها، والدولة راعية و حامية له ومدافعة عنه؟؟؟
ثم يأبى خطباء الجمعة في بلدنا إلا أن يسوقوا باستمرار قوله صلى الله عليه وسلم: “من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له: إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار“!!! فيكون عليهم أن يبرروا صحة كافة المبتدعات الواضحة التي تمارس ليل نهار على جميع الأصعدة! فهل الإحجام مثلا عن جباية الزكاة من طرف الحكام سنة أم بدعة؟ والممتنعون عن دفعها في أوائل عهد الخليفة أبي بكر، هل نظر إليهم كمؤمنين؟ أم نظر إليهم كمرتدين لاعتبارهم الدين، لا يقوم سوى على أربعة أركان: الشهادتين، والصلاة والصوم، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا!!!
فإن كان الضلال تيها وعدم الاهتداء إلى السبيل، وكانت الأضلولة التي تجمع على أضاليل، هي ما يكذب به على الناس لتضليلهم، فأي مانع يحول دون وصف الضلال ذاته بالظلام، لأن الضال أبعد ما يكون عن السير في النور، وإنما يلجأ إلى السير في العتمة حتى تخفى عن الناس حقيقة أمره! وإلا فهل “يستوي الأعمى والبصير؟ أم هل تستوي الظلمات والنور؟”.
فيأتي رده عز وجل في سورة “فاطر” على هذين السؤالين المطروحين في سورة “الرعد” حيث يقول: “وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات والنور“! فالأعمى هو المبتدع الضال التائه في خلاء الحيرة والجهل والتعصب المقيت! والبصير هو الذي التزم طريق الاقتداء بأكبر من التزم به -أي بالطريق المستقيم- دون أن يحيد عنه قيد أنملة! والظلمات فكر يطأ بحوافره منطق الدين والعقل والواقع التجريبي! فأن يخبرنا أحدهم عن ولي في حياته يحيي الموتى! فهذا هو الظلام الديني بعينه! ثم إنه في الوقت ذاته ظلام عقلي وتجريبي! ونظائر مثالنا هذا تزخر به كتب الطرقيين الضالين!!!
فإن قال ابن مشيش، أستاذ الشاذلي في الصلاة المنسوبة إليه: “واقذف بي على الباطل فأدمغه. وزج بي في بحار الأحدية! وانشلني من أوحال التوحيد، وأغرقني في بحر الوحدة، حتى لا أرى ولا أسمع ولا أحس إلا بها” ضاربا فيما طلبه من ربه على وتر وحدة الوجود! لأن التوحيد كما يفهمه علماؤنا من غير الصوفيين، وكما يفهمه عامة المسلمين، هو الاعتراف بالوحدانية التي تختصرها سورة “الإخلاص”: “قل هو الله أحد الله الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد“. فإذا بهذا التوحيد، بتأثير من الغزالي، وبتأثير من أصحاب الحلول والاتحاد قبله، قد أصبح عبارة عن أوحال! يطلب ابن مشيش من ربه أن ينشله منها ليغرقه في بحر الوحدة حتى “لا يرى ولا يسمع ولا يحس إلا بها”!!!
نقول: إن ما اعتقده ابن مشيش وطالب به ربه، هو ما سار عليه تلميذه الشاذلي كقاعدة عليها ترسو عامة الطرق الشاذلية في العالم كله حتى الآن! إضافة إلى المعروف لدى الطرقيين بالحقيقة المحمدية. فما الذي قاله الشاذلي للتأكد من كونه على خطى أستاذه يسير؟
قال: “إنا لننظر إلى الله ببصائر الإيمان والإيقان. فأغنانا ذلك عن الدليل والبرهان. وإنا لا نرى أحدا من الخلق (حتى الرسول!). هل في الوجود أحد سوى الملك الحق (= الله والوجود شيء واحد!). وإن كان ولا بد فكالهباء في الهواء، إن فتشته لم تجد شيئا”!!! فيكون الله عز وجل، قد بعث إلينا رسولا هو مجرد هباء! وبما أننا نحن كذلك مجرد هباء! فإنه سبحانه قد بعث الهباء إلى الهباء! والهباء في المعجم اللغوي: “تراب تطيره الريح ويلصق بالأشياء، أو ينبث في الهواء، فلا يبدو إلا في ضوء الشمس”! وخاصة حينما نطل من كوة داخل البيت على الخارج في ضوء النهار! وفي القرآن قوله تعالى: “فجعلناه هباء منثورا“. يعني شيئا باطلا وسريع الزوال!
ولم يكن الشاذلي ليتخلى عن نفس الفكرة إلا عندما يبلغ بها أوج وضوحها حيث يقول: “لو كشف عن حقيقة الولي لعبد! لأن أوصافه من أوصافه ونعوته من نعوته”! يعني أن الولي مجهولة عند الناس حقيقته! إن صفاته ونعوته هي ذاتها صفات الله عز وجل! وما على القراء الأفاضل غير الوقوف على صفات ربنا الواجبة والجائزة والمستحيلة، كي يدركوا إلى أي حد عنده نحن محقون في مهاجمة المبتدعة ووصفهم في الآن ذاته بالضلاليين وبالظلاميين! خاصة وأن أهل الضلال والظلام معززون بسند حكومي رسمي! والحال أن حكومة الملتحين تصول وتجول! كما أنهم معززون بالمعدودين من علماء الوقت الذين يجمع بعضهم بين مهنة المحاماة ورئاسة الجمعيات، كجمعية الإمام البخاري التي من المفترض أن تقف بصرامة في وجه الابتداع بكل ألوانه وأشكاله!
فلتفتحوا معي أيها القراء كتاب “مدرسة الإمام البخاري في المغرب” للدكتور يوسف الكتاني. ولتقفوا معي في الجزء الثاني منه عند الصفحتين: 519-520 حيث يقول عن الشيخ محمد بن عبد الكبير الكتاني (1290-1327 هجرية): “أبو الفيض الختم المحمدي المجدد (ماذا جدد؟). شيخ الطريقة الكتانية ومؤسسها، وعماد الزاوية وسندها، وصاحب أورادها وأحزابها الشهيد محمد بن عبد الكبير بن عبد الواحد الكتاني الحسني”!
وإلى هنا لا شيء يؤخذ على الرجل سوى وصف جده الأعلى بـ”الختم المحمدي”! هذا اللقب الصوفي المبتدع الذي يدعي الكثيرون الاتصاف به! وهو ادعاء مؤداه أن أولياء أمة محمد صلى الله عليه وسلم ليسوا في مرتبة واحدة، وأن المرتبة الأعلى لا يحتلها غير واحد منهم يعرف في الأوساط الصوفية بخاتم الأولياء! كما وصف نبينا صلى الله عليه وسلم بخاتم الأنبياء! يعني أنه لا ولي بعد محمد بن عبد الكبير الكتاني الحسني!!! فباب الولاية إذن تم إغلاقه! حتى إن ظهر أولياء آخرون بعده فستبقى مراتبهم دون مرتبته بكثير وكثير!
وحتى يزيد أستاذنا الكتاني الطين بلة قال: “وقد ظهر نبوغه العلمي بعد فترة قصيرة من الدرس، حيث برز في التفسير والحديث، وخاصة علم التصوف، فقد فتح عليه! واجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم يقظة! وأخذ عنه طريقته الكتانية! وأذن له في الإرشاد والدعوة إلى الله”!!!
ونحن أمام ما أقره يوسف الكتاني -حفيد مؤسس الطريقة الكتانية- لم نجد غير الاستغراب المفضي حقا إلى طرح أكثر من تساؤل: هل ما قرأناه في كتاب أستاذ لنا ومعاصر لنا بدعة ضلالة؟ أم إنه ظلام بعضه فوق بعض؟ أم هو بعبارة أخرى كذب على الله وعلى الرسول وعلى المؤمنين في وضح النهار؟ أم هو إقرار لا دليل عليه بكونه صلى الله عليه وسلم يؤسس بعد وفاته فرقا صوفية بدعية غارقة في الظلام؟
مات صلى الله عليه وسلم بعد أن أدى واجب التبليغ والبيان. فإذا بالمخبولين عبر العالم الإسلامي يزعمون أنه لا يكف عن الانتقال من بلد إلى بلد! وأنه يحضر إلى مساكنهم ليقابلوه في اليقظة، بحيث إنه يمد كل من قابلهم بشروح لآيات أو بتصحيح لأحاديث، وبطرق في التعبد مخالفة لسنته! والحال أنه حذر من الابتداع. ولعن من يكذبون عليه! وتوعدهم بالويل والثبور! ولعن حتى من يأويهم كاحترام لهم من جراء الضلال والظلام اللذين غرقوا فيهما من أخمص الأقدام إلى قمة الهامات!
وليت الأمر وقف عند هذا الحد. فهناك من الفرق الصوفية من يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر في مرحلة ما من مراحل أدائهم للأذكار، بحيث إنه هو والخلفاء الأربعة، يجلسون في وسط الحلقة على إزار أبيض ينشرونه كلما تهيأ لهم أنه هو وأصحابه الأربعة قادمون! والحال أنه صلى الله عليه وسلم لعن في حديث له من يجلسون في وسط الحلقات!!! بينما يتجه فقراء طريقة أخرى إلى الباب صائحين “ها هو جا” يقصدون حضور النبي صلى الله عليه وسلم لمشاركتهم فيما تبقى من مسمى الأذكار التي يتلونها!!!
ثم يتأفف الأفراد والجماعات، بل والجهات الرسمية من ثقل الصفات التي نصبها صبا على رؤوس المبتدعين! فقد تم استهجان وصفهم بالضلاليين وبالظلاميين! وكأننا لم نضبطهم متلبسين بجرم تحريف السنة وتشويه الدين؟ فكان أن رغبوا في تخلينا عن وصفهم بما يستحقون وصفهم به لأفاعيلهم النكراء! إلى حد أننا لا نتوقع منهم غير الاستعداء علينا لافتقارهم إلى حجج نقلية وإلى أخرى عقلية لتفنيد ما ندعيه! وإلى حد أنهم لم يجدوا غير الالتجاء إلى جهة فاعلة، ربما لإصدار قرار بمنع استعمال “الضلال” و”الظلام” في نقد الفكر الديني! ولو أن الأئمة في خطبة الجمعة ما فتئوا -كما قلنا- يرددون: “وشر الأمور محدثاتها! وكل محدثة بدعة! وكل بدعة ضلالة! وكل ضلالة في النار“؟؟؟